الحل السياسي وقيم الطغيان
د. إسماعيل محمد المحاقري
في نقاشاتي السياسية مع أوﻻدي أﻻحظ أنهم ﻻ يتحملون كلامي بأن للدول الغربية وأمريكا قيما يمكن محاكمتهم على أساسها أو توقع مواقفهم السياسية بناء عليها ولهم كل الحق في ذلك.
فقد قدمت لنا هذه الدول الدليل تلو الآخر ومنها موقفها المشارك أو المتفرج من اﻻنتهاكات التي تمارس علينا وسكوتها عن أبشع الجرائم المستجمعه لكل شروط الخسة واﻻنحطاط اﻻخلاقي ولكل جرائم الحرب والإبادة الجماعية، وقد أثبتت أن من يحكم مواقفها وعلاقاتها هي المصالح، وخصوصا عندما يكون مصدر اﻻنتهاكات هي إسرائيل وأمريكا والنظام السعودي وليس القيم المعلنة التي تدعيها.
ولكن في حديثي معهم دائما ما أؤكد لهم أن تلك الدول لها قيمها بصرف النظر عن قربها أو بعدها عن القيم الإنسانية المعلنة في دساتيرها..
هذه القيم هي قيم الليبرالية التي ترتكز في الأساس على فكرة النفعية المغلفة بمبادئ الحقوق والحريات الأساسية، والقيم الديمقراطية.
فهذه الحقوق والحريات بقدر ما لها من توظيفات نفعية رأسمالية بقدر ما تمثله من مرتكزات جوهرية – ويجوز لنا أن نطلق عليها بالمرتكزات الشكلية – يقوم عليها النظام السياسي واﻻجتماعي الداخلي لهذه الدول القائمة أصلا على التعددية الثقافية والآليات والبرامج الديمقراطية.
أما بعدها الأخلاقي والمعتقدي فيكاد ينعدم، وبغياب هذا البعد نجد أن هامش المناورة والتلاعب بتلك القيم واسع جدا وخصوصا فيما يتعلق بسياستها الخارجية.
ولكن من المهم القول إن انتهاك تلك الدول لتلك الحقوق والحريات يمكن أن يتوقف عندما يصل به الحد إلى تهديد مرتكزات النظام الليبرالي الجوهرية التي تقوم عليها آليات اللعبة، ويمثل احترامها في حده الأدنى شرطا أساسيا ﻻستمرار عمل تلك الآليات.
وأعتقد أنه بالنسبة لحرب اليمن وما مثلته الجرائم المرتكبة من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وما رافقها من انتهاكات أفظع لحرية الرأي والتعبير إلى الحد الذي تجاوز الهامش المتاح لهذه الأنظمة في السكوت عليها، لذلك ليس غريبا ما شاهدناه من تحوﻻت كبيرة – وخصوصا بعد مقتل خاشجقي – في خطاب تلك الدول وسياستها الإعلامية وتزايد الضغوط التي يمارسها الرأي العام الغربي ومنظماته الحقوقية. فأنا ﻻ اشك في جدية تلك النداءات وخصوصا بالنسبة للأصوات الآتية عبر الصحافة.. وتلك القناعة مبنية على حقيقة أن مسألة الاستمرار فيها أو السكوت عنها أمر قد يلحق أضرارا كبيرة بتلك الأنظمة وبآليات عملها يفوق – وبصورة كبيرة – ما يمكن أن تحققه من مصالح في حال إصرارها على الاستمرار في الحرب مهما كانت تلك المصالح استراتيجية بالنسبة لها. وكذلك وفقا لعدم وجود حل بديل بأيديهم بسبب صمود شعبنا وجاهزيته على اﻻستمرار في الموجهة وبذل التضحيات.
ولكن – ومع هذه اﻻنظمة يجب استصحاب “لكن” – يجب أن نكون على علم بأن من ضمن قيمها وسياستها الكذب والمراوغة سواء في علاقتها بالداخل أو الخارج، فهذا ما تعتمده في مثل هذه الأوضاع كبديل مؤقت للقوة العسكرية، كما أنها عودت العالم بأنها ﻻ تخرج من حروبها مهزومة بالمعنى الدقيق للهزيمة، فهي دائما ما تترك الأفخاخ بعدها حتى العسكرية منها، ودائما ما تسبق هزيمتها محاوﻻت عديدة وجرائم فظيعة كما حصل في فيتنام وأفغانستان والعراق وسوريا والصومال.. لذلك فالرهان هو على صحوة أسلحتنا ووعينا وتماسك جبهاتنا، بالإضافة لبعض المنظمات الحقوقية وبعض الدول.. والله الموفق.