21 سبتمبر حجم التضحيات وفرص التحرر والنهوض
عبدالجبار الحاج
من الضروري أن نقف أمام الأحداث وذكريات الأحداث وبالذات تلك الأحداث التي شكلت لحظة انفجارها او ساعة وقائعها الأولى مثابة حلم مرت علينا تحققا أو ضياعا .. ففي بحر أسبوع واحد هذا الشهر مرت وتمر ذكريات لثلاثة احداث تاريخية كبرى من كربلاء كذكرى اسلامية أو عالمية اذا صح التقدير ..
وهنا لا يمكننا ان نفصل احداث 21 سبتمبر 2014 عن كونها حدثاً مفصلياً ساهمت فيه ثورة 11 فبراير الشعبية وموجاتها المتتالية التي احدثت بحق انهيارا وشروخاً هائلة في جدار السلطة المتفككة بيد ان غياب التنظيم الممثل لقوى ثورة فبراير الشعبية قد فتح الثغرات والابواب واسعة امام عودة السلطة بشقيها الحاكم والمعارض الى بنية السلطة مرة اخرى عبر المبادرة الخليجية التي لاقت رفضا شعبيا ما جعل موقف انصار الله الرافض لها يحظى بحضور شعبي امتد وشكل دعما وسندا للأنصار ..بحيث شكل استمرار تصاعد موقف الشعب الثائر ضد المبادرة الخليجية وتصاعد الغضب الشعبي في المناطق التي شهدت احداثا عسكرية من صعدة وحرف سفيان وتسارع تداعياتها العجلى بانهيار سريع لمراكز النفوذ القديم في عاصمة حاشد فكان السقوط السريع نتاج ثورة شعبية ورفض الوصاية السعودية وممثليها وتجمع المغبونين عقودا من الزمن فسارعوا من تكسير المراكز المتهاوية ..
هذه حقائق ووقائع الصعود السريع لنجم انصار الله عقب ثورة فبراير وأي تفسير آخر غيبي أو أرضي سيضع الانصار في انحراف مستمر لأن الذي لا يعلم اسباب قوته يراكم اسباب ضعفه .
مرت ذكرى كربلاء وذكرى 21 سبتمبر وبقيت ذكرى سبتمبر التي تصادف الـ 26 من سبتمبر ..
اليوم سأقف أمام الذكرى الرابعة لـ( ثورة ) سبتمبر ..
في العام تناولت هذه الذكرى بعدد كبير من المقالات فقد اتت الذكرى تالية للـ24 من اغسطس وما كاد ان يحدث في السبعين وما آل اليه من تلاشي انفجار او انقلاب… كاد ان يحدث سرجا مريحا للركوب على موجة جماهير السبعين التي جرى تحشيدها منذ اربعة اشهر سابقة ليومها .
وهي في حساب الزمن وفي الاحتفالات .. لم يحدث ان خصص مثل ذاك الوقت والزمن من التحضير ومن التحشيد لكل قوى المؤتمر من كل محافظة ومديرية وقرية .. فلو لم تطوق مشارف واطراف ومداخل العاصمة صنعاء بالتزامن والاستباق . وفي مظهر يلوح بجاهزية الردع لما تفرغت الشحنة الشعبية المكتظة في السبعين بسرعة التلاشي ..
باستفراغ تحولت شحنته وهو يغادر الساحة على نحو من سرعة تهاوي القمة المزعومة الى سرعة سقوط الزعيم .. من الذروة الى الحضيض وانقلب الجمهور الملايني في السبعين بأقل من ساعة من سويعات الضحى الى جمهور ينتقل بمرونة من تفريغ الشحنة الى زرع ابتسامات واياد تتصافح وتتصالح مع الجمهور الواقف على المداخل في الكفة الاخرى التي بدت غالبة ومتصالحة هي الاخرى دون رصاصة واحدة .. وتصالح الجمهوريون قبيل ظهر 24 اغسطس وتخلى المحتشدون طيب خاطر .. عن الزعيم المزعوم !!..
وهكذا فإن الزعامات التي قذفت بها مسالك الغدر الى القمة في لحظات الزمن الرديء لا يمكنها ان تداوم البقاء على الزعامة الا بتحين فرص الغدر …ولأن من طبيعة الزمن الرديء ان يغدق على زعامات الجبناء فرص الغدر للخلاص من الخصوم الاكفاء فإن عصارة التجربة التي صنعت هذا النوع من الركام المتربع عرش الزعامة الجوفاء لن تجد لنفسها مسلكا غير التسلح دونا بالغدر مهما توفرت ووفر لها الخصم فرص استئنافها بشجاعة وشرف .. فطيلة عقود التربع الزائف قد تطبعت بالغدر وانطبعت فلا سبيل لها ان تسلك للفوز بمرامها بأقل شجاعة وبأقل اثمان الوفاء .!!
…….
من الاخطاء القاتلة التي تطيح بمنصات التغيير عبر محطات وفرص التاريخ الممنوحة لإحداث التغيير وتحقيق احلام الشعوب فان الاخطاء القاتلة بإيجاز هي سرعة الانقلاب الذي تقوده رؤوس او مزعوم قيادة الثورة نفسها في انتكاسة فعل القيادة الى الانتقال البليد والمتبلد او المقصود او العفوي ..المهم خطر الانتقال من بناء مؤسسات الثورة الى استعادة وترميم هياكل الادارة الفاسدة للحكم الثأر عليه ..
هي تلك الاجراءات التي ما ان تبدأ بأهداف وبرامج وتحظى بالتفاف شعبي وبقدر من التنظيم هو بحده الادنى على قدر من الكفاءة العالية مهما بدا طري العود او صغير الحجم في مبناه وبناه بحيث انه بمستوى من المستويات التي كان عليها حينذاك يشكل النواة القادرة على ادارة دفة الثورة والشروع بخطى سريعة في عمليات الهد والبناء واعادة ترتيب الادارة بما يكفل تطهيرها من رموز الفساد والاحتفاظ بكادر الاداء الروتيني الاداري اليومي وتنفيذ مهمات تلك الادارات في تسيير شئون الناس اليومية بالتوازي مع توسيع وسرعة بناء القيادة الثورية وتسريع برامج التغيير .. وهنا الفرق بين الادارة والقيادة والتغيير والترميم ..
وتختلف من ثورة الى أخرى ومن بلد الى آخر طبيعة الظروف والشروط التي تسوغ وتوجب التغيير بالثورة فبعض الثورات قد تنشأ وتتفجر وقد توفرت كل اسباب قيامها ولكنها قد تبدأ في برنامجها الزمني مخاضاً طويلاً معلوماً مسبقا من ان مرحلة طويلة من النضال والكفاح الشعبي او المسلح. ومقدر لها ان تتسلح وتتنامى عبر المقاومة والتنامي من الصفر ومثال ذلك في نموذج الثورة الصينية والفيتنامية . وقد تبدأ على ذات النحو وتتسلح بالصبر والأناة وقد يسقط النظام المثار عليه فجأة على غير ما هو متوقع لكن الجاهزية الذاتية للتنظيم القائد والظفر بالفرص يستلزم سلفا جاهزية وضع اليد على السلطة التي سقطت فجأة .. مثال الحالة الكوبية .. وفي كل الاحوال عندما تتسلم الثورة السلطة او تستولي رأسها فعليها من هذا الحين ان تتجهز للسيطرة على سائر الاطراف والجسد وان تتجهز لألوان محتملة من عودة ثورة مضادة من الداخل او تدخل عسكري وحصار اقتصادي فالحرب الاقتصادية عادة طبيعة كل حرب بل اهم اهداف كل حرب عسكرية وهي حرب في وارد الاحتمال والاستعداد لها فهي ردة فعل او فعل تالٍ تتعرض لها الثورة فتجربة كوبا مدرسة في سرعة الرد العسكري واليقظة العالية. ..وفي وأد المؤامرة قبل اتساعها وفي انتهاج وتنفيذ برامج اقتصادية سريعة وفق خيارها الاقتصادي المرسوم سلفا في اتجاهه العام..
اما في العظة والدروس من اخطائنا في الانحراف عن سبيل التغيير المتاح الى الخطأ القاتل فلنا كيمنيين ان نتعلم من مثال ثورة 26 سبتمبر وإيجابها وسلبها معا ..
من الامانة ان نقول ما لها وعليها فقد كانت ثورة حقيقية من حيث النواة التنظيمية والاهداف المعلنة والالتفاف الشعبي وسرعة قراراتها الجذرية التي توجهت نحو استئصال جذور العداء للثورة وليس التلهي بمظاهر الانضمام الخادعة فكانت الطبقة والقوى الحاكمة والمسيطرة على مقدرات وخيرات البلد… أكانت حاكمة أو معارضة من نوع تلك القوى التي على خصومة مع حكم الأئمة. ، لكنها ليس ما بينها وبين الأسرة الحاكمة سوى تناقضات ثانوية لا يعول ولا كان يجب التعويل عليه، وتلكم هي الخطيئة التي مرت وانطلت وأدت الى الكارثة …فعلى مواقفها التناقضية الثانوية فيما بينها ربما مثلت خطرا بل اخطر من الاسرة الحاكمة ..واخطر تحولات وانحراف الثورة ورأسها .كان بانحرافها المطلق عن نهج الثورة شيئا شيئا . في انها سرعان ما راحت تتراجع عن اجراءتها الثورية الاولى وتتخلى وتطيح ببناها التنظيمية لصالح الطبقة السياسية التي اتخذت من تناقضها الثانوي قناعا انطلى على قيادة ثورة وسرعان ما راحت تلك القيادة للأسف تحل بنيتها التنظيمية الجنينية الاولى .فكان قرار حل تنظيم الضباط الاحرار ثم حل مجلس قيادة الثورة وإنشاء ما لا اول ولا آخر له من مجالس مفصلة لقوى الثورة المضادة وسرعان ما شكلت هذه المجالس نزيفا واستنزافا لميزانيات وميزانيات بلا موارد أرهقت خزانة مصر وأغرت هواة التجارة على التنقل من طرف الى نقيض بأريحية واطمئنان . وهي مجالس وحكومات ترفع شعار الثورة وتضمر العداء وتتوسع في الكيد من السر الى العلن ومن المؤامرات في الغرف الى المؤتمرات في العلن .. ثم كبرت وأريشت وصارت علنا تناصب الثورة والثوار الحقيقيين العداء ولم تعد الحرب بعد 65 سوى ميدان تجارة واتجار سافر لا غير فقط انها تتحين الفرص في الانقضاض كليا وهو ما حدث سياسيا في 67 فعادت السعودية عبر ادواتها تلك الى السلطة والقرار ..
ليست اليمن في كل محاولات التغيير الشعبي الثوري وحدها عرضة لخطر الانقضاض على المحاولة في المهد ووأدها فكل محاولة في اي بلد من العالم وأي شعب ينهض بهذه المهمة التاريخية يتعرض بل هو عرضة حتما للانقضاض عليها أكان من الداخل أو الخارج أو الاثنين معا. ..
وهنا تعقب كل ثورة حرب في الداخل أو تدخل عسكري من الداخل وفي الحالتين تتضافر قوى الثورة المضادة مع قوى الهيمنة من الخارج بحكم تلاقي المصالح ومحاولة استعادتها من قوى الشعب الثائر. .
أي تفكير بإحداث ثورة تغييرية شعبية جذرية مالم يكن هذا الأمر بحسبانه فسيكون التقدير بداهة ..نعم ثرنا على قوى من اقلية استفردت بالحكم والثروة والقرار ولا يمكن ان تتخلى عن امتيازاتها بسهولة فإما ستلجأ الى العودة من خلال اختراق جسد الثورة وقد تلجأ للعنف ان وجدت شرطه متاحاً ومع ذلك ستنقسم الى فريقين احدهما يعود بالاختراق وآخر بالثورة المضادة .وبالوارد الاكيد التدخل الاجنبي وهنا سنة الحرب الوطنية المختلطة بحرب أهلية ..
الحربان من سنن التغيير فإما حروبا تنحو نحو التغيير والتحرير وإما حروبا نحو السقوط والتفكيك ..
في حالات حروب التغيير والتحرير تهون التضحيات ويسود العدل والحرية والوئام ..وفي الثانية تتعاظم الحروب وتتشظى الشعوب وتتوالد الحروب الحروب وتضيع الأوطان وتظلم الدروب …