الثورة نت../
وجه الأخ مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى كلمة مساء اليوم لأبناء الشعب اليمني بمناسبة العيد الـ 56 لثورة الـ 26 من سبتمبر.
فيما يلي نصها:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين ورضي الله عن أصحابه المنتجبين.
تزامناً مع أعيادنا اليمنية الخالدة وبمناسبة حلول الذكرى السادسة والخمسين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيد أتوجه باسمي ونيابة عن زملائي في المجلس السياسي الأعلى بتحية الثورة والجمهورية إلى شعبنا الصابر الصامد, وإلى أبطال الجيش واللجان الشعبية, وإلى رفاق السلاح من عموم قبائل اليمن الأبية, وكل أبناء الوطن الشرفاء في الداخل والخارج.
أيها الشعب اليمني العظيم
نتذكر في هذه المناسبة تلك الأهداف النبيلة والمبادئ السامية التي جاءت بها هذه الثورة المجيدة, ونتذكر بتذكرها نضالات وتضحيات كبيرة كان حقها أن تتجلى – اليوم – في حياة كريمة وفي يمن حر ومستقل وأن تخلق الاستقرار والازدهار منذ فترة مبكرة كما أرادوا, وكان لكل ما أرادوه أن يتحقق بالفعل, لولا تلك المؤامرات التي قادتها ونفذتها على مدى العقود الماضية نفس الدول والجهات التي تعتدي عليكم اليوم.
أيها الأخوة والأخوات
إنها ستة وخمسون عاما مرت, وليست عاما أو عامين أو خمسة أعوام, الأمر الذي يجعل من مثل هذه المناسبات فرصة لتقييم واقعنا التقييم الصحيح, وعدم الغرق في النتائج دون بحث الأسباب والمقدمات, لأن الحاضر نتاج الماضي, مثلما سيكون المستقبل أيضا نتاج الحاضر.
إن هذا المدى الزمني الطويل يكشف لنا حجم التقصير الكبير تجاه هذه الثورة, ويفتح باب المقارنة بين واقعنا وواقع دول أخرى بنت نفسها, وحققت نهضتها في فترات أقل من هذه السنين بكثير, وعلى سبيل المثال فإن الصين التي تتبوأ حاليا المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي, وتتهيأ لانتزاع المركز الاقتصادي الأول على مستوى العالم خلال السنوات القادمة, لم تحتج لكي تحقق كل ذلك سوى ثلاثين عاما, وماليزيا التي انتقلت إلى مصاف الدول الصناعية والمتطورة في العالم الأول لم تحتج هي الأخرى سوى عشرين إلى ثلاثين عاما, ومثلها ما يعرف بالنمور الأسيوية, ودول إسلامية أيضا حققت هي الأخرى الكثير والكثير.
لقد كانت ستة وخمسون عاما تكفي وزيادة لأن تضع اليمن في مصاف الدول الغنية والقوية والمتقدمة لو أنه قيض لهذه الثورة من يصونها, ويعمل من أجل أهدافها ووفق مبادئها بصدق وإخلاص, لكنها نبْوَةِ السيف وكبْوة الجواد من أسلمت زمامها إلى أبناء غير بررة, تمحوروا على مدى نصف قرن حول ذواتهم, وحول أسرهم, وغرقوا في الفساد حتى آذانهم, وتنكروا مع الأسف لكل تضحيات الثوار, ولكل آمال الشعب, وتطلعات الأجيال, وباعوا أنفسهم وقرارهم للخارج, ووأدوا كل مشروع ينشد وصل هذه الثورة الخالدة, أو يحاول ضبط المسار ولنا في ما تعرض له المصلحون من التصفية والاغتيال السياسي عبر مختلف المراحل ـ من الشهيد الحمدي إلى الشهيد الصماد ـ خير مثال ودليل.
أيها الشعب اليمني العظيم
إن كل معاناتنا التي نعيشها اليوم لم تكن وليدة اللحظة وإنما كانت نتيجة لتراكمات طويلة ومزمنة ومكثفة من الاختراقات والمؤامرات الخارجية المبكرة التي استهدفت هذه الثورة , وكما أشرنا في خطاب سابق, فقد عمد الخارج وأدواته في الداخل إلى خنق مبادئ هذه الثورة وتحنيط أهدافها, والتدخل منذ اليوم الأول في شئونها عسكريا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا, تارة بمناهضتها والوقوف الصريح ضدها, وأخرى باسم مساعدتها والوقوف إلى جانبها حتى سام الخارج ـ بشقيه المساعد والمناهض على حد سواء ـ الثورة والثوار كل صنوف العناء والعذاب والسجن والظلم والمعاناة ولم تتوقف الحرب السياسية والعسكرية على ثورة وشعب السادس والعشرين من سبتمبر, إلا بعد أن ضمن انتقال الزمام إلى أيدي أدواته من الخونة والفاسدين كما أسلفنا.
ولعل الأدهى والأمر أن أولئك الأدوات ـ وفي غش وزيف وخداع لم تتعرض له أي ثورة في التاريخ ــ مضوا يقتلون الثورة باسم الثورة, والجمهورية باسم الجمهورية, ويعزلونها على نحو ممنهج عن الواقع, حتى تحولت الثورة إلى مجرد أغنية يستدعونها من الأرشيف كلما أطلت ذكراها السنوية, بينما يقضون بقية العام في فسادهم ومراكمة أرصدتهم الشخصية والعائلية, وفي العكوف على تنفيذ ما يريده الخارج لا ما يريده الشعب أو تريده الثورة, وهكذا استمر الحال على مدى نصف قرن.
أيها الشعب اليمني العظيم
وعندما سقطت أدوات الارتهان والتبعية للخارج, ثارت ثائرتهم وعادت تلك الدول المعادية للسادس والعشرين من سبتمبر للتدخل العسكري من جديد, في محاولة بائسة لإعادة أدواتها واستعادة هيمنتها, كي تبقى اليمن محكومة بالضعف والفقر والتخلف إلى الأبد, في دلالة واضحة وقاطعة تمنح احتفالاتها اليوم بأعياد سبتمبر وأكتوبر معناها الحقيقي, وتذهب عنها كل ذلك الزيف المزمن الذي ما تزال أدوات الخارج تعيشه وتمارسه حتى اليوم ومن دون مواربة أو خجل.
وفي دلالة تثبت أيضاً بأننا اليوم نسير في الطريق الصحيح, وأن مجد اليمن وعزته ومستقبله المشرق لن يكون إلا في مشروعكم التحرري, وما تخوضونه اليوم من نضالات, وما تقفونه من مواقف مشرفة ومن صمود أسطوري, وما علينا إلا أن نستمر وسننتصر بإذن الله.
وفي الختام باسمي وباسم زملائي في المجلس السياسي الأعلى نجدد التأكيد على ما يلي:
أولاً: نجدد في هذه المناسبة اعتزازنا بصمود شعبنا وبطولات جيشنا ولجاننا الشعبية وقبائلنا الوفية وبيدنا الضاربة والممتدة في قوتنا الصاروخية وطيراننا المسير والقوات البحرية والبرية, كما ونجدد شكرنا لكل الأحرار والشرفاء في الداخل والخارج ولكل المواقف المتضامنة مع شبعنا, ونحث الجميع على المواصلة ومضاعفة الجهود حتى الانتصار الكامل للحرية والسيادة والاستقلال.
ثانياً: نؤكد على كل ما تضمنه خطابنا السابق في الذكرى الرابعة لثورة الواحد والعشرين من سبتمبر ونشكر لكل الأخوة المعنيين خطواتهم العملية التي بدأوها لوضع ما تضمنه موضع التنفيذ كلاً فيما يخصه ويعنيه.
ثالثاً: نؤكد لدول العدوان وكل من لف لفها بأن إرادة السادس والعشرين من سبتمبر لن تكون بعد اليوم قابلة للاختراق مجددا أو الكسر, فهي اليوم لم تعد كما كانت حبيسة الفاسدين وأدوات الارتهان والتبعية.
لقد أصبحت إرادة شعب, وهذا الشعب عمدها وحصنها بدماء الخيرة من رجاله وأبنائه.
إن عليكم أن تدركوا بأن عهد الهيمنة قد ولى, وأن كل محاولاتكم في إعادته واستعادته لن يكتب لها النجاح وستبوء بالفشل بإذن الله سبحانه وتعالى, ولكم في كل ما واجهتموه وستواجهونه من صمود وإصرار الشعب اليمني وعزم جيشه ولجانه خير دليل على ذلك, وبالتالي فإن استمراركم في عدوانكم الغير مبرر على شعبنا وبلدنا لم يعد يعني سوى المزيد من الجريمة والسقوط, وأما نحن فلن ينال من عزمنا وثباتنا وسنواصل النضال مع شعبنا حتى تحرير أرضنا والقرار السياسي لبلدنا, وحتى فرض الاحترام لسيادته واستقلاله وأمنه, ووحدة وسلامة أراضيه, وحتى انتزاع الاحترام الكامل لمبدأ حسن الجوار, (فالحق لنا فإن واكبناه وإلا ركبنا أعجاز الإبل وإن طال السرى) كما قال الإمام علي (عليه السلام).
نعم على هذه المبادئ قاتلنا وسنبقى نقاتل, وعليها ـ نفسها ـ مددنا يد السلام, وسنبقى نمد يد السلام.
رابعاً: وفي السياق نفسه نقدر عاليا ما ورد على لسان الأخ عمران خان رئيس الوزراء الباكستاني من استعداد باكستان الشقيقة للعب دور في إحياء ودعم عملية السلام في اليمن, ونرحب بأي جهود مستقبلية في هذا الاتجاه كما نؤكد على دعمنا المستمر لجهود المبعوث الأممي ونرحب بكل الجهود والمبادرات الداعمة لهذا المسار.
خامسا : ندعو إلى تحييد الاقتصاد ووقف العبث به وتتحمل قوى العدوان السعودي الأمريكي تبعات كل الإجراءات العبثية التي تقوم بها حكومة الارتزاق التي لا تأبه بحياة المواطن، بل تتعمد أن تقتات جوعه وتستثمر معاناته وإننا في هذا الصدد نبذل كل ما يمكن من الجهود التي تعمل على الحد قدر الإمكان من مؤامرات قوى العدوان التي تستهدف كل مواطن دون تمييز، وفي حال استمرت قوى العدوان والارتزاق في سياستها التجويعية المتجردة من كل القيم والأخلاق – كما هو حالها- فإن المسؤولية الأخلاقية تحتم علينا اتخاذ تدابير ولو كانت مزعجة، وتتحمل تبعاتها قوى العدوان ومرتزقتها حتى نعمل على سحب هذه الورقة من أيديهم العابثة باعتبارها آخر الأوراق التي تعمل قوى العدوان على تركيع الشعب من خلالها بعد فشله الذريع وسقوطها المدوي في كل المجالات السياسية والعسكرية والإنسانية .
كما إننا نؤمل من أبناء شعبنا مواصلة الصمود في هذه المعركة الاقتصادية كما صمد في كل الجبهات، وهذه آخر أوراق عدونا وسوف تفشل بإذن الله .
سادسا: نؤكد لجميع شعوب ودول العالم بأننا في اليمن نستند إلى قضية عادلة ونمارس حقنا الطبيعي في الدفاع عن النفس وعن الوطن, ونناضل من أجل حقنا وحق شعبنا في الحرية والاستقلال, وأن هذا النضال مشروع بشرعية حقنا في الحياة ومطالبنا المحقة, وبشرعية أرضنا التي نقف عليها وندافع عنها, وجماهير شعبنا التي تخرج معنا, وثورة الشعب التي تقف إلى جانبنا, والبرلمان اليمني الذي يشاطر شعبه الألم والأمل, ومشروع أيضاً بشرعية الأمن الذي توفره وتصونه مؤسسات الدولة التي حافظنا عليها.
وبناءً على كل ذلك فإننا ندعو الجميع إلى احترام إرادة الشعب اليمني وتضحياته, وإلى مراجعة المواقف تجاه قضيته, وتجاه الحقائق المتصلة بما يجري فيه وعليه, وبما يصدر منه وإليه, ونحذر كل حكومات العالم من مغبة الدخول في أي التزامات أو اتفاقات أو أي شكل من أشكال التعامل مع حكومة العمالة والارتزاق أو ما يعرف بحكومة هادي باعتبارها حكومة غير شرعية, ولا تمثل مصالح الشعب اليمني, وباعتبارها مخالفة في نشأتها وفي كل مواقفها وممارساتها لكل ما نصت عليه مرجعيات العملية السياسية في اليمن, وندعو الجميع إلى قراءة ما تحكيه التقارير الدولية المحايدة عنها وعن دول التحالف من جرائم وانتهاكات, ومن الفساد والفوضى, وما تحكيه عن علاقتها المشبوهة بالقاعدة وداعش.
ونؤكد في نهاية المطاف بأن أي تعاملات أو اتفاقات معها لن تكون ملزمة لليمن بالمطلق, وسنعتبر أي تعاملات معها أو اتفاقات ـ إلى جانب كونها لاغية ـ انتقاصاً مقصوداً, وإهانة متعمدة للشعب اليمني.
تحيا الثورة
تحيا الجمهورية اليمنية
المجد والخلود للشهداء
الشفاء للجرحى
الحرية للأسرى
والنصر والشموخ لليمن دولة وشعبا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سبـأ