شارل أبي نادر *
فجأة وبشكل لافت ومن دون مقدمات أو ايحاءات سابقة، توافق اغلب الاطراف الغربيين المؤثرين في الساحة الدولية، على ضرورة وقف الحرب التي يشنها التحالف السعودي ـ الإماراتي على اليمن، وخرج مسؤولو تلك الاطراف الامريكيون والفرنسيون والانكليز والالمان بتصاريح متناغمة، حول وجوب وقف الحرب على اليمن والبحث عن حلول سياسية، عبر اعادة اطلاق آلية التفاوض بين الاطراف اليمنية المتواجهة، وتبرّع الجانب الامريكي عبر كل من وزيري الخارجية والدفاع بعرض وتسويق عناوين عامة للحل السياسي، نقطتها الرئيسة تقوم على تقسيم اليمن وتخصيص كل من مكوناته الأساسية بكانتون أو بإدارة ذاتية أو بما يشبه ذلك من تقسيمات إدارية وسياسية.
في الظاهر، بدا هؤلاء الاطراف الغربيون وكأنهم يصوبون على المملكة العربية السعودية، لامتصاص النقمة والاستياء الدولي والشعبي العالمي التي تولدت ضد قادة المملكة على خلفية مقتل الخاشقجي، حيث أصابع الاتهام نحو السلطة ممثلة بولي العهد، ولكن في الواقع، فإن سبب هذا التوافق الغربي الواسع اليوم لوقف الحرب في اليمن، يتجاوز الورطة السعودية بمقتل الخاشقجي إلى أسباب أخرى تتعلق بمسار الحرب بحد ذاتها وبنتيجة ما وصلت إليه، وبمستقبلها فيما لو تابعت على نفس المنوال الحالي.
نتيجة الحرب على اليمن حتى الآن
ـ فشل ميداني وعسكري ذريع في تحقيق أي من أهداف الحرب، فالجيش واللجان الشعبية صامدون بوجه اعتى قوة عسكرية إقليمية، وهم استطاعوا بالإضافة إلى الصمود والثبات، أن يشكلوا تهديدا خطرا وثابتا على مناطق ومواقع ما وراء الحدود داخل المملكة، ناهيك عن السقوط اليومي لعدد كبير من الجنود السعوديين بين قتلى ومصابين، بالإضافة إلى المشاهد الدائمة لأسر جنود سعوديين من مواقعهم ما وراء الحدود، ومشاهد الاستيلاء على كميات ضخمة من العتاد المتطور، حيث كانت تعجز طواقمه عن استعماله.
ـ فشل سياسي في خلق جبهة سياسية داخلية متماسكة ضد انصار الله، بالإضافة إلى فشل واضح للمكونات الأخرى التي انخرطت في الحرب في اعتماد موقف موحد للتفاوض، بل كانت تلك المكونات منقادة للاملاءات السعودية والاماراتية حول العملية السياسية وآفاق التسوية الداخلية، والتي عمل دائما كل من الجانبين ( السعودي والإماراتي) على تقويضها وإفراغها من جديتها وفعاليتها.
ـ امنيا، كان البديل في المناطق الجنوبية التي انسحبت منها وحدات الجيش واللجان الشعبية وأنصار الله، تمدداً خطراً وواسعاً للمتشددين بمختلف اتجاهاتهم، مع انحسار سيطرة وحدات هادي والإصلاح وغيرهما على مناطق محددة ومنعزلة.
أسباب التحول الغربي
ـ أولا : تعاظم الضغوط الدولية ضد الجرائم في اليمن وضد تجاوزات التحالف في موضوع القانون الإنساني والقوانين الدولية، بحيث لم تعد حكومات تلك الدول الغربية تحتمل النقد الداخلي، بالإضافة لسريان موجة شعبية وشبه رسمية في بعض تلك الدول تطالب بوقف تزويد المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة بالأسلحة الفتاكة، ولتأتي قضية مقتل الخاشقجي لتشكل رافعة مهمة لمنتقدي الحرب السعودية على اليمن بتوسيع ضغوطهم نحو وقفها.
ـ تعاظم تطور القدرات الصاروخية والباليستية اليمنية، حيث الميدان المفتوح على المعارك والمواجهات العنيفة، سمح للجيش واللجان الشعبية بتنفيذ تجارب حية في الميدان، ساهمت وسرّعت في امتلاك قدرات لافتة في القوة الصاروخية، الامر الذي اعتبر بالنسبة للاطراف الغربية خطرا وحساسا على الصعيد الاستراتيجي، اولاً لناحية امتلاك اليمنيين قدرات باليستية نوعية، وثانيا لناحية قدرتهم ( اليمنيين) على مسك باب المندب والتأثير على البحر الأحمر بما يمثله من ممر دولي حيوي، وخاصة ان سفن التحالف وبوارجه الحربية التي تعتدي على اليمن، تتداخل مع حاملات النفط العالمية في الممر الاجباري الضيق نسبيا، مما سيعرض الأخيرة حتما للخطر عند الرد اليمني، حتى ولو لم تُستَهدف مباشرة.
على ماذا تقوم المناورة الغربية حاليا؟
مبدئيا، واستنادا لما رشح من معطيات أشار إليها وزير الحرب الامريكي الجنرال ماتيس، تقوم المبادرة على وقف اطلاق النار والانسحاب مسافة كافية عن الحدود مع السعودية ونزع الأسلحة من الاطراف المتقاتلة، والبدء بمفاوضات سياسية تهدف (كما أشار ماتيس) الى تقسيم اليمن الى مناطق مستقلة أو ادارات ذاتية مستقلة.
في دراسة لهذه المعطيات أو المقترحات الامريكية، يمكن استنتاج مناورة الالتفاف الخطرة والخبيثة التي تستهدف الجيش واللجان الشعبية وأنصار الله، لا بل التي تستهدف اليمن بشكل عام :
البديل الذي تستهدفه أو تحاول منعه هذه المناورة الامريكية ـ الغربية، والسعودية ـ الإماراتية حتماً، هو دولة يمنية موحدة عادلة بين مكوناتها جميعا
لناحية نزع الاسلحة، يعني ذلك انتزاع نقاط القوة الرئيسة التي ساهمت بصمود اليمنيين وثباتهم وانتصارهم، وبمعنى آخر تجريدهم من وسيلة حمايتهم وجعلهم عرضة للقتل والاستهداف.
لناحية الانسحاب عن الحدود مسافة كافية، يعني ذلك إلغاء عنصر مهم من عناصر التأثير اليمني على السعودية، والتي كانت المساهم الرئيس في تكوين وفرض معادلة الردع ـ الى حد ما ـ بمواجهة التفوق الجوي والعسكري السعودي.
لناحية الشق السياسي حيث هو أساس هذه المناورة، والقاضي بتقسيم اليمن والقضاء على وحدته، وهذا سيؤدي حتما إلى تفتيته وإضعافه وجعله كانتونات متباعدة عديمة القدرة والإمكانية السياسية والأمنية والاقتصادية، وهذا ايضاً سيكون العامل الأساس الذي سيؤمن الالتفاف على أي تسوية داخلية سياسية متوازنة، حيث الأخيرة ستكون حتما ناجحة، بعد أن يُسمح للاطراف اليمنية الداخلية بالتواصل المتحرر من الضغوط.
طبعا، البديل الذي تستهدفه أو تحاول منعه هذه المناورة الامريكية ـ الغربية، والسعودية ـ الإماراتية حتماً، هو دولة يمنية موحدة عادلة بين مكوناتها جميعا، قوية صاحبة قرار حر ومستقل، قادرة على استغلال موقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية المدفونة حاليا والممنوع استخراجها، دولة متماسكة قادرة، نواة قوتها العسكرية هي الخبرات والقدرات التي اكتسبها الجيش واللجان الشعبية في هذه الحرب الكونية التي استهدفتهم، دولة مزدهرة وآمنة، ولكن طبعا ستكون هذه الدولة خارج السرب الإقليمي المرتهن للغرب، وستكون خارج الاصطفاف الإقليمي المعادي لإيران، وهذا الذي لا يريده الغرب ولا تريده الدول الإقليمية الخليجية المعروفة.
* خبير ومحلل عسكري لبناني – موقع العهد