إعداد/ محمد أبو هيثم
أسهم أدباء وشعراء اليمن بالوقوف في خنادق النضال والثورة ضد الطغيان والاستعمار البغيض وذلك من خلال إبداعاتهم وقصائدهم الوطنية المتأججة بالمشاعر الوطنية.
حيث نجد هناك العديد من شعراء اليمن الذين كتبوا العديد من القصائد الشعرية التي بشرّت بالثورة وتحقيق الاستقلال ومقارعة الاستعمار والطغيان والعدوان..
ففي ذاكرة الشعر اليمني العديد من القصائد الوطنية التي كان لها حضورها الفاعل في الساحة الوطنية ولها تأثيرها البالغ في التحريض ضد الطغيان والاستعمار والتعبير عن إرادة الشعب الحرة والصلبة في تحقيق الكرامة والحرية والاستقلال.
إننا نجد أن الشعر اليمني له حضوره الفاعل في مسيرة الكفاح والنضال الوطني ومواجهة الاستعمار الإنجليزي البغيض وذلك من قبل وبعد انطلاق ثورة 14 أكتوبر المجيدة وحتى تحقيق الاستقلال في 30 نوفمبر المجيد.
حيث كان صوت الشعر الهادر ينطلق كالحمم والقذائف الخارقة ويرعد بأصدق وأروع القصائد الوطنية التي خلدها التاريخ والتي تسجل لمرحلة عظيمة من مراحل النضال الوطني ضد الوجود الأجنبي وهناك العديد من القصائد العظيمة العابقة بروح النضال والثورة والكفاح التي عبرت أصدق تعبير عن المشاعر النبيلة التي كانت تنبض بحب الوطن والنضال من أجله.
لقد كان للشعراء حضورهم واسهامهم الفاعل في مسيرة النضال الوطني والتبشير بالثورة والاستقلال والدعوة إلى مواجهة قوى الطغيان والاحتلال، ومنهم الشعراء: محمد محمود الزبيري، عبدالله البردوني، محمد سعيد جرادة، عبدالله هادي سبيت وعبده عثمان ، وعبدالرحيم سلام القرشي وادريس حنبله وغيرهم من الشعراء، الذين كانت قصائدهم قذائف وبراكين موجهة نحو صدور الطغيان والاحتلال البغيض، ودعوة للثورة ضد الاحتلال الانجليزي وكان لها أثرها وصداها الكبير في مسيرة النضال والتحرير والاستقلال .
في مدينة عدن حيث كانت هي حاضنة الأحرار
اليمنيين، يطلق أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري قصيدته الشهيرة ” صحية البعث” والتي فيها صرخة تحدي وانذار للطغاة والاستعمار بالنهاية التي ستقذف بهم إلى الهاوية.. ومن هذه القصيدة الأبيات التالية:
سجل مكانك في التاريخ يا قــلـمُ
فهاهـنا تــبـعـث الأجـيـال و الأمــــــمُ
هنا القلوب الأبيـّات التي اتـّحدتْ
هنا الحنان هنا القربى هنا الرحِــم ُ
هنا الشريعة من مشكاتها لمعتْ
هــنا العــدالـة و الأخـلاق والــشـيـــم ُ
هنا العروبة في أبطالها وثبــتْ
هــنا الإباء هنا العـليا هنـا الشــمــمُ
هنا الكواكب كانت في مقابرها
واليــــوم تـشــرق للدنيــــا وتبـتســـمُ
هنا الصوارم في الأغماد ثائرة
هنا الضـياغم في الغــابات تصـطـدمُ
هنا البراكين هبت من مضاجعها
تطـغى و تكتســح الطــاغي وتلـتهــم ُ
لسَنا الأ ُلى أيقظوها من مراقدها
الله أيـقظـهــا و السـخــط و الألـــــمُ
شعب تفلت من أغــلال قاهـــره ِ
حـراً فأجـفـل عنـه الظـُلـْمَ و الظـُلـَـمُ
نبا عن السجن ثم ارتد يهدمــه
كي لا تكـبـــل فـيـه بـعـــده قــــــدمُ
إن القيود التي كانت على قدمي
صارت سهاما من السجــان تـنتقـــمُ
إن الأنـيــن الـذي كنــا نــردده
ســرا ًغــدا صيحة ً تصغي لهـا الأممُ
و الحـق يبدأ ُ في آهــاتِ مُكـتئبٍ
و ينتـهـي بزئـيــر ٍ مــــلـــؤهُ النـــقـــمُ
“ شباب الفدا”
وفي قصيدته “شباب الفدا” ينطلق الشاعر عبدالله البردوني ليدعو الشباب في جنوب الوطن للتصدي للمستعمر البغيض ومواجهته، حيث يقول:
أفِقْ وانطلقْ كالشعاعِ النّدي
وفجّرْ من الليلِ فجرَ الغدِ
وثِبْ يا ابنَ أمي وثوبَ القضا
على كلّ طاغٍ ومستعبدِ
وحطّمْ ألوهيَّة الظّالمينَ
وسيطّرة الغاصب المفسدِ
وقلْ للمضلّينَ باسمِ الهدى :
تواروْا فقدْ آنَ أنْ نهتدي
وهيهاتَ هيهات يبقى الشبابُ
جريح الإبا أو حبيسَ اليدِ
سيحيا الشبابُ ويُحيي الحمى
ويُفني عداة الغدِ الأسعدِ
ويبني بكفْيهِ عهداً جديداً
سنيّاً ومستقبلاً عسجدي
وعصراً من النورِ عدلَ اللَواء
طهور المنى أنِف المقصدِ
فسر يا ابن أمي إلى غايةٍ
سماوَّيةِ العهدِ والمعهد
شرارة ردفان
أما الشاعر عبده عثمان فقد كانت قصائدة الأولى هي المبشرة بشرارة الثورة والحرية والتي انطلقت شرارتها من جبال ردفان الأبية:
كانت الساعة لا أدري
ولكن..
من بعيد شدني صوت المآذن
ذهل الصمت تداعت في جدار الليل ظلمة
وتمطى في دمائي حب شعب
وأطلت عشرات الأحرف الحمراء.. أسراب القوافي
مد بحر لا يحدُّ
قاعه قلب ووجد
صب فيه من زوايا الأمس حقد
أبدا لو تستريح
لم أسلها.. لم أقل من اي غاب قد أتيت
اي أنفاس حملت
ما على ردفان بحري
إن إخواني وأهلي
أذرع تحتضن النور وأرواح تصلي
في طريق الراية الخضراء والشمس الأسيرة
وربيع ذات يوم، كان في شبه الجزيرة
ترضع الدنيا شذاه وعبيره
* ويعبر الشاعر عبدالرحيم سلام في قصيدته التي تصور معارك الثوار وكفاحهم الباسل ضد الاحتلال البريطاني يكتب الشاعر عبدالرحيم سلام:
ردفان قعر جحيم للغزاة، صحت
بالثار تزأرو الثوار تستبق
تمحو جرائمهم من قرين تربتها
بفيد للشعب قسراً كل ماسرقوا
بلادي حرة
* ويقول الدكتور عبد العزيز المقالح “عندما اكتملت الثورة، وتحقق لها النصر في الثلاثين من نوفمبر 1967م، كان الشعر حاضراً ليسجل بحروف من نور خروج آخر جندي بريطاني، وعودة الأرض اليمنية الى طهارتها المفقودة” حقا كما قال .. لقد صدق وعد الثورة، وصدق معها وعد الشعر، وخرج الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان ليعلن للعالم، بأن بلاده صارت حرة، ولم يعد على أرضها الطيبة من يدنس طهارة التراب:
على أرضنا.. بعد طول الكفاح
تجلى الصباح.. لأول مرة
وطار الفضاء رحيباً
بأجنحة النور ينساب مره
وقبلت الشمس سمر الجباه
وقد عقدوا النصر من بعد ثوره
وغنى لنا مهرجان الزمان
بأعياد وحدتنا المستقرة
وأقبل يزهو ربيع الخلود
وموكب ثورتنا الضخم اثره
تزين أكليل آلاف زهره
وينشر من دمنا الحر عطره
ويرسم فوق اللواء الحقوق
حروفا.. لأول مره
بلادي حره.
شاكي السلاح
وينطلق صوت الشاعر عبدالله هادي سبيت عبر قصائده الوطنية ليدعو كل مواطن إلى مواجهة الاحتلال ومحاربته، فهو لا يفهم غير لغة القوة والسلاح: حيث يقول في قصيدته “يا شاكي السلاح”:
ياشاكي السلاح شوف الفجر لاح * حط يدك على المدفع زمان الذل راح
هذا الغير سيد وحنا له عبيد * يامن مات والله انه من القهر استراح
هذا الماء سال هذا الغصن مال * هذا الزهر يتنسم على ضوء الصباح
ارضي والنبي ويل الاجنبي * ديني او مذهبي يامرني ان احمل السلاح
يدك يا اخي يدك يا أخي * كم لك على جسمي وجسمك من جراح
ايمانك سلاح ضامن بالنجاح * لاتحيا على الايام مقصوص الجناح
ان صاح النفير كم حر الضمير* بايمشي مع الموكب على اذلاق الرماح
بـاتلقا السماء في لون الدماء * يوم الدم يطير ملا هذه البطاح
يالله ياشباب آن الاكتتاب * ارضك ملك لك والمغتصب لازم يزاح
يالله الى الامام بانحمي السلام * يالله نشعل الثوره كفى من قول اح
وفي قصيدة أخرى، يوضح الشاعر سبيت أهداف المستعمر ونواياه الخبيثة وضرورة طردة من أرض الأحرار:
أيها القانع بالعيش القليل
آه لو تعلم ما قصد الدخيل
لتحصنت بماضيك الجليل
وتخطيت حدود المستحيل
ياطريد الدهر من كل البقاع
حظك اليوم ضياع في ضياع
سترى نفسك في يوم النزاع
ساعة الروع وقودا للصراع
وعبر قصائده ظل سبيت يدعو إلى المقاومة ومحو معالم الاستعمار:
يا رجالاً تقدموا *** موكب الزهو والفخار
اشعلوها حميَّة *** تسحق العار والشنار
واسمعوا الدهر صرخة *** تصرع الليل بالنهار
وافهموا الغير اننا *** قد بدأنا ولا اصطبار
ايقظونا بظلمهم *** فشعرنا، ولا قرار
إن طلبنا حقوقنا *** صمت الغير في احتقار
اسمعوه فانه *** الف السمع بالرصاص
واخبروه بأنها *** قد دنت ساعة القصاص
قد طلبنا حقوقنا *** فاليها ولا مناص
وجمعنا صفوفنا *** وبدأنا فلا انتكاص
وطلعنا على الدنا *** أمةً تطلب الخلاص
كتب الله ذلة *** كتب الله لا مناص
دياري
ويقول الدكتور محمد عبده غانم في نشيد “دياري” ولم تقتصر دعوة الشعراء لمواجهة الاحتلال الانجليزي وطرده، بل كانوا يحرضون في قصائدهم على أهمية توحيد الوطن، من خلال تحقيق الوحدة اليمنية، ويشيرون إلى واحديه الثورة اليمنية (سبتمبر – اكتوبر) والسعي من أجل تحقيق أسمى الأهداف الثورية.. ويقول الدكتور محمد عبده غانم في نشيد “دياري”:
دياري دياري ديار اليمن *** ومن سفح صنعاء حتى عدن
وهبنا لك الروح قبل البدن *** وقلَّت لك الروح منا ثمن
ويقول في قصيدة “في سبيل الوحدة اليمنية”:
الاهل أهلي والبلاد بلادي *** يمنية في حاضر أو بادي
لا فرق بين “عبادل” و”عواذل” *** و”بكيل في التاريخ والميلاد
أو بين “شمسان” الاشم وصنوه *** “ردفان” أو “ضوران” في الاطراد
حييت يا وطني الحبيب ولم تزل *** وطن الكرام الصيد من شداد
لك في النفوس مكانة قدسية *** رفعتك فوق النفس والأولاد وهذه القصائد تعكس الوعي العميق بواحدية الثورة اليمنية والنضال من أجل تحقيق الوحدة اليمنية منذ وقت مبكر رغم مساعي الاحتلال الانجليزي إلى تثبت تلك الجهود ومحاولة تزوير وتزييفي الوقائع وطمس المعالم التاريخية اليمنية.