عواصم/ وكالات
كتب “إيريك بريتبيرج” في تحليل نشرته مؤسسة “كارنيغي إنفومنت”: إن الاستثمارات المباشرة للصين في أوروبا أصبحت الآن أعلى بـ9 مرات من استثمارات هذا البلد الآسيوي في أمريكا وهذا الأمر يرجع إلى سعي حكومة الرئيس الأمريكي “ترامب” للتغلب على الاقتصاد الصيني وأيضاً إلى الجهود التي تبذلها “بكين” لتشديد الرقابة على الاستثمارات ورؤوس الأموال وهذه الأحداث قد أدّت إلى ظهور العديد من التساؤلات والمخاوف الجديدة في أوروبا حول تأثير الاقتصاد الصيني عليها، حيث زاد الإشراف الأوروبي على جميع الاستثمارات الصينية، وهذا الإشراف جاء نتيجة لقلق تلك البلدان من أن هذه الاستثمارات قد لا تكون مجرد حوافز تجارية، بل ربما قد تكون جزءاً من استراتيجية حكومية صينية منسقة ولقد أثار اهتمام المستثمرين الصينيين الشديد بالشركات الأوروبية ذات التقنيات العالية والمتخصصة الكثير من المخاوف حول فكرة أن الصينيين يتطلعون بالفعل إلى الاستحواذ على العلم والمعرفة الأوروبية وطرد الشركات الغربية من الصناعات الرئيسية والمهمة في العالم كجزء من مبادرة “بكين للتصنيع 2025” ، وثمة قلق آخر لدى الدول الأوروبية، يتمحور حول إمكانية حدوث عمليات نقل غير معلنة للتكنولوجيات المتقدمة أو التكنولوجيات المزدوجة الاستخدام، على أي حال، وعلى الرغم من قيام أوروبا بالعديد من الإجراءات الجديدة لمراقبة الاستثمارات الصينية، إلا أنها تظلّ وجهة جذابة للمستثمرين الصينيين، خاصة عند مقارنتها مع أمريكا.
التطورات السياسية الأخيرة في برلين وباريس ولندن
اتخذت القوى الثلاث الكبرى في أوروبا “ألمانيا وفرنسا بريطانيا”، مؤخراً خطوات جدية لمراقبة استثمارات الصين عن كثب، حيث تذكر العديد من المصادر الإخبارية بأن قلق رجال الأعمال والنخبة السياسية في ألمانيا في السنوات الأخيرة، وخاصة عقب استحواذ شركة الروبوتات “كوكا ألمانيا” من قبل شركة “ميديا” الصينية في عام 2016، والاستثمار المشكوك لرئيس شركة صناعة السيارات “جيلي” الصينية في شركة “دايملر” بملياري دولار في فبراير 2018، قد تزايد بشكل كبير حول الاستثمارات الصينية، ومع ذلك، وبحلول صيف هذا العام، لم يتم حظر أي استثمار صيني في ألمانيا ولكن مؤخراً اتخذت حكومة “ميركل” قراراً بمنع بيع شركة صغيرة تدعى “Leifeld Metal Spinning” للصين، حيث بررت السلطات الألمانية قرارها بالاعتراض على حق الصين في الاستحواذ على هذه الشركة، بمخاوفها المتعلقة بالأمن القومي
وفي حين أن مراقبة الاستثمارات الخارجية تُعدّ ظاهرة جديدة نسبياً في ألمانيا، إلا أنه في عام 2003 وافقت فرنسا على قانون يسمح للحكومة بمراقبة ورفض بعض الاستثمارات الأجنبية، وخاصة تلك المتعلقة بقطاع الجيش والدفاع ولقد قامت الحكومة الفرنسية بتوسيع سلطة هيئة وزارة الاقتصاد في عام 2014، حيث أصبح بمقدور هذه الهيئة تغطيت قطاعات حساسة أخرى مثل الطاقة والمياه والنقل والصحة والاتصالات الإلكترونية وفي يوليو الماضي، أعلنت الحكومة البريطانية عن خطط لتطوير سلسلة من الإجراءات الجديدة التي تهدف إلى مراقبة الاستثمارات الأجنبية في الصناعات الحساسة وهذا القانون الجديد، إذا تم تمريره والموافقة عليه، فإنه سيزيد من قدرة الحكومة على كبح الاستثمارات الأجنبية، بغض النظر عن حجم الشركة المستثمرة أو تخصصها.
التطلّع إلى نهج أوروبي مشترك تجاه الاستثمارات الصينية المباشرة؟
في الوقت الذي تسعى فيه العديد من دول الاتحاد الأوروبي إلى استخدام مجموعة متنوعة من الأدوات للإشراف على الاستثمارات الخارجية ووضع المزيد من القيود عليها، لا تزال بعض دول الاتحاد الأوروبي تقاوم وضع تلك التدابير للحدّ من استثمارات الصين ولاسيما البلدان الشمالية في أوروبا وذلك لأن هذه البلدان تشعر بالقلق من أن يصبح هذا الأمر حصان طروادة لنظام دعم المنتجات المحلية ومن جهة أخرى تحرص الاقتصادات الضعيفة في الجنوب على الحفاظ على تدفق الاستثمارات الأجنبية، خاصة تلك الدول التي عانت من أزمة الديون الأوروبية في عام 2008، على أي حال، تحاول أوروبا في الوقت الراهن تأسيس موقف مشترك حول الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإذا ما تمّ تبني هذا القانون، فإنه سيخلق إطاراً للاتحاد الأوروبي لتحليل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات الاستراتيجية وسيساعد على إنشاء آلية تنسيق بين الدول الأعضاء، كما أنه سيوفر العديد من الإرشادات المساعدة للدول التي ترغب في مراقبة قطاعاتها المحلية.
خلق توازن بين التجارة الحرة وحماية “المصالح الاقتصادية” الأوروبية
من الملفت هنا أننا نرى كيف يتغيّر المزاج الأوروبي عندما يتعلق الأمر بالإجراءات الاقتصادية الصينية، حيث نرى بأن عدة حكومات أوروبية، خاصة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، قامت بفرض العديد من القوانين الصارمة على الاستثمارات الصينية، في حين رحّبت العديد من الدول الأوروبية الأخرى بالاستثمارات الصينية، على أي حال، يجب ألّا يكون الحدّ من الاستثمارات الصينية مجرد ردّ فعل، بل إن بلورة نهج أوروبي مشترك أكثر أهمية من ذلك وهنا لا يزال عدم وجود نهج موحّد تجاه الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاتحاد الأوروبي مبعث قلق ولصياغة هذا النهج الأوروبي المشترك، فإنه من الضروري الحفاظ على التوازن المناسب بين حماية مصالح الأمن القومي الأوروبي والالتزام بالتجارة الحرة والمفتوحة ولهذا فإنه يجب على الدول الأوروبية الدفاع عن التزاماتها الأساسية بالتجارة الحرة والمفتوحة.
وفي الوقت نفسه، لا ينبغي للاتحاد الأوروبي التخلي عن عمليات الحوار مع الصين، حيث تذكر العديد من المصادر الإخبارية بأنه تم الإعلان في القمة التي عقدت بين الاتحاد الأوروبي والصين خلال الفترة السابقة، عن التزام كل الأطراف بمواصلة العمل من أجل التوصل إلى اتفاق استثماري شامل بينهما وأخيراً، ومع سعي الاتحاد الأوروبي إلى إرساء مقاربته الخاصة تجاه الصين، فمن الضروري أن تلتزم تلك الدول بعلاقاتها الوثيقة مع أمريكا والعمل مع اليابان وغيرها من “الأطراف المتعددة الأطراف” لمعالجة المخاوف بشأن الإجراءات الاقتصادية الصينية وفي نهاية المطاف، ولكي تلتزم بكين بتحرير اقتصادها وتتعهد بانفتاحه، فإنه من الضروري وجود نهج غربي موحد بين جميع الأطراف.