مستقبل العائلة المالكة في السعودية
علي أبو الخير *
لا يستطيع أيّ كاتب أن يتجاوز عن حادث مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لأن ذلك يتعلّق بمستقبل الدولة السعودية، والأسرة السعودية ذاتها، فلقد اعترف النظام السعودي بقتل خاشقجي داخل القنصل السعودية في مدينة اسطنبول في تركيا بعد 18 يوماً من الإنكار، فقد قُتل خاشقجي يوم 2 تشرين أول/أكتوبر 2018، ولم يعترف النظام السعودي إلا يوم 20 من الشهر ذاته، بعد أن ظلّ يكذّب كل الروايات التي تتحدّث عن مقتله داخل القنصلية، والإدّعاء أنه خرج منها سالماً مُعافى.
ونحن لا نكتب عن مقتل خاشقجي إلا بقدر ما يتعلّق عن مستقبل أسرة آل سعود، التي تحكم المملكة عبر ثلاثة أجيال، وربما تصل لنهاية تاريخها، لو صدق كلام عالِم الاجتماع العربي “عبد الرحمن أبن خلدون”، الذي حدّد في كتابه “المقدّمة” عُمر الدولة الأسرية في ثلاثة أجيال آخرها يكون من الملوك الشباب، نتجاوز عن رؤية ابن خلدون، تماماً مثلما نتجاوز عن الرواية الرسمية الكاذِبة التي تؤكّد أن خاشقجي قُتل نتيجة شِجار مع 15 رجلاً كانوا يتناقشون معه، فكل العالم يعرف كذب الرواية، نتجاوز هذا كله ونتحدّث عن مستقبل الأسرة السعودية في حُكم الجزيرة العربية.
نعتقد أن مستقبل أسرة آل سعود تحدّده قوى خارجية، ومحلية أسرية سعودية، حيث نلاحظ أولاً أن الأسرة السعودية انكشفت للشعوب كلها، خاصة الشعوب الإسلامية ومنها الشعب السعودي على الخصوص، وهي الشعوب التي كانت تعتقد أن أسرة آل سعود يمثّلون الإسلام، لأنهم يتحكّمون ويشرفون على الحجاز المقدّس، بما فيه من الحرمين الشريفين في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، فقد كان المسلمون يتحدّثون عن الحجاز عند حديثهم عن الحجّ أو العُمرة، وصارت السعودية مكان الحجاز.
واليوم رأى المسلمون الأسرة السعودية يختلفون حول مَن يكون ولياً للعهد، وشاهدوا وليّ العهد محمّد بن سلمان يقبض على الأمراء ورجال الأعمال في شهر آب/أغسطس 2017، من أجل استنزاف أموالهم وإجبار الأمراء من قبل على مبايعته ولياً للعهد، فصار الأمراء ورجال الأعمال من الأعداء المُفترضين للملك ووليّ عهده، لأنه في الوقت نفسه دفع حوالي 500 مليار إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب عند زيارته للرياض في شهر أيار/مايو 2017، في مقابل أن يوافق على تعيينه ولياً للعهد.
وثانياً، تحدّد السياسة الأميركية أيضاً مستقبل الأسرة السعودية، فقلد طالب دونالد ترامب ثمن حماية العرش السعودي قبيل مقتل جمال خاشقجي، وهدّد بأن العرش السعودي يسقط خلال أسبوعين إذا رُفِعت تلك الحماية، وجاء مقتله فرصة جديدة لاستمرار الاستنزاف، ويمكن ملاحظة ذلك عندما نرى تقلّب رأي الرئيس الأميركي في قضية خاشقجي، توعّد وهدّد في البداية الملك سلمان ووليّ العهد بعقوبات رادِعة، ثم تنازل عن ذلك بعد زيارة وزير الخارجية “مايك بومبيو” للمملكة يوم 17 تشرين أول/أكتوبر 2018، بعد أن حدّد ثمن السكوت عن دماء الصحافي المقتول، ولذلك صدّقت الإدارة الأميركية ووثّقت الرواية السعودية، التي روّجت أنه قُتل في شِجار، وبالطبع فإن ثمن السكوت الأميركي، عبارة عن مليارات الدولارات، بخلاف ثمن الحماية.
كذلك يريد الرئيس التركي رجب أردوغان ثمن موافقته على الرواية السعودية، ووليّ العهد هو الذي يدفع الثمن كاملاً من نفط الشعب، وإذا كان الاستنزاف الأميركي للمال السعودي قد يسقط العرش السعودي، فإن حرب السعودية على الدولة اليمنية كلّف الدولة السعودية حتى اليوم عام 2018، حوالى 752 ملياراً من الدولارات، حسب تقديرات منظمة “فورين بوليسي” الأميركية، هذا في الوقت الذي يعاني فيه الشعب السعودي من أزمات اقتصادية وغلاء أسعار ليس في طاقتهم. التي تعوّدوا عليها، يقول الأمير خالد بن فرحان آل سعود وهو سعودي مُنشقّ عن العائلة المالِكة ويُقيم في ألمانيا “عامّة الشعب السعودي لديهم من الأموال الآن أقلّ من ذي قبل، بينما لم تتأثّر أملاك العائلة المالِكة، قدرٌ كبير من أموال الدولة لا تُدرج في الميزانية، وهو أمر يقرّره الملك وحده”، ثم طالب ذلك الأمير المُنشق يوم 19 تشرين الأول/أكتوبر 2018 بتأسيس ملكية دستورية في أرض العرب، وهو طلب مُخيف لكل أمراء الأسرة السعودية، ومن المفترض أن يقارن الشعب السعودي بين أزماته، وإنفاق الأمراء والأميرات السعوديين والسعوديات ببذخ ليس له مثيل، يكفي فقط التركيز على أن اليخت الخاص بوليّ العهد “محمّد بن سلمان” ثمنه نصف مليار دولار، وهو ما يساوي تكاليف معيشة الفقراء في السعودية وخارجها، هذا في الوقت التي أُغلقت فيه مؤسّسات وطرد عمال سعوديون ووافدون.
ثالثاً، نجد أن دور رجال الدين الوهّابيين سيكون مؤثّراً في تحديد مستقبل الأسرة السعودية، صحيح أنهم هم الذين منحوا الشرعية الفقهية الدينية الزائِفة للرواية السعودية في مقتل خاشقجي، تماماً مثلما أعطوا شرعية لسجن رجال الأعمال السعوديين، وقالوا بأن هذا الأمر مُستحدَث، وتُرك لوليّ الأمر، ولكن الأمر فيه أبعاد أخرى، فالدولة السعودية ليس لها دستور مكتوب، ولا قانون محدّد، بل إن شيوخ الوهّابية يحرّمون في الأصل كلمة “دستور”.
ونعلم جيداً أنه لا عقوبة إلا بقانون، ولا نصّ إلا بعقوبة، ولكن عدم وجود دستور أو قانون في السعودية، جعل القضية الواحدة لو تُركت للقضاة وهم في الأصل شيوخ، لجاءت الأحكام مختلفة، لأنهم يعتمدون على تفسير هذا القاضي أو ذاك للنصّ القرآني أو الحديث النبوي، والعرش السعودي يستمد شرعيته من الفقه الوهّابي وشيوخ الدين، وبعض رجال الدين أنفسهم، يرون أن سلوك الأسرة السعودية يتنافى مع القِيَم الإسلامية في ثوبها الوهّابي، فرغم وهّابيتهم التكفيرية لغيرهم، فإنهم لن ينسوا لأبن سلمان أنه سمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، وسمح بالحفلات الموسيقية والغنائية، رغم فتاوى شيوخ الوهّابية التي تنصّ وتؤكّد وتحرّم الغناء والموسيقى والسياحة.
تماماً مثلما يحرّمون زيارة مقامات الأولياء وأهل البيت والصالحين، فهم الذين اعتدوا على “المحمل المصري” يوم الخميس 24 حزيران/يونيو عام 1926، لأنهم اعتقدوا أن “المحمل” عبارة عن صنم فيه بعض المعازف، رغم أن المحمل، كان عبارة عن قافلة طبّيّة اقتصادية دينية، ظلّ طوال ألف عام يمّون الحجّاج في شهور الحجّ، فكيف يمكن موافقتهم على الغناء والمعازف وقيادة المرأة للسيارة، حتى لو أباحها الملك أو وليّ العهد، فهم لو وافقوا يكونون قد أماتوا فكرهم الوهّابي في ديار نشأته.
وبالتالي فإن موافقة هيئة كبار العلماء على سجن رجال الأعمال، أو قتل جمال خاشقجي، ما هو إلا خوف تاريخي لرجال الدين من السلطة الحاكِمة، ولا يمكن بأية حال من الأحوال أن يوافق شيخ وهّابي واحد على تحليل الغناء والموسيقى، الشيوخ لا يهمّهم نهب ثروات الشعب أو إقامة العدل، بقدر ما يهمّهم التمسّك بالإسلام الشكلي التعبّدي، وهو أمر يسير طالما أنه لا يمسّ الجيوب، ولا يساوي بين الناس.
وفي النهاية نجد أن لكل قضية ثمناً، والأسرة السعودية تدفع ثمن تحالفاتها مع أعداء الوطن والأمّة… تدفعه كاملاً.
* كاتب مصري