العروبة وتحديات الحدود والوجود
محمد ناجي أحمد
صراعنا مع الكيان الصهيوني صراع وجود لا صراع حدود ،ويدخل في ذلك صراعنا مع كل الكيانات الوظيفية في المنطقة العربية التي يستخدمها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في ضرب كل مشروع عربي نهضوي .
فالكيان السعودي اُسْتُخْدِم في القرن العشرين بذات الفاعلية والدور والهدف الذي أنجزته إسرائيل في حروبها -1948 -1956 – 1967 -1973م .
—
هناك فرق بين صراع وتنافس في المنطقة بين الكيانات الكبرى المتمثلة بالوطن العربي وتركيا وإيران ،فالتحديات التي تفرضها علاقة الجوار مع هذه الدول هي علاقة تنافس وتنازع على الحدود والمياه .حدود تتمثل بجغرافيات قضمتها تركيا عام 1935م بتواطؤ الاستعمار الفرنسي مع تركيا لسلخ لواء الاسكندرونة السوري وضمه لتركيا ،بعد تمهيد استيطاني استمر خلال فترة انتداب فرنسا على سوريا منذ هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى ،تم فيه تسهيل الاستيطان التركي ،وطرد العرب من أراضيهم حتى يأتي الاستفتاء الذي أجرته فرنسا لصالح تركيا .
هو صراع حدود يفرض على الأمة العربية الوقوف ضد أطماع تركيا وادعاءاتها في محافظة الموصل العراقية ، ومحاولة التنصل من اتفاقية (لوزان ) من أجل سلخ الموصل العراقي ليكون ضمن سيادتها ووصايتها ،كما هو الشأن في محاولاتها الدؤوبة في جعل ادلب السورية(حزاما أمنيا )لها . أو إدارتها بفلاحين طوع أمرها .
كذلك الشأن في علاقتنا مع إيران ،هي علاقة تنافس وتنازع على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزر أبوموسى ،التي تم احتلالها في مقايضة بريطانية مع شاه إيران مقابل تخليه عن أطماعه في ضم البحرين .وكذلك التنازع حول الحدود مع العراق واتفاق شط العرب الذي وقع منتصف السبعينيات .
موقف هذه الدول من الوحدة العربية بالتأكيد لن يكون إيجابيا ،ولعل َّ تصريح رئيس تركيا إبان الوحدة المصرية السورية عام 1958م معبر ودال على الموقف التركي السلبي تجاه الوحدة العربية حين قال “لقد نمت وبجواري دولة تعداد سكانها ستة ملايين نسمة وصحوت وقد أصبح عدد سكانها ستة وثلاثين مليون نسمة ” في إشارة إلى عدد سكان وسعة جغرافية الجمهورية العربية المتحدة.
لن تستقيم العلاقة بين الوطن العربي وإيران وتركيا إلاَّ بعلاقة شراكة وتنافس إيجابي وتسوية للنزاعات الحدودية وفقا لمبدأ الحق والعدل والشراكة ،ودون ذلك سيظل الغرب ينفذ من ثغرة الصراع في المنطقة مؤلبا هذا الطرف على ذاك !
لكن طبيعة علاقتنا بالكيان الصهيوني مبنية على صراع وجودي باعتباره امتدادا وذراعا للامبريالية الغربية ،فالغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لا يريدون وطنا عربيا وحدويا ،ولا يريدون سيادة لا قطرية ولا وحدوية ،وإنما يريدون جغرافيات مفككة وتابعة لهم ، تؤلب بعضها ضد بعض ،وفقا للسياسة الاستعمارية التقليدية التي مارستها جميع الإمبراطوريات الغازية والمستعمرة .
من هنا فإن تحديد طبيعة موقفنا من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وكيانهم الصهيوني ينبغي أن يكون بوصلته فلسطين في طريق الحرية والوحدة والنهوض بالوطن العربي ، من خلال تنمية تستغل ثروات العرب لصالح العرب ،وتوقف استنزافها ونهبها لصالح الغرب . لكن استعادتنا لبوصلتنا الوطنية والوحدوية والتحررية لن تكون إلاَّ إذا حسمنا معركتنا مع الكيان الصهيوني ،بمواجهة كل أشكال التطبيع معه ، واستئصاله من خاصرة الوطن العربي ،وذلك بتحرير فلسطين كل فلسطين . دون ذلك سيظل هذا الكيان ينمو على حساب وجود الأمة العربية جغرافيا وتاريخا وقيما.