14 أكتوبر.. ثورة ونضال مشترك بين اليمنيين في الشمال والجنوب

*لإنهاء الوجود البريطاني من أرض اليمن
*اليمنيون الذين توحدوا لطرد المحتل البريطاني القديم يستنفرون قواهم اليوم في الشمال والجنوب لدحر الغزاة والمحتلين الجدد

أحمد المالكي
تفجرت ثورة الرابع عشر من أكتوبر في جبال ردفان الشامخة بعد نضجها ثوريا وعسكرياً شمال الوطن خاصة في صنعاء وتعز وإب والحديدة حيث مثلت هذه المحافظات ملاذاً آمناً للثوار الذين استطاعوا منها أن يرسموا خطتهم الثورية ضد المحتل البريطاني البغيض بجنوب الوطن بالتعاون مع إخوانهم ورفاقهم من عناصر المد الثوري في الشمال وذلك بعد أن توحد الجميع وقاتلوا في دعم الثورة السبتمبرية والتي كان لها الدور الأساسي في تفجير ثورة الـ 14 من أكتوبر عام 1963م ليتم بعدها طرد المستعمر والمحتل البريطاني وإنهاء تواجده في أرض اليمن بعد احتلال دام طيلة قرن وربع من الزمان.. وبعد (55) من عمر الثورة الأكتوبرية ها هو جنوب الوطن يدنسه المحتلون من جديد وإن بوجوه أعرابية جديدة إلا أن بصمات المحتل الإنجليزي القديم ما تزال تظهر وان كان اسم الأعجمي الجديد أمريكياً فالمنشأ والهدف واحد هو احتلال اليمن والسيطرة على ثرواته ومياهه وممراته الاستراتيجية وحماية للكيان الصهيوني المحتل في المنطقة وكما تم إنهاء تواجد العجمان القدام من جنوب الوطن سيتم إنهاء تواجد العربان الجدد لأن اليمن مقبرة الغزاة وأرضها طيبة لا يمكن أن تقبل على ترابها محتلاً أو غازياً .. إلى التفاصيل:
ومن المعروف أن ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م تعد واحدة من أهم الثورات العربية التي غيرت بقيامها مجرى الأحداث وانتصرت للحرية والكرامة بعد سنوات من النضال الثوري المسلح ضد الاستعمار البريطاني حيث قدم فيها اليمنيون ملاحم عظيمة من البطولة والاستبسال والنضال الثوري والتضحيات الكبيرة بالأرواح والدماء والأموال لطرد وتحرير البلاد من الاستعمار البريطاني المحتل والذي جثم على أرضنا في جنوب الوطن لأكثر من 125 عاماً تعرض فيها اليمنيون لشتى صنوف القهر والإذلال والاستنزاف والعبودية.
حماس
وبلا شك فإن الحديث عن الثورة الأكتوبرية المباركة يثير الكثير من الحماس والفخر حولها فهي لم تأت بمحض الصدفة أو ولدتها عوامل مؤقتة بل جاءت حصاد سنوات من النضال المتواصل على مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية ومن مختلف تيارات المجتمع الوطنية والقومية والإسلامية والقبلية ومن كل اليمنيين في الشمال والجنوب وقد اكدت هذه الثورة بقيامها ترابط الشعب اليمني وواحدية الثورة اليمنية السبتمبرية الأكتوبرية ووحدوية اليمنيين في نضالاتهم عبر التاريخ، هي حقائق لا يمكن التشكيك فيها مهما حاول البعض أن يزرع الشكوك في عقول وأفكار الأجيال، وترابط الأحداث التي رافقت الثورتين تؤكد هذه الحقائق حيث ساعد نجاح ثورة سبتمبر في تسريع الخطى نحو استقلال الجنوب ومثلت الحاضن الكبير لانطلاق ثورة أكتوبر وخلقت في عدن وفي كل مناطق الجنوب ظرفاً هيأ وأوجد مناخاً ممتازاً لقيام ثورة 14 أكتوبر المجيدة وهب الشعب كله في مقاومة الاحتلال البريطاني بدعم وتأييد من ثوار سبتمبر المجيدة وظل الثوار في عدن وبقية المحافظات الجنوبية في صراع دائم مع الاستعمار البريطاني غير أن بداية الثورة الحقيقية كانت عندما لوحت حركة القوميين العرب في اليمن بتبني فكرة الكفاح المسلح ضد الاستعمار وعملائه في المنطقة وهي الفكرة التي طرحها قادة الحركة وأوصلوها إلى أذهان الرئيس السلال والقيادة العربية في اليمن.
تأسيس
ومن المهم التأكيد هنا على ان كثيراً من قيادة الحركة في عدن تبوأوا مناصب رسمية رفيعة في الشمال وقد هيأ إنشاء مكتب لشؤون الجنوب برئاسة المناضل قحطان الشعبي والذي عين مستشاراً لرئيس الجمهورية العربية اليمنية لشؤون الجنوب عقب ثورة سبتمبر للتسريع بقيام الحركة وتلاحقت الاجتماعات والاتصالات التي كان اهمها الاجتماع العام الموسع الذي عقد في دار السعادة في 24 فبراير عام 1963م وحضره الكثير من العناصر القيادية، وبعد نقاش مطول خرج الاجتماع بالاتفاق على تأسيس “جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل” على أن يكون شكل نضالها انتهاج الكفاح المسلح حتى التحرير، وأكد هذا القرار مرة أخرى اجتماع أغسطس 1963م حين انضمت قوى أخرى للجبهة كالناصريين والبعثيين وغيرهم علماً بأن اجتماع فبراير تم الإعداد والتحضير له بالاتصالات المستمرة التي كانت تجريها قيادة الحركة مع الرئيس السلال والقيادة الجمهورية ورموز القيادة المصرية.
شرارة أخرى
ومثلت مدينة عدن قبيل ثورة أكتوبر شرارة نار أخرى اطلقها الثوار في وجه المستعمر البريطاني حيث بدأت التشكيلات التنظيمية بالعمل الفدائي في عدن أوائل عام 1946م وتشكلت قيادة للمدينة مكونة من القطاع العسكري والقطاع الشعبي الذي كان يضم قطاعات العمال والمرأة والطلاب والتجار، وكانت الأعمال الثورية العسكرية التي شكلت البداية هي قصف مبنى المجلس التشريعي بكريتر وضرب برج المطار وغيرها من الاعمال الفدائية التي استخدمت فيها القنابل على بعض الأهداف في المدينة وتحولت الجماهير إلى حارس أمين للفدائيين في كل زقاق وبيت وشارع وكانت البيوت والمحلات التجارية والدكاكين مفتوحة لكل فدائي يريد الفكاك من مطاردة الدوريات البريطانية أو الاختفاء عن أعين المخبرين والجواسيس المنتشرين في الأحياء والأزقة الشعبية، وكانت تلك العمليات الفدائية تتم بالتنسيق بين فرع الجبهة في عدن والثوار في الشطر الشمالي من اليمن حينها حيث كانت ملامح الثورة تتبلور وتنامى النضح الثوري بين المواطنين بمحافظات أبين والضالع وحضرموت ولحج وغيرها.
توزيع المهام
ويشير الكاتب راشد محمد ثابت في كتابه عن ثورة 14 اكتوبر إلى أنه بعد ترتيب الأوضاع الإدارية لعمل هيئات الجبهة في مقرها الرئيسي بتعز عملت القيادة على توزيع المهام النضالية على عدد من العناصر بحسب خصائص وظروف كل منطقة على حدة وقد باشرت القيادة في تعز العمل على إعداد المقاتلين أولاً من جبهة ردفان بقيادة الشيخ راجح بن غالب لبوزة والتنسيق مع مكتب القيادة المصرية في تعز بتحديد فترات زمنية للتدريب في معسكر خاص في صالة لنشطاء الجبهة القومية يرمز إليه بعملية (صلاح الدين).
استطلاع
وكانت البداية أن يتحرك الشيخ غالب بن راجح لبوزة إلى الداخل للاستطلاع والتعرف على طبيعة ما يجري داخل منطقة ردفان والعمل على تجميع أو تنظيم المجاميع المقاتلة في الداخل وتوزيع المهام للأفراد والمجموعات بهدف الحصول على المعلومات الدقيقة حول ردود أفعال السلطات الاستعمارية في المنطقة من عودة المقاتلين إلى مناطقهم ومدى ما تقوم به القوات البريطانية من حشد عسكري استعداداً للقتال وفيما إذا كانت تتمركز في المنطقة بصورة ثابتة أو مؤقتة على ان تظل القيادة في صورة ما يجري داخل منطقة ردفان من خلال مراكز المتابعة التي عملت الجبهة على تنظيمها عبر مركز ثابت في (إب) بالتنسيق مع القائد العسكري أحمد الكبسي الذي كان من أعضاء الحركة ومكلفاً رسمياً من صنعاء لمتابعة النشاطات المعادية من الجنوب ضد الثورة والجمهورية، كما تم ترتيب عناصر متحركة للاتصال بين الداخل في ردفان والقيادة في مدينة تعز وكانت حصيلة المعلومات التي وصلت من ردفان أن الإدارة البريطانية قد ضاقت ذرعاً من عودة الشيخ راجح لبوزة إلى منطقته مع عدد من المقاتلين الذين كانوا في جبهات القتال داخل الشمال يدافعون عن النظام الجمهوري الجديد.
طلقة رصاص
وحينها ثارت ثائرة الضابط السياسي البريطاني “مستر مينلل” الذي أرسل رسالة إلى الشيخ غالب لبوزة يوضح فيها علم السلطة البريطانية بعودته وزملائه إلى ردفان وهم يحملون الأسلحة والقنابل اليدوية، ويطلب منه الحضور إلى الحبيلين لمقابلته مع إحضار الاسلحة مشفوعة بـ 500 شلن ضمان التزامه بالبقاء مع التعهد بحسن السلوك وعدم العودة إلى “اليمن” ما لم فسوف ينال مع زملائه العقاب الشديد، وهذا الإنذار كان بادرة انطلاق المعركة الأولى التي بشرت بولادة ثورة منظمة لم تتوقف حتى يتم الجلاء التام والشامل، وكان الرد الحاسم من الثوار بقيادة لبوزة يحمل عزيمة التحدي لغطرسة الضابط السياسي البريطاني، بل وعدم الاعتراف بسلطة حكومة الاتحاد على منطقة ردفان، وتضمنت رسالة الرد الاستعداد لمواجهة أي عدوان على مناطقهم مهما كانت الاحتمالات، وأرسل الرد إلى الضابط السياسي البريطاني يحمل توقيع الشيخ راجح لبوزة نيابة عن العائدين إلى ردفان، وارفق الرد بطلقة رصاص تعبيراً عن التحدي والقطيعة مع أعداء الوطن من المحتلين والعملاء.
استعداد
ولم تكن ردة الفعل البريطاني سريعة على رسالة الثوار فأجمع المقاتلون من أبناء المنطقة على الاستعداد للمعركة وإخلاء المنازل من العائلات حتى لا تكون عرضة للقصف والإبادة، وكانت حركة استطلاع الثوار قد حصلت على معلومات بتقدم الوحدات العسكرية البريطانية صباح يوم الثالث عشر من أكتوبر عام 1963م باتجاه وادي المصارح يصحبها الضابط السياسي “مستر مينلل” ويرافقه شيخ المنطقة محمود حسن على لخرم، في تلك الأثناء تحرك الشيخ لبوزة مع المقاتلين من منطقة وادي ديسان باتجاه جبل (البدوي) للتمركز هناك وتوزيع المقاتلين على مواقع مختلفة بما فيها موقع (المصراح) استعداداً للهجوم على القوات البريطانية في الحبيلين غير أن المعلومات التي حصل عليها المقاتلون هي أن القوات البريطانية أخرت الهجوم يوماً واحداً وهي تتقدم إلى وادي المصراح لتقوم بالهجوم في اليوم التالي 14 اكتوبر 1963م
استشهاد
حيث بدأت أرتال القوات البريطانية في مسيرة عسكرية من خارج معسكر الحبيلين متخذة طريقها عبر الثمير إلى وادي المصراح وقامت بالانتشار لمواجهة الثوار وحاولت قوات العدو التقدم تحت تغطية نارية مكثفة من الدبابات ومدفعية الهاونات إلى جانب القصف الثقيل للمدفعية وكان الشيخ لبوزة متمركزاً مع مجموعته في جبل البدوي بعد أن نزل إلى القمة التي على يمين قرية البيضاء وهو يتقدم الفصيل الصدامي الأول ضد القوات البريطانية واستمرت المعركة على أشدها ولم يستطع البريطانيون التقدم شبراً واحداً واستمر لبوزة بالقتال حتى الساعة الحادية عشرة ظهراً حيث أًصيب موقع لبوزة بخمس طلقات مدفعية ثقيلة أدت إلى إصابة راجح لبوزة بشظية في الجنب الأيمن مخترقة جسده حتى الجانب الأيسر موقع القلب لكنه ظل قابضاَ على سلاحه كالأسد حتى وافته المنية وهو في عربته حين نطق بالشهادة وكانت لحظة استشهاد لبوزة في يوم الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م هي يوم أن أعلنت الجبهة القومية بداية الثورة من على قمم جبال ردفان الشماء هذه الثورة التي استمرت تتصاعد دون توقف حتى جلاء آخر جندي بريطاني من على أرض جنوب اليمن الطاهرة.
القديم والجديد
ولا بد من الإشارة هنا ونحن نحتفل بالعيد الـ 55 لثورة الـ 14 أكتوبر المجيدة إلى أن المستعمر القديم الذي تم إنهاء وجوده في جنوب اليمن بتضحيات ونضالات أبطال وأحرار شمال اليمن وجنوبه يوم 14 أكتوبر 1963م هو المستعمر الجديد نفسه الذي يحتل جنوب الوطن ويعمل بكل إمكانياته العسكرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية على تدمير وعزو واحتلال كل اليمن وإن بوجوه أعرابية سعودية إماراتية وسودانية ومرتزقة وقاعدة وداعش والنطيحة والمتردية فوراؤهم جميعاً أعجمي إنجليزي كبير اسمه أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، ومع الأسف الشديد فقد تم حرف بوصلة الوعي لدى شباب الجنوب اليمني الذين يتم الزج بهم الآن في معركة لا تخدم اليمنيين في الجنوب بل خدمة لقوى العدوان الأمريكي الصهيوني على اليمن والذي بدأ في الـ 26 من مارس 2015م وحتى الآن، حيث وعلى مدى يقارب الأربعة أعوام من العدوان عمل المستعمرون والمحتلون الجدد على السيطرة على مقدرات الجنوب بموانئها ونفطها وغازها كما عملوا على ضرب الهوية الوطنية وإذلال إخواننا في جنوب الوطن بمزيد من الإهانة والسجن والاغتيالات والإرهاب والتعذيب في السجون ومارسوا كل أنواع الإجرام بحق إخواننا الجنوبيين وكذلك بعض المناطق التي تم احتلالها والسيطرة عليها في الشمال من قبل القوات الإماراتية ومرتزقتها اليمنيين وكما تم طرد المحتلين والغزاة القدامى ها هو شعبنا اليمني العظيم في الشمال والجنوب يستنفر بكل قواه العسكرية والشعبية والاجتماعية في مواجهة الغزاة والمحتلون الجدد، وها هو الجنوب ينتفض في عدن وأبين والمهرة وحضرموت وشبوة ضد العربان الصهاينة الإماراتيين والسعوديين، وها هو شمال الوطن يحتضن أحرار الجنوب ويخوض الجميع معركة التحرر الكبرى من الهيمنة الاستعمارية الأمريكية الإمبريالية .. موقنون بالنصر المبين الذي نراه قريباً بلا شك يلوح في الأفق.

قد يعجبك ايضا