تردي أنظمة التوظيف يفاقم البطالة

> في إحدى السنوات كان المتقدمون إلى وزارة الخدمة المدنية 250 ألف متقدم في كافة التخصصات بينما الدرجات المرصودة لا تتجاوز 15000 وظيفة فقط حسب تصريحات المسئولين بالوزارة ومعظمها في مجال التدريس وعندما يتم توزيع الدرجات تكون من نصيب 15000 من المتقدمين أما الباقي 235 ألف متقدم يحرمون من التوظيف وبالتالي ينتظرون السنة القادمة ويضافون إلى قائمة العاطلين عن العمل هذه هي مشكلة التوظيف في اليمن وتكدس الجهاز الإداري للدولة بأعداد لاحصر لها في كافة المرافق والقطاعات ليس لهم أي مهمة سوى استلام الراتب نهاية كل شهر.
معضلة تردي أنظمة التوظيف وضعف السياسات الخاصة بإدارة الموارد البشرية وانخفاض جودة التدريب والتأهيل من أهم الاسباب التي تفاقم الاختلالات الإدارية في اليمن التي تعد من المشاكل المزمنة المستعصية عن الحل.
يرى خبراء أن عملية وأنظمة التوظيف المتبعة حالياٍ لا تحل مشكلة البطالة بل تضاعفها لأن كل عام تضاف مئات آلاف من الأيدي العاملة إلى سوق العمل وبالتالي لا بد من إيجاد حل استراتيجي لهذه المشكلة وليس حلولاٍ آنية ومسكنه فقط لبعض الوقت.
وتعاني اليمن طبقاٍ للمستشار الإداري والخبير التدريبي ناصر الحياني من مشكلة مزمنة تلقي بأعباء ثقيلة على مختلف مناحي الحياة بالعجز التام عن تطوير المواهب العلمية والادارية الأمر الذي يضع الأمن الوظيفي في البلاد في خطر .
ويرجع سبب هذه الوضعية التي جعلت بلادنا تحتل المرتبة قبل الاخيرة في المؤشرات الدولية لأنظمة التوظيف أو ما يعرف بالأمن الوظيفي إلى العديد من العوامل منها التركيبة السكانية المعقدة واضطراب الوضع السياسي بالاضافة الى وضعية التعليم الذي لايفرز موظفين مؤهلين ومحترفين.
ويقول الحياني إن بلادنا تعاني نتيجة لذلك انخفاضاٍ في الموارد البشرية وندرة المواهب وانخفاض جودة الموارد البشرية وكذا تردي معاهد ومراكز التدريب والتأهيل التي لاتستطيع الارتقاء باليد العاملة وتعجز عن إيجاد المواهب وتطويرها.
ويعد التعليم من أهم المعايير التي يتم اعتمادها في قياس مؤشر الأمن الوظيفي ووضعية الموارد البشرية والمخاطر التي تحيط بها حيث تكمن أهمية هذا المؤشر بإيجاد موظفين محترفين مؤهلين قادرين على تطوير الاداء ودفع عجلة التنمية إلى الأمام.
وتتضمن العوامل التي جعلت الأمن الوظيفي في اليمن في خطر دائم انخفاض معدل الإلمام بالقراءة والكتابة ومعدلات متابعة الدراسة في المرحلتين الثانوية والجامعية. وفي الحالات النموذجية تتميز المدن المنخفضة المخاطر بمعدلاتُ مرتفعة في الإلمام بالقراءة والكتابة تناهز 90 في المائة مقابل معدلاتُ تتراوح بين 56 و 83 % في المدن المرتفعة المخاطر.
وتعاني اليمن وفقاٍ للتقارير المحلية والدولية من تراجع وفرة المواهب المؤهلة والقادرة على الابداع والانتاجية وتطوير الاداء وهو توجه يزيد من حدته النقص في التدريب في القطاعين الحكومي والمؤسسات والشركات الخاصة.
إشكاليات
> تعاني بلادنا من إشكالية كبيرة جدا في الإدارة في عموم مؤسسات الدولة بقطاعها العام والخاص لأننا نفتقد لأفضل الممارسات الإدارية حيث لايوجد تخطيط سليم وتقييم دقيق ثم تصحيح سليم وهذه دائرة يجب أن تمشي بشكل صحيح ودائم ومترابط ومع الأسف الدائرة لدينا غير مكتملة بالاضافة إلى وجود إشكالية في التخطيط وعملية التقييم التي لا تستند للمعايير المطلوبة وعملية التصحيح غير موجودة.
كما أن هناك إشكاليات كبيرة وممارسات إدارية مغلوطة في شتى النواحي بالإضافة الى ضعف الاستثمار في القطاع الإداري ولهذا هناك ضرورة لإحداث ثورة في المجال الإداري يبدأ من وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وإحداث تغيير جذري في القيادات الإدارية لأن أي تغيير يتطلب تصحيح القيادات ويجب أيضا الاهتمام بالمراكز البحثية وخاصة في المجال الإداري ويجب أن يكون هناك علاقة بين الحكومة والمنظمات والمراكز البحثية لكي تستجيب هذه المراكز لمتطلبات الحكومة.
ويرى محمد العماري- مدرب تنمية بشرية- أن معالجة هذه المشكلة تتطلب قيام قطاعات الأعمال والاستثمار والشركات العاملة أن تستثمر في البحث عن المواهب الملائمة أو تأهيل المواهب المتاحة أمامها.
ويؤكد أنه لا يمكن إحداث تغيير في إدارة مترهلة بشكل جذري وبوقت وجيز ولهذا يجب أن تكون هناك دراسة علمية حديثة وخطط موضوعية تستند لتجارب الآخرين وتبدأ بالإدارات الأنجح وتعممها على الإدارات الأخرى للاستفادة منها.
معالجات
> توصلت الوثيقة التقييمية والرقابية السنوية للأداء في القطاع العام والجهاز الاداري إلى نقطة في غاية الأهمية مفادها أن سوء الإدارة ضاعف حدة الاختلالات الهيكلية والمؤسسية في غالبية وخلق بيئة موسعة للأعمال والممارسات غير القانونية .
وطبقا لخبراء ومتخصصين في مجال الإدارة والاعمال فإن هناك قصوراٍ تاماٍ في البناء المؤسسي وضعف السياسات الخاصة بإدارة الموارد البشرية وتردي أنظمة التوظيف والتدريب وعدم توفير حماية كافية لأصول وممتلكات المؤسسات نتيجة غياب الرقابة وإجراءات الضبط الداخلي.
كما أن غالبية المؤسسات والاجهزة الادارية العامة والخاصة في اليمن لا تستطيع تحقيق الكفاءة التشغيلية بالاضافة إلى أن واقع الإدارة يتسم بالعجز التام على مواكبة التطوير ورفع كفاءة الأداء.
وبحسب أستاذ إدارة الاعمال الدكتور أحمد المروني فإن التدوير الوظيفي يعد من أهم الحلول التي يمكن أن تعالج الوضعية الحالية للإدارة في اليمن التي تتطلب جهوداٍ شاقة ومضنية لتحسين الأداء وخلق أطر وهياكل مؤسسية وفقاٍ للأسس والمعايير الإدارية الحديثة في كافة المرافق العامة والخاصة.
ويقول إن جميع الإشكاليات الإدارية والمالية التي تحد من تطور الأداء معروف أن سببها الإنسان يعني هي من صنع الناس وليست قدراٍ محتوماٍ ولهذا تجب إعادة تأهيل كل الكوادر البشرية التي تقف عائقاٍ أمام تطور الادارة وتضاعف هوة الأمن الوظيفي.
ويضيف أنه في حالة وضع أنظمة إدارية حديثة وتفعيل الأدوات الرقابية والمساءلة سيكون هناك قدرة لكف أيادي العابثين وترشيد طريقهم وسد المسالك التي تؤدي إلى هذه الاختلالات وبالتالي رسم طريق جديد وخط سليم نستطيع من خلاله أن نصل إلى الأهداف المرجوة.
عقبة
> ترتبط المشاكل الإدارية والوظيفية التي تشكل معضلة وعقبة كبيرة أمام تطور الأداء بنوعية موارد التوظيف والتدريب الملائمة وتوافرها نتيجة انعدام وسائل التعليم الحديثة والمتطورة وكذا عدم توفر مراكز ومؤسسات ومعاهد تؤمن تعليماٍ وتدريباٍ أرفع مستوى مما هو عليه الواقع الامر الذي ينعكس في محدودية توافر المواهب الجيدة على المستويين الاحترافي والإداري.
كما أن المواهب الادارية والعلمية المحترفة في اليمن مهاجرة في الخارج لأنها تبحث ذاتها وفرصها في المدن الأخرى لما تقدمه من رواتب أكثر ارتفاعاٍ وبيئةُ أفضل للعمل.
ونتيجة لذلك يبرز توجه نحو تراجع وفرة المواهب المؤهلة في بلادنا وهو توجه يزيد من حدته النقص في التدريب من جانب الحكومة والمؤسسات والشركات الخاصة. ويؤكد خبراء على أهمية قيام القطاع الخاص في بلادنا بالاستثمار في البحث عن المواهب الملائمة أو تأهيل المواهب المتاحة لإيجاد كادر بشري قادر على وضع حد للاختلالات الادارية المتفاقمة.

قد يعجبك ايضا