دعوة ماتيس بين مشاريع التطبيع والتقسيم

 

فهمي اليوسفي

بلا شك الدعوة الماتيسية لإيقاف الحرب باليمن وتحديد سقفها الزمني 30 يوما لعملية الإيقاف على حد ما ورد بدعوته تعد وهمية .. خداعية.
لم يؤكد ماتيس في دعوته انه عدوان على اليمن بل حصرها بأطراف داخلية وهو بذاته شريك بهندسة العدوان والإشراف عليه حتى اليوم .
هذه الدعوة تحتاج إلي ترجمة عميقة بعيدا عن التسطيح بل تستدعي الغوص بعمق للوصول للحقيقة وقراءة مابين السطور وسيجد من يخوض في هذا المضمار أنها تصب لخدمة الانظمة المعتدية وتستهدف القوى المضادة للصهيونية او التي تقول لا للمطامع التوسعية الغربية والخليجية على كافة الأصعدة في المنطقة الشرق أوسطية .
الدعوة تحمل أكثر من معنى وبين احشائها رسائل غير مباشرة منها
تهديد .. ترغيب .. تطبيع . تقسيم. سيجد القارئ انها قد خضعت لمنهجية أعدتها المطابخ المتخصصة في أمريكا كما هو الحال بمعهد امريكا للسلام .
أستطيع الجزم بأن تصويب رسالة التهديد غير المباشرة من خلال الدعوة لكونها لم تصدر من المطبخ السياسي أو الدبلوماسي أو الإعلامي بل صدرت من المطبخ العسكري لواشنطن ومن ممثل المؤسسة العسكرية وعلى لسان قائدها ( ماتيس) لكن طالما صدرت من هذا المطبخ فهي حتما رسالة تهديد مبطنة ولاستمرارية العدوان .
يقاس الترغيب من خلال الدعوة تحت أسم السلام الذي يأتي معلبا جاهزا من البيت الأبيض . الهادف للقضاء على ثقافة المقاومة المضادة للمطامع الصهيونية وبتعبير أدق طرح مشروع السلام هو في الأول والأخير مقابل التخلى عن سلاح القوى المناهضة للعدوان وضمان عدم اعتراض أي اغتصاب للسيادة اليمنية أو الوقوف ضد تلك المطامع الصهيونية في جنوب الجزيرة العربية وتسليم الأرض والثروة لشركات ال صهيون عبر الكيان السعودي كمقدمة لتقسيم الساحة اليمنية والمنطقة بشكل عام المشمولة ضمن مشروع شرق أوسط جديد .
يقاس التطبيع مع الكيان الصهيوني من خلال هذه الدعوة بطرح مشروع السلام على الطريقة الصهيونية وضمن شروط الدعوة المتزامن مع مستجدات المنطقة وتم تدشينه بزيارات قيادات إسرائيلية لدول عدة منها زيارة نتنياهو لسلطنة عمان وزيارة وزيرة الإتصالات الاسرائلية للإمارات وإشهار مشروع سكة الحديد الصهيونية التي سوف تبدأ من فلسطين المحتلة مرورا بالأردن والسعودية وصولا للإمارات فضلا عن تزامنها مع ما تقوم به السعودية بالتعاون مع الأمريكان في اليمن جنوبا وتحديدا محافظة المهرة والذي يعد ليس فقط بمد الأنبوب بل الاستحواذ على أكبر الحقول النفطية الذي بشر به أنور عشقي وهنا يتضح التدشين غير المباشر لعملية التطبيع مع الكيان الصهيوني من خلال دعوة ماتيس .
كل ذلك يدفع المهتمين بالشأن اليمني لمحاولة فك شفرات اللغز وربط هذه الدعوة بمجرى الأحداث من الماضي وصولا للحاضر لأن ذلك يكفل إيصال القارئ لاستنتاجات منطقية أو أقرب للواقع تتجلى وفق ترجمتي في التالي:
أولا .. مشاريع السلام التي تسوقها الأنظمة المتصهينة في المنطقة العربية تأتي معلبة جاهزة من الدول المصنعة لسلاح الدمار الشامل لدليل على ان الدول المصنعة لأدوات القتل لا يمكن ان تكون صانعة سلام . بل تسخر هذه المشاريع لتنفيذ مطامعها في بلدان وشعوب العالم الثالث والهادفة للقضاء على ثقافة المقاومة المضادة للمشاريع الإمبريالية والرجعية ومعاقبة كل من يقف اويعترض تلك المطامع خصوصا بالجزيرة العربية وتحمل ماركة سلام صهيوني وتصب في مجملها لصالح نفس الكيان بدرجة أساسية ثم دويلات التصهين الخليجي التي تسوق وتمول اي تتولى التنفيذ مقابل تحنيط السلطات بعائلة عربية متصهينة ويكفي النظر إلى الكيانيين النهياني والسعودي كما تشارك بالتنفيذ أجندات بمختلف الأشكال والألوان في كل بلد منها اليمن التي تتواجد فيها أجندات تابعة للغرب والخليج بما فيها التكفيرية .مع الأخذ بعين الاعتبار أن ضمن أدوات الترويج والاستقطاب منظمات مجتمع مدني ووسائل أعلام متعددة حتى منابر الجوامع الطاهرة يتم تسخيرها من قبل تلك الأجندات لقبول التطبيع وبشكل غير مباشر .
كما لن يقتصر الترويج فقط عبر هذه المنظمات بل ربما تقف بجانبها شركات استثمارية متخصصة بتسويق هذه المشاريع وتحت أسم وشعار السلام لكن ذلك يحتاج قليلا من الرصد والتتبع فضلا عن مؤسسات تعليمية مؤمركة تساهم بهذه المشاريع الخطيرة ويساهم في تنفيذها سماسرة امميون يعملون في أزقة الأمم المتحدة دون ضمير أممي ويشاركون في هندسة البرنامج الترويجي وتتخذ المشاورات الدولية وسيلة للضغط والتنفيذ .
لو سلطنا الأضواء على مجرى الأحداث المشار إليها سلفا سنجدها تحمل نفس شعار ( السلام ) وتصب نحو الأهداف العميقة للصهيونية العالمية .
.ثانيا .. على ضوء ما تم التطرق إليه سنجد الدعوة تحمل في طياتها العديد من المؤشرات الخطيرة على حاضر ومستقبل اليمن منها على سبيل المثال
… تمكين الشركات الصهيونية من القبض والبسط على مضيق باب المندب والاستحواذ على الثروة النفطية كما هو الحال في الجنوب وتحديدا محافظة المهرة الذي لم يقتصر الامر على مد الأنبوب السعودي بل هناك ما هو بالغ الخطورة منه اغتصاب الحقول الواعدة للنفط في بلدنا ..
.. الصهاينة على يقين تام أن سلطنة عمان منزعجة من التواجد السعودي بالمهرة باعتباره تهديدا لنظام قابوس هذا ما دفع النظام العماني إلى محاولته غير المعلنة إيقاف التمدد السعودي والإماراتي في المهرة لأن اغتصاب تلك المحافظة مقدمة لاغتصاب أجزاء من السلطنة ولا زال الخطر قائما يتمدد ويقترب أكثر من السلطنة .
ثالثا . طالما السعودية وكيل حصري للامريكان بالمنطقة وتمارس العدوان على الدول الشقيقة وتصب لخدمة الصهيونية .فمن الطبيعي أن تقف تلك اللوبيات الغربية مساندة لها من خلال التسهيل المستمر لمشاريع الاغتصاب التي تتعرض لها بلادنا من قبل الرياض على مستوى الأرض والعرض والثروة وباعتبار ذلك جزءاً من مشاريع تهويد وصهينة المنطقة العربية برمتها والذي يسير وفقا لمشاريع توسعية مدروسة بدأت ملامحها العابرة تبرز على السطح وتجلت ببعض المعطيات أهمها بالجزيرة العربية والمدخل التبريري للتنفيذ بإسم إعادة الشرعية غير الشرعية لليمن وتدمير سوريا ووو الخ .
كل ذلك دفع الغرب وإسرائيل إلى الإسراع بوضع حجر الأساس بتدشينه وفعلا تم بشكل مبطن بدأ من زيارة نتنياهو لسلطنة عمان ووزيرة الاتصالات الإسرائيلية للإمارات مع إشهار سكة حديد تل أبيب المشار إليها آنفا ويقتضي الأمر من وجهة نظر الغرب تمريره هذا ما دفع ماتيس لتوجيه هذه الدعوة التهديدية والترغيبية والاستدراجية للشروع بالتنفيذ وهي بنفس الوقت دعوة مساومة وجزء من أهدافها القضاء على كافة الأنظمة والقوى المضادة لمشاريع الأطماع الإمبريالية وفي مقدمتها إضعاف إيران واستكمال استهداف سوريا وحزب الله وأنصار الله مع وضع مشاريع السلام المفرغة من المعنى ضمن الشروط الاستهدافية والاستدراجية كجزء من إزاحة العوائق التي تقف أمام تلك المطامع الصهيونية مع ان الغرب وكياني صهيون وسعود يعتبرون أن الرفض من القوى المناهضة للعدوان يعني استمرارية الاستهداف لبلادنا دون توقف
رابعا . وضع خطة خداعية عبر الدعوة لتحقيق مصفوفة أهداف التحالف الذي عجز عنها عسكريا.
خامسا . بحكم أن رسالة ماتيس أصبحت واضحة ليس أمام اليمنيين من أجل انتصار قضيتهم سوى استمرارية التصدي للعدوان والتغلب على تلك المطامع التوسعية حتى تحقيق النصر ضد دول العدوان والاهتمام بحصر ورصد ومكافحة أي مشروع يأتي تحت اسم وشعار السلام المصنع من دول اللاسلام أو الذي تسوقه منظمات مجتمع مدني أو غيرها إضافة لفضح هذه المشاريع من خلال آليات المكافحة باعتبار أن إيقاف وإجهاض هذه المشاريع جزء من إيقاف عجلة المطامع الصهيونية وابتكار مشاريع مدروسة تكفل تحقيق الأهداف المرجوة للقوى المناهضة للعدوان .
لكن بالنظر إلى ما تم تناوله آنفا والوقوف أمام هذه الدعوة سنجد ضمن مصفوفة أهدافها العميقة إخراج السعودية وبقية دول العدوان من أي مساءلة دولية عن الجرائم المستمرة التي ارتكبتها ولا زالت على اليمن وتحت أسم مشاريع السلام مع تحصين الأجندات التابعة لدول التحالف والأمريكان من خلال التهيئة لعودتها وإنتاجها من جديد لتمرير مشاريع الخداع الذي يتولى تسويقه هذه المرة ماتيس وتحت اسم مفاوضات سلام يشارك بهندستها المندوب الأممي غريقث لأن ذلك يكفل التهيئة لمزيد من توسع نشاط الوهابية المتوحشة .
بالتالي لتجاوز هذه التحديات والنجاح بمكافحة هذه المشاريع وإيقاف مطامع ال صهيون يستدعي الأمر استحداث برامج للقضاء على تلك المشاريع خصوصا التي تحمل ماركة السلام الأمريكية مع الاهتمام بتوجيه حملة ميدانية وإعلامية لفضحها وإيجاد شراكة وتعاون مثمر مع مؤسسات دولية وإقليمية مناهضة للعدوان منها إعلامية مع تفعيل أدوات المكافحة للوهابية الدموية بكل أقسامها حتى المناهج الدراسية .
على هذا الأساس فإن قائد ثورة 21 سبتمبر لديه إدراك بهذا الخطر ولهذا وجه ونصح بمكافحة أي مشاريع تندرج ضمن كوكتيل الحرب الباردة التي يستخدمها التحالف العدواني وهي نصائح حكيمة ونقلها إلى حيز التنفيذ امر بالغ الأهمية لتجاوز التحديات الراهنة بل هو جزء من إفشال واجهاض المطامع الغربية والصهيونية والانتصار على قوى العدوان وهو المراد والأمل ..
*نائب وزير الإعلام

قد يعجبك ايضا