الجذور التاريخية للصراع اليمني السعودي (18) 26 سبتمبر .. من ذروة الثورة الشعبية إلى الانحراف والانتكاسة ..

 

عبدالجبار الحاج

في مقال له على صحيفة الجيش عام 76 يقول البردوني في توصيف تناقضات الساسة وأنانيتهم على حساب الثورة :
في بداية عام 1963 أثمرت كل نباتات الخمسينات فتدلت كل الثمار في وقت واحد بحلوها ومرها .. وبشائكها وناعمها .. تفاقم الخلاف بين الضباط الكبار والضباط الصغار بين 48 وثوار 62 تصاعد تنافس التنظيمات على القرب من القيادة، أفاقت العصبية القبلية بعد ذهول الدبابات تكاثف اعداد الدبابات لضغط العنف المعادي ..وكان الشاعر محمد محمود الزبيري بقلبه المفتوح الوطني نقطة التقاء لكل هذه القوى، وكانت القوات المصرية تواجه أشرش حرب .. حماية لقوة يكاد يمزقها الصراع ،
إلا أن الدافع القومي وسلامة النية ، كانا رائد القوات المصرية لأنها جاءت تدافع عن وضع جديد يمد سياستها وإن اختلف عنها ،
وبرهن الرئيس جمال عبد الناصر على نزاهة باستدعاء البيضاني واحتجازه بالقاهرة ، لأن عبدالناصر يؤازر ثورة اليمن بدون وساطة، وبدون فرض احد على الحكم ،
إلاّ أن انتزاع البيضاني لم يهدئ إلا مؤقتا وكان الزبيري ملئ النفس بذكريات 48 التي كانت تنفق الأموال بلا حساب فقدم إلى القيادة ثلاثة مطالب :
اولا : تسليح القبائل
ثانيا إرسال المرشدين من أبناء المدارس وأمثالهم الى المناطق القبلية لإقناعهم بالجمهورية ودعوتهم إلى التضامن معها وكان رئيس الجمهورية ( السلال ) من الذين حاوروا الزبيري ، فذكره بخطورة تسليح القبائل عن تجربة 48 التي عركها السلال إلى النهاية ولم يعرفها الزبيري إلاّ عن طريق السماع لغيابه عن صنعاء إبان حصارها إلى سقوطها ،وهو في مهمة الى الجامعة العربية ، وقبلت منه القيادة زيادة المرتبات باعتباره وزير تربية ، ولإزالة الظلم والتنقيص الذي كان يلحق بالمعلم
إلا أن هذا أدى إلى تبني البيضاني زيادة كل المرتبات لكل الموظفين عن طريقة كادر بدائي وبصورة شبه خيالية بالنسبة لاقتصاد البلد ، وطفولة الوعي ..
لأن التقشف أول مهمات كل ثورة تستهدف الرخاء المستقبلي لكل البلاد ، وقد كان ذلك الكادر أضحوكة إلى اليوم ، فقد أصبح كل الموظفين مدراء عموم او مدراء أو رؤساء أقسام .. اما المطلب الثالث فلا كلفة فيه ، لأن الطلاب تطوعوا بحماس للانتشار في المناطق للدعوة للجمهورية ، وهذه الفكرة ممتدة من وزارة الإرشاد من عام 48 التي كان على راسها المطاع كوزير للإرشاد والدعاية ..ولما لم يفد الإرشاد انضم الطلاب كغيرهم من ابناء الشعب إلى الحرس الوطني ،للدفاع عن الثورة ، من هنا جدت حساسية من نوع اخر بين الحرس الوطني والقوات النظامية فانضم أكثرها للملكيين ، وكانت الحرب تشتد كل يوم والتنظيمات ترد هذا إلى سوء تصرف العسكريين وقلة درايتهم بشؤون الحكم .
و يقول الراحل العظيم عبدالله البردوني في مقالة نشرها على مجلة الجيش عام 76 :
( نشأت أول معارضة بزعامة الزبيري وانضمت إليها كل التنظيمات كل بهويته وعلى هواه وأضيفت إليها الزعامات القبلية من جمهورية وملكية حتى استدعى الموقف الى مؤتمر عمران عام 64 وخرج المؤتمر بقرارات من 24 مادة أهمها جمهورية عادلة ، ثانيا : تكوين جيش شعبي يدافع عن النظام ،ثالثا : منع التعسف على المثقفين بدعوى الحزبية . رابعا إقامة مجلس شورى يكون غالبيته زعماء القبائل .خامسا: نقل الحكم إلى المدنيين ذوي الكفاءة ، سادسا تشكيل الحكومة باعتبار الكفاءة لا باعتبار الطائفية .سابعا: تحديد العلاقات مع الجمهورية العربية المتحدة . ثامنا : العمل على إيقاف الحرب بكل الوسائل السلمية .
ويضيف البردوني في مقالته :
( وقد ادت هذه القرارات إلى نتائج خطيرة خاصة الجيش الشعبي لأنه الغاء لشعبية الجيش الذي غالبيته من ابناء الفلاحين ثم نقطة تحديد العلاقات مع الجمهورية العربية المتحدة وهي مشاركة بتسعين الف جندي وكان على كتفها كل الأعباء الاقتصادية وكان الزبيري زعيم المعارضة يقدر هذا الدعم أعلى التقدير ، ويعتبر أن الثوار إخوة الثوار ، من مصرين ويمنيين ، ويرى المسؤولين اليمنيين سببا في الخسائر المصرية بشريا واقتصاديا …وبعد هذه القرارات بشهور سافر رئيس الجمهورية إلى القاهرة واستقبله هناك تهدئة للفوران وتردد الزبيري بين عمران وصنعاء لكي يعزز معارضته وكان الوضع في ذلك الحين في اسوأ ترديه لسبب واحد هو :
ميلاد المعارضة في ذلك الحين ، لان زمن الحروب أدعى إلى المواجهة بجبهة واحدة حتى لا يلحظ العدو ثغرة في البنيان السياسي الجديد ..
هذا من وجه ومن وجه اخر لأن المعارضة لم تتمخض عن تقاليد ديمقراطية راسخة، وانما كانت جديدة على أعباء الحقبة ومن جهة ثالثة أن المعارضة لم تكن برنامجا أو مشروع برنامج تطالب الحكم بتنفيذه أو تطمح إلى الحكم لتفنيده ، لهذا لم تتصف تلك المعارضة بمزايا المعارضة وظروفها الملائمة وإنما كانت أقرب للمقاومة أو الانشقاق على الثورة من داخلها ، إن نشوة المعارضة في ذلك الوقت دليل على قصر نظر وعدم تمييز بين زمن حرب وأوقات السلام.
لقد كانت غنائم الحرب في تصاعد وكان الفراغ السياسي يزداد كل يوم حتى تدخلت القوات المصرية ،في كل شيء بداية من بعد65 حتى في تعيين أصغر موظف ،لأنها كانت تخوض معركتين في وقت واحد ، حماية الجمهورية الشمال ، ودعم ثوار الجنوب ،وكانت سياسة العالم آخذة في التغير بعد مقتل كندي المؤيد للوجود المصري في اليمن ومعارضة جونسون لهذا الوجود خوفا غلى منابع النفط .
بدأت صفحة جديدة ، وخمدت بعض التنظيمات لينشط بعضها الآخر لأن دور السوفيت أوضح بعد أن كان متوازيا مع الخط الامريكي لأن السلاح الذي كان يدافع سوفييتي الصنع ويمني ومصري الزنود ، وكان الدعم المالي الغذائي يتدفق على مواقع المقاتلين حتى انقطع هذا المد في رئاسة جونسون ، فتحمل السوفييت والمصريون كل الأعباء ونتيجة لهذا نشطت المعارضة اكثر، وابتعدت مواقعها من العاصمة إلى برط وكان الشعب اليمني في ذلك الحين ثلاث جبهات : جمهوري ،ملكي ،بين بين ،.. وأما الغالبية فكانت تعيش بين دولتين .تذكر الملكية وتشعر بوجود الجمهورية إلا أن الاغلب من المناطق الوسطى وشمال الجنوب كانوا يرون مصالحهم الحقيقية في النظام الجمهوري ،لفتحه المدارس وطرح بعض الضرائب .ولعل قادة المحاربين من كل الجبهات ،كانوا مستفيدين من الحرب لذات الحرب ، وكانوا يبذلون أقصى الجهود لطول مدتها ،
ولهذا دعا الزبيري لمؤتمر ثان يعقد بخمر تحت شعار السلام بين اليمنيين وقد تساءل الكثير ..هل الجمهوريون محاربون وكيف يسالمون من فرض عليهم أعباء الحرب؟
وفي ذلك الحين نزلت منشورات باسم ( حزب الله ) يوقع عليها الزبيري على بركة الله وباسم الشعب ولم يصل اليقين إلى حزبية الزبيري وإنما زاد الشك في استعارة اسمه !!
وفي بداية 65 تكاثفت الحملة على الزبيري من الملكيين كعدو قديم جديد ومن الجمهوريين كثوري خارج على الثورة ومسالم لأعدائها ومن يواليها .. والتقى الجمهوريون والملكيون في حد أدنى من القاسم المشترك ضد الوجود المصري وكان الضباط يتنحون عن مراكزهم اختيارا أو كرها ..وفي واحد ابريل من عام 65 سقط الزبيري شهيدا بين خصومتين متناقضتين ملتقيتين فرأى البعض أن الجمهوريين هم الذين قتلوه حتى لا يعقد المؤتمر التصالحي المؤدي الى سقوط الثورة .وادعى الملكيون أنهم الذين قتلوا الزبيري كعدو عريق للأمامة ..ولكن من قتل الزبيري ؟
والكلام لايزال للبردوني :
لقد ألقت قبيلة برط القبض على خمسة رجال اشتبهت بهم وتدخل أحد الشيوخ الكبار لاحتباس الخمسة الرجال في خمر لمحاكتمهم أمام المؤتمر الذي دعا إليه الشهيد محمد محمود الزبيري …وعندما اجتمع المؤتمرون في خمر لم يجدوا الجنود الخمسة وقيل أنهم فروا وقيل أنهم رشوا الحراس وقيل خرجوا باتفاق بين نائب رئيس الجمهورية وكبار الشيوخ !!!؟؟؟..ودلت بعض القرائن أن القتلة غير يمنيين كانوا يحملون الزي اليمني وقد افرجت عنهم السلطات لسلامة العلاقة ..وقيل غير هذا إلا أن هذا اقرب الى الصحة اذ لو كان القتلة يمنيين لانكشف القتلة حتى الآن ..بل ان كل الدلائل تبرئ اليمنيين من قتل الزبيري لثلاثة اسباب : أن الزبيري شاعر وزعيم يتمتع بمحبة كل اليمنيين لأنه لم يتول سلطة فيسيء إلى أحد وإنما كان يسعى إلى مصلحة كل يمني . ثانيا: ان للشاعر في مجتمعنا مكانة اقدس مرتبة بدليل أن كل حكام الجزيرة يمارسون الشعر أو يكلفون من يمارسه عنهم لزيادة في المكانة الاجتماعية لأن المجد الأدبي يوازي المجد السياسي ويعزز مجد السياسة . ثالثا: إن كل التنظيمات على مختلف مشاربها كانت تثق بوطنية الزبيري وتحتمي به . لأن الزبيري كان يعتبر أن كل تنظيم وكل فرد في تنظيم يمنيا مهما كانت مستقياته الفكرية . وقد كان أهم أسباب معارضته قمع المثقفين باسم الحزبية وإن كانت بعض التنظيمات وبعض القوى القبلية قد استغلت طيبة الزبيري .
إن الدلالة على أن قتلة الزبيري غير يمنيين مضيئة الوجه قوية التأكيد فعلام ارتكزت دعوة الزبيري في معارضته ؟ وهل له نظر سياسي في هذه المعارضة ؟
بمقدار ما كان الزبيري يدافع عن التنظيمات فقد كانت ثقته بالقوى القبلية للدفاع عن الجمهورية أمتن وأرسخ ، ولعل هذا يرجع إلى قلة درايته بالحياة الاجتماعية لانعزاله في صنعاء أيام الدراسة ولغربته عن الوطن بعدها حتى الثورة ؟..
انتهت الاقتباسات من مقال البردوني ..
ولنضع أمامكم النصوص التي اوردها الشيخ الأحمر حول هذه الموضوعة التي سردها البردوني ولكم أن تقارنوا
اما عن الفكرة الاسلامية الاخوانية التي كان الزبيري بذرتها الاولى في اليمن فهكذا يقلد نفسه وصاحبه أوسمة السلام والاصلاح بجملة واحدة :
( كان من مهام تيار الإصلاح و السلام بقيادة الشهيد محمد محمود الزبيري إعادة الوجه الصحيح للثورة اليمنية ضد نظام الإمامة، والمحافظة على المنطلقات الإسلامية للثورة التي ظلت تنادي منذ بدايتها بأنها إسلامية في مبادئها و أهدافها .
(…..من الواضح من خلال تأمل مبادئ المؤتمرات الشعبية، التي بـدأها الشهيد ( الزبيري ) بمؤتمر (عمران) ثـم مؤتمـر (خمــر) وأدبيات (حزب الله)، أن تيار السلام والإصلاح قد أخذ على عاتقه إعادة الوجه الصحيح للثورة اليمنية من خلال التأكيد على الهوية الإسلامية لها، ومن خلال التأكيد على احترام دور القبائل اليمنية ومشائخها في الدفاع عن الثورة ، وضرورة تقوية هذا الدور من خلال مخاطبة اليمنيين باللغة الإسلامية التي يفهمونها و يحترمونها …)
(…..كان تأسيس ( حزب الله ) وسيلة من أهم الوسائل التي جذبت اليمنيين، وعززت إيمانهم بالثورة والجمهورية وضرورة الدفاع عنها )
انحــاز الـشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر إلى تيار الإصلاح والسلام بقيادة الشهيد /الزبيري و الأستاذ /النعمان ،والإرياني ودعم ( الشيخ ) كل التوجهات الهادفة للتأكيد على إسلامية الثورة، ورفض التطرف اليساري ….. )

قد يعجبك ايضا