عواصم /
العلاقات السعودية – الباكستانية دخلت مرحلة جديدة بعد وصول عمران خان إلى رئاسة الوزراء لكون عمران خان يتمتع بعلاقات جيدة مع إيران وهذا ما لم تكن ترغب به السعودية، حيث كانت تطمح بفوز حليفها نواز شريف إلا أن الأخير تم اعتقاله بتهم تتعلق بالفساد كما حصل مع حليفها السابق في ماليزيا نجيب عبد الرزاق الذي طالته تهم فساد بالجملة وخرج من السباق الانتخابي خاسراً أيضاً.
وبعد وصول عمران خان انتاب السعودية شعور بالقلق من مستقبل العلاقات مع باكستان، خاصة وأن العلاقات بين هاتين الدولتين كانت بأفضل حالاتها منذ عقود طويلة، وبدأ الإعلام والأمراء السعوديون بمحاربة خان بعد فوزه بالانتخابات حتى أن الأمير السعودي خالد بن عبدالله آل سعود، نشر تغريدة على حسابه عبر “تويتر”، عقب فوز عمران خان وحزبه، قال فيها: “الله يستر منه، يقال إنه ذنب من أذناب طهران”، ولكن هذه التغريدة سرعان ما تم حذفها من الحساب ولم تعد موجودة.
في مقابل الهجوم السعودي على عمران خان كان الأخير يتعامل بمنتهى الذكاء مع هذا الملف ولم يهاجم السعودية على الإطلاق لكنه كان حريصاً على حماية مصالح بلاده وإعادة الحياة إليها بعد أن غرقت في أزمة اقتصادية صعبة ووصف خان في أول خطاب له بعد توليه رئاسة الوزراء، الوضع الاقتصادي لبلاده بغير الجيد، وقال: “لم نشهد في تاريخ باكستان ظروفاً اقتصادية سيئة بالقدر الذي نشهده اليوم”، حيث وصل عجز الموازنة في أواخر يونيو إلى 6.6 من الناتج المحلي الإجمالي، فيما بلغت الديون الخارجية لباكستان 95 مليار دولار، والتي تقع كجبل من الديون على كاهل اقتصاد باكستان الضعيف، كما بلغ العجز التجاري 38 مليار دولار في ظل تناقص كبير في الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية وصل إلى 6 مليارات دولار في السنة.
من هنا كان حرص خان على مستقبل بلاده ولكنه لم يهمل السياسة الخارجية على الإطلاق، إذ أكد في أول خطاب له عقب فرز النتائج أن الحكومة المستقبلية لحزبه ترغب في تعزيز وتطوير العلاقات مع الدول المجاورة بما في ذلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن هنا جاء القلق السعودي خاصة وأن القوات الباكستانية كانت تشارك في التحالف العربي في حربه ضد اليمن، لذلك خشيت السعودية من انسحاب باكستان لكون خان عبّر عن معارضته علناً لمشاركة بلاده في الحرب الدامية التي لا تستفيد منها باكستان والتي “لا ناقة ولا جمل” لها فيها.
الوساطة مع اليمن
اتجه عمران خان من خانة العدوان على اليمن نحو المساهمة في إرساء قواعد الأمن والاستقرار في هذه المنطقة لما فيه خير لبلاده لكونها ستتأثر من تصاعد العنف في منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا بدأ عمران خان جولة اقتصادية – دبلوماسية نحو السعودية لجذب الاستثمارات السعودية إلى بلاده من جهة وتخفيف حدة الصراع من جهة أخرى.
وقبل حولي الشهر ذهب خان في زيارة رسمية إلى السعودية بناءً على دعوة تلقاها من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وخلال الزيارة أكد خان في لقاء مع قناة “الإخبارية السعودية” الرسمية، أن “بلاده ستلعب دوراً إيجابياً لإنهاء أزمة اليمن، إذا طلب منها ذلك، فضلاً عن جهد أساسي لتقريب وجهات النظر بالشرق الأوسط المتصارع”، وأضاف: “ما نريد أن نفعله بشكل جدي هو ضمان السلام في الشرق الأوسط لأنه من المحبط أن تجد الصراعات في بين الدول الإسلامية”، وتابع: “سنسعى إلى أن يحلّ السلام بالشرق الأوسط ونرغب أن نلعب دوراً في تقريب وجهات النظر بين دول العالم الإسلامي وسيكون هذا جهدنا الأساسي”.
وأكد رئيس وزراء باكستان استعداد بلاده للعب دور في اليمن، قائلاً: “بخصوص اليمن فإننا سنلعب دوراً إيجابياً لإنهاء الأزمة إذا طلب منا ذلك”، دون تفاصيل أكثر حول ماهية الدور.
والآن وبعد حادثة قتل خاشقجي وانفجار العالم في وجه السعودية على خلفية هذه الجريمة ولكي تخفف السعودية من حدة الانتقادات الموجهة إليها عمدت إلى إعطاء الضوء الأخضر على ما يبدو لـ “عمران خان” لبدء العمل على إنشاء حوار بين الأطراف المتنازعة للحدّ من الصراع القائم في اليمن، وأعلن خان عزم بلاده على الوساطة بين جماعة “أنصار الله” والتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، مؤكداً سعي إسلام آباد لتوحيد صف الدول الإسلامية، ونقل موقع قناة “جيوز نيوز” الباكستانية عن خان قوله: “نسعى جاهدين للعمل كوسيط لحل أزمة اليمن”، لافتاً إلى أنه سيسعى إلى توحيد صفوف الدول المسلمة، فضلاً عن لعب دور “الوسيط” في حل نزاعاتها.
أما من ناحية الاستثمار فقد حضر عمران خان مؤتمر “دافوس الصحراء” وقال رئيس الوزراء الباكستاني: “إن بلاده تتطلّع إلى إيجاد شراكة استثمارية قوية مع السعودية”، مشيرا إلى أنهم تحدثوا مع السعودية لبناء مصفاة نفط في باكستان.
وقالت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان: “جرى الاتفاق على أن تودع السعودية ثلاثة مليارات دولار لمدة عام واحد كدعم لميزان المدفوعات”، وفقاً لصحيفة “ذا نيوز” الباكستانية.
إذن عمران خان يبحث عن انعاش اقتصاد بلاده وتخليصه من أزمته الاقتصادية من خلال تقديم نفسه على أنه وسيط وطرف مهم في أي محادثات مقبلة حول اليمن.
*الوقت التحليلي