معالجة الأوضاع المالية في ظل العدوان والحصار والحرب الاقتصادية تجسيداً للشعار: “يدٌ تحمي ويدٌ تبني” (5)
د/هشام محمد الجنيد
إصلاح مظاهر الغموض التنظيمي في الجهات الإدارية لإزالة أرقى طرق وأساليب التحايل على المال العام والخاص خطوة كفيلة بتحسين مستوى الأداء الإداري ودقة مخرجاته وزيادة العائدات المالية للخزينة في ظل العدوان والحصار على بلادنا.. وهي كفيلة ضمن الحلول المقترحة بمعالجة العجز الحاد في ميزانية الدولة لتغطية ما أمكن من المرتبات والأجور بعد أولوية المجهود الحربي. ومنها:
إصلاح الآليات والوسائل التنظيمية الإدارية لإنهاء مكامن الغموض التنظيمي فيها: تتطلب مصلحة العمل ضرورة معالجة مظاهر الغموض التنظيمي في الوسائل والآليات التنظيمية الإدارية وتطويرها وجعلها شفّافة بحيث تعكس كافة البيانات والمعلومات إجمالياً وتفصيلياً, وتعمل على الحد من أساليب التضليل والتعتيم المؤدية إلى إخفاء تفاصيل مخرجات الأداء الإداري، وتسبب في الجهات الإيرادية والإنتاجية والخدمية ذات الآليات والوسائل التنظيمية التي يشوبها التعتيم والغموض تسبب فقدان (50%) على الأقل من إخفاء الإيرادات المالية.
على سبيل المثال: طرق مبيعات واستثمار النفط والغاز والثروة السمكية، وقد كان استغلال هذه الموارد الثلاثة على أساس الفساد والنهب، وربما بنسبة تفوق (70%)، ولذلك كانت غير منظمة بشكل واضح وشفاف وتفصيلي. أي لا يمكن أن تعكس تفاصيل استغلال حجم الكميات المنتجة والمستغلة وعائداتها على الآليات التنظيمية: السجلات والتقارير الإحصائية الدورية. وقد ظلت غامضة طوال فترة حكم النظام السابق، وغامضة ليست على الشعب فحسب، بل أيضا على قيادات الجهات الادارية المعنية لا تدرك تفاصيل أرباح الاستثمار، وربما بما فيها الاستثمار الخاص في هذه الأنشطة القائمة على السطو والنفوذ. فجميعها ثروات يمنية هي في الأصل ملك للشعب، وأمرها غامض، لسيطرة الفاسدين عليها. فأي ذل وهوان حل في تلك الفترة على إثر عناصر سيطرت على النظام لا تحمل أدنى درجات الاستشعار بالمسئولية الدينية والوطنية.
ومن هذا المنطلق يتبين أهمية وجوب تركيبة النظام السياسي بناء على مفهوم ولاية الأمر. وهذه المعطيات هي أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى قيام الثورة السبتمبرية العظمى في 21/09/2014م. وما زالت هذه الموارد السيادية الثلاثة تحت سيطرة العدوان السعودي الأمريكي الإسرائيلي البريطاني الفرنسي… وهذه الأساليب التنظيمية التضليلية التعتيمية كان يمارسها أيضا الفاسدون في الجهات الإدارية الإنتاجية والإيرادية والخدمية للنظام السابق. وتعد هذه الأساليب غير الأخلاقية أرقى طرق الفساد المالي والإداري، لأنها لا تترك أثراً مادياً ملموساً وواضحاً، بل تساعد على إخفاء المعلومات والتفاصيل الدقيقة .
وفي التفاصيل تكمن فيها الشياطين – وما زالت هذه الوسائل والأساليب الموروثة من النظام السابق، حتى الوقت الحاضر، وما زال الفاسدون متشبثين فيها، وأية إصلاحات إدارية تعمل على تطوير وتنظيم الوسائل والآليات التنظيمية الإدارية لأجل عكس البيانات والمعلومات بشكل شّفاف وواضح وشمولي وحصري وموضوعي, لا تلقى ترحيباً من هذه العناصر الفاسدة، بل وتحارب بأساليب فنية وغير مباشرة. وسبيل إزالة مظاهر الغموض التنظيمي، لأجل تطوير مستوى الأداء الإداري وزيادة وتحسين مخرجاته، هو تطوير الآليات والوسائل التنظيمية الإدارية. وهي على سبيل المثال لا الحصر: جداول التقارير الإحصائية الدورية، مصفوفة الخطط والسياسات والبرامج ومصفوفة تقارير منجزاتها، الهياكل التنظيمية والتعليمات والقرارات التنفيذية، سجلات الأعمال اليومية، وفي ظل عناصر متقية الله، عناصر وطنية..
إن أهمية حصر وتوثيق المعلومات والبيانات الإحصائية بشكل دقيق وموضوعي سواء كانت سليمة أو غير سليمة أو متعثرة وعلى أساس الشفافية، تؤدي إلى إمكانية التحليل والتقييم الموضوعي, وتؤدي إلى وضع المعالجات والحلول المناسبة. ومثل هذه الأوضاع السليمة، سوف تعكس عمل مؤسسي هادف إلى تحقيق الخير. بينما عندما تكون معلومات وبيانات التقارير الإحصائية الدورية، وتقارير منجزات الخطط والسياسات ونتائج تنفيذ البرامج يشوبها الغموض التنظيمي والتضليل وإخفاء المعلومات والحقائق التفصيلية، فإن تلك الأوضاع الإدارية لا تؤدي إلى الاستفادة اللازمة من نتائج أعمال التحليل والتقييم. وبالتالي فإن وضع الحلول والمعالجات اللازمة لمكامن القصور والاختلالات (مظاهر الفساد) التي أدت إلى نتائج سلبية، لا تكون مجدية ونافعة. بمعنى أن نتائج التحليل والتقييم الغير موضوعية لأسباب الغموض التنظيمي، لا تساعد على وضع الحلول والمعالجات العلمية والمناسبة. ويترتب على هذه الأوضاع المتردية انعكاسات سلبية لناحية رسم السياسة الاقتصادية والمالية واتخاذ القرارات لدى السلطات العليا.
إن أعمال التحليل والتقييم الغير موضوعية لظاهرة إدارية ما ايرادية كانت أم إنتاجية أم خدمية الناتجة عن المعلومات والبيانات الإحصائية الغير دقيقة المعلومات الناقصة، هي تجسيد لغياب المسؤولية الإدارية والوطنية، وهي تجسيد لعمل غير مؤسسي, عمل في معظمه مزاجي مغلف بلون مؤسسي، أولوية المصالح الشخصية تطغى على المصلحة العامة. فإذا تأملنا إلى الآيات القرآنية المتعلقة بالإحصاء بوجوب التسجيل والتقييد والحصر، ووضعنا إسقاطاً لمضمون هذه الآيات على الواقع الإداري القائم في أجهزة الدولة الإدارية، سوف نستنتج أن العمل التنظيمي الإداري والإحصائي غير منظم على أساس التوثيق الإداري والإحصائي: الشفافية والوضوح والإظهار، الصدق والموضوعية، العدد، المدة الزمنية، الحصر الإجمالي والتفصيلي، التحليل والتقييم…
إن هذه العناصر هي الضوابط التي تنظم ترجمة حركة التسيير الإداري والمالي ومخرجاته، بتوثيقه إجمالياً وتفصيلياً، وتحكم الوظيفة الإحصائية بشكل علمي ودقيق، وتحد من الآثار السلبية والخطيرة لمظاهر الفساد الناتج عن الغموض التنظيمي وإخفاء المعلومات والتعتيم إلى حد غير عادي. ومثل هذه الأساليب الإدارية التي تتستر وراءها عناصر الفساد هي مخالفة واضحة للمنهج القرآني. ومن الآيات القرآنية الكريمة. قال الله تعالى في سورة البقرة (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله) من الآية (282). وقول الله سبحانه وتعالى في سورة يس (ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) من الآية (12).. والله ولي التوفيق ..