*في كتابيه “الثورة جنوب الجزيرة” و”حصار السبعين” إشارات ملحمية على تضحيات اليمنيين وقوة صمودهم:
إعداد/محمد إبراهيم
ماذا تعني ثورة السادس والعشرين من سبتمبر للإنجليز المستعمرين لجنوب الوطن.؟ وكيف ولدت ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م..؟ وكيف تضافرت جهود وتضحيات اليمنيين على أكثر من جبهة للدفاع عن النظام الجمهوري..؟ وعلى عزيمة الكفاح المسلح حتى رحيل الإنجليز ؟ وما أوجه الشراكة العدوانية ضد الثورتين اليمنية بين الإنجليز والأمريكان والسعودية. ؟ وكيف تحطم هذا التحالف..؟
في هذه المادة الصحفية سنبحث عن إجابات هذه التساؤلات من فضاءات حوارية سابقة، ومن صفحات كتابي (حصار السبعين والثورة جنوب الجزيرة) للمؤلف المصري مكرم محمد أحمد أمين عام اتحاد الصحفيين العرب – الأسبق-. ولكن قبل الدخول إلى هذه المادة تجدر الإشارة إلى أن الصحفي المصري الأستاذ/ مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين المصريين، الذي لقب بالصحفي المحارب في اليمن، ذلك لأنه أتى اليمن مع أول دفعة من الجيش المصري الذي أتى لمساندة الثورة السبتمبرية، فخبر طبيعة اليمن وألف عن حروبها وسلمها ونسيجها “السياسي والقبلي” ، أهم كتابين وثقت مجريات الكفاح والنضال اليمني في حقبة الستينيات والسبعينيات، هما “حصار السبعين” و”الثورة جنوب الجزيرة”. اللذين تحدثا عن محطات ملحمية من تضحيات اليمنيين شمالا وجنوباً للتحرر من الاستبداد الاستعمار والمضي باتجاه استعادة الوحدة اليمنية المجيدة.. إلى التفاصيل:
في مطالع ستينيات القرن الماضي وعقب ثورة السادس والعشرين من سبتمبر كان الاستعمار البريطاني، يقود أعتى قوة استعمارية تحرك أساطيل العالم، وكان يصب جل اهتمامه باتجاه إجهاض ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، عبر دعم وتجييش الملكيين وإعدادهم لحصار صنعاء ومحاولة اسقاطها، لكن ما لبث المستعمر سوى عام وأقل من شهر، حتى اندلعت في وجهه ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م على أيدي ثلة من المناضلين اليمنيين وعلى رأسهم الشهيد لبوزة، وذلك عقب عودتهم من جبال حجة ورازح شمال اليمن في معركة مطاردة فلول الملكيين.
الأستاذ مكرم محمد أحمد، لا يؤكد بهذه اللمحة على واحدية الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر(1962 – 1963) فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى الإحاطة بواحدية العدو المشترك للمسار الثوري اليمني، البريطاني الأمريكي، وكذلك المال السعودي الذي كان وراء تأليب الملكيين وتمويلهم بالمال (الذهب) والسلاح وتصعيد معاركهم ضد النظام الجمهوري في اليمن الشمالي خصوصاً عقب رحيل الجيش المصري من شمال اليمن. ففي كتابه «حصار السبعين». يؤكد مكرم أن عملية الجنادل أو حرب السبعين يوما التي خطط لها الجنرال كوندي رجل المخابرات الأمريكية في اليمن، لم تحقق سوى الفشل المسموع على أبواب العاصمة اليمنية.. وكانت أول خطة شاملة لضرب اليمن الجمهوري بعد خروج القوات المصرية.
أضاف مكرم: إلى أن الكولونيل كوندي جاء إلى اليمن أول مرة في العام 1960م بدعوى البحث عن طوابع بريد تذكارية وإصدار طوابع أخرى – عملية تجارة رابحة فملايين من الهواة يحبون أن يشتروا طابع المملكة القائمة على طرف الجزيرة العربية. المملكة الأكثر تخلفاً والأكثر أسطورية. غير أن أسطورة أخرى لحقت بكوندي بعد وصوله. انه السلالة الجافة والأخيرة لأسرة كوندية التي تنتمي إلى طبقة الأمراء في فرنسا خلال صراعها من اجل عودة الملكية في فرنسا.. وعندما قامت ثورة اليمن أصبح كوندي – السلف الأخير للأسرة الفرنسية بقدرة قادر جنرالاً امريكياً. ليشكل رأس جهاز الحرب الفني ضد الجمهورية، وكانت خطته «الجنادل» من اجل الاستيلاء على صنعاء في آخر عملياته الشاملة في اليمن الجمهوري بعد خروج القوات المصرية.
الدعم البريطاني
وحول الدعم البريطاني الاستراتيجي الذي كان يضخ للملكيين قال مكرم في كتابه “الثورة جنوب الجزيرة”: كانت خولان لطبيعة موقعها دون كل مناطق اليمن مكان التقاء مصدرين هامين من مصادر إمداد التمرد على الجمهورية اليمنية. كان يأتيها الإمداد من الوجود الانجليزي الذي كان قائماً في عدن من خلال إمارة بيحان حيث كانت تهبط طائرات النقل الثقيلة كل مساء في منطقة النقوب موطن الشريف الهبيلي – ومن النقوب كان يجري تهريب السلاح إلى حريب ثم إلى خولان وكان مما يساعد على هذه المهمة أن شريف بيحان كان قد نجح في التأثير على قبائل مراد التي تسكن منطقة حريب وكانت قبائل مراد هي همزة الوصل بين خولان وشريف بيحان وكانت تجد رزقها من نقل السلاح إلى هناك.
وواصل قائلاً: والثابت المؤكد – من مجموع الوثائق التي ضبطت في مكتب شريف بيحان وفي قصره في منطقة النقوب بعد استيلاء الجبهة القومية على الحكم في عدن – أن السلطات البريطانية قد سلحت في خولان ما يقرب من 20 ألف مقاتل يمني وأنها عاونت في إنشاء جهاز حرب فني يخدم حركة التمرد في هذه القبائل من المرتزقة الأجانب وان هذه الجهاز الفني كان على درجة عالية من الكفاية الفنية وانه كان يضم خدمة شبه كاملة في التخطيط وفي الاتصال اللاسلكي وفي التنصت.
وأضاف أيضاً: كانت خولان تتلقى سيلاً آخر من الإمداد تجيئها من خارج الحدود خلال أسطول هائل من سيارات النقل الحمراء طراز فورد عن طريق منطقة الجوف غير المأهولة بالسكان في كثير من بقاعها. وتثبت الوثائق التي عثر عليها في قصر الشريف الهبيلي ضخامة هذه الإمدادات ومع الإمدادات كانت تجيء الرواتب تحت بند معروف باسم ميزانية حريب. غير انه عقب استقلال عدن ومحمياتها لم يعد لخولان من منفذ للإمدادات سوى ما يجيء لها من أقصى الشمال. وكان يقود تمرد القبيلة ناجي بن علي الغادر الذائع الصيت في اليمن. احد مشايخ الاعروش التي هي فخيذة من فخائذ خولان.
التحالف السعو أمريكي بريطاني
في لقاء صحفي سابق ذي صلة بموضوع أمريكا والسعودية وبريطانيا – نشرته الثورة- يقول مكرم محمد أحمد: يعتبر المحور الشرقي هو أصعب المحاور لأنه استنفد جزءاً كبيراً من قواتنا، وهو أول منطقة ذهبت إليه قواتنا، ولما تم محاصرة كتيبة سند في منطقة رأس العرقوب جاءت القوات والحملات المصرية تباعاً إلى المحور الشرقي الذي كان كما قلت أخطر المحاور في خارطة الصراع بين الملكيين والجمهورية ولأن المنطقة أيضاً كانت مفتوحة على إمارة (بيحان) التي هي المكان الذي تصب فيه كافة الإمدادات التي تأتي للملكيين، سواءً من السعودية أو القوات المحتلة البريطانية الموجودة في عدن.
وأضاف: والمحور الشمالي من صعدة حتى جحانة، كان أيضاً محوراً هاماً، لأن هذا المحور كان يقع على حدود نجران، أما المحور الجنوبي الشمالي كان هادئاً نوعاً ما في معظمه، ولم تكن هناك معارك كثيرة، لكن كان الأهم في جنوب الجنوب من الوطن أن عملية هامة جداً كانت تجري على الأرض، هي عملية صلاح الدين التي كانت تستهدف تحرير عدن.. وكانت بيحان تسمح بتواصل جسور الدعم للملكيين من السعودية والمستعمر البريطاني..
واحدية الثورة
وحول واحدية الهدف والفعل الثوري في المحاور الجنوبية والشرقية والشمالية قال مكرم محمد أحمد: تجدر الإشارة إلى أن واحدية الهدف في حرب التحرير وحرب الجمهوريين ضد الملكيين في المحور الشرقي والشمالي تتجسد في أن الهدف الأسمى هو وحدة الأراضي اليمنية، فكانت الوحدة أمنية لكل يمني.. وبناءً على هذا الهدف تم فتح جبهة صلاح الدين لتحرير الجنوب، لتخفيف الضغط على القوات الجمهورية في الشمال خصوصاً والمستعمر يدعم الفلول الملكية.. وكان هذا التكتيك قائماً قبل ثورة(14) أكتوبر، حيث تم فتح جبهة صلاح الدين بتخطيط ودعم من عبد الناصر في إطار الدور المصري في اليمن دفاعاً عن النظام الجمهوري وحرب تحرير عدن من المستعمر، وكان مقرها تعز، قامت حيثيات نشوئها على أهداف إرباك المستعمر وقطع الإمدادات التي تصل الملكيين بقيادة الغادر من إمارة بيحان وهما السببان اللذان كانا وراء ما واجهته القوات المصرية من معارك قاسية وحصار في المحور الشرقي.. وأتذكر أن محمد علي هيثم وعلي ناصر محمد ، كانوا من قبيلة دثينة ويرأسوا جمعية تعاونية من أهالي الأقاليم المختلفة فكانت هذه الجمعية مع جبهة صلاح الدين أشبه بالنواة التي تفتقت ونمت منها الجبهة القومية..
وقال مكرم: كانت بيحان أول من سقطت من يد الإنجليز، من المناطق التي كانت بريطانياً تفرض سيادتها عليها، أو وصايتها، وكان محمد علي هيثم “أحد رموز الجبهة القومية” أول من تولى هذه الإمارة، وأنا زرته في بيحان، ورأيت كمية كبيرة من الوثائق وجزءاً كبيراً من الوثائق عند هيثم، وجزء عندي وأظن أنه محفوظ في الأهرام.. مؤكداً أن تلك الوثائق التي اطلعت عليها تحكي محاضر اجتماعات قيادة بيحان والرسائل التي كان يبعثها شريف (بيحان) إلى بعض شيوخ القبائل اليمنية الذين كان بعضهم مجمهرين والبعض الآخر ملكيين، وجزء كبير من البعضين يلعبون على الوجهين، والأغرب أن شيوخاً معروفين كانوا في الصف الجمهوري، وفي مناصب قيادية، وكانوا يستلمون مبالغ خيالية من الملكيين أثناء الحرب، وهو ما كشفته الوثائق في (بيحان) بعد سقوطها في يد الجبهة القومية وكان الدعم للملكيين يأتي من السعودية وبريطانيا ودعم الجمهورية يأتي من الجانب المصري..
رحيل الإنجليزي
وقال مكرم محمد أحمد: بعد سقوط بيحان بدأت أتحرك علناً ، وعلى أساس إن المستعمر راحل ، وأتذكر أني نزلت في لوكندة جميلة في خور مكسر وكان فيها حركة وأجواء يكتنفها الغموض، وترقب وحذر، فالثوار لم يمسكوا المدينة بعد، فكان الوضع أشبه بالفوضى وفجأة أعتلقت من قبل قوات الانجليز ، وتعاملوا معي معاملة غريبة جداً وبعد اعتقالي ، ذهبوا بي إلى قائد مساعد القوات كان اسمه “مستر اسود” كان ضابط العلاقة العامة، في قوات الاحتلال فقال لي: “ما الذي جعلك متخفياً في عملك؟ ولماذا لم تطلب منا فيزة مفتوحة؟ سنعطيها لك، والأمر ما كان يتطلب هذه المغامرة… فقط نحن نريد نشوفك”.. وكانوا يتابعوا التقارير الصحفية التي كنت أكتبها، فقد كتبت في تلك الفترة حوالي (17) تقرير مهمة عن اليمن في تلك الفترة .. وقال لي أيضاً: “أنا أدعوك لأن تحضر غداً لتغطية عملية الانسحاب الأخيرة من خور مسكر، وفعلاً حضرت، فقد أرسلوا ليس عربية إلى المكان الذي أنزلوني فيه، وشاهدناهم يشدون الرحال من خور مكسر، كما “فرجّونا” على إحدى حاملات الجنود وهي تستعد لنقل آخر الجنود البريطانيين من عدن.