قراءة لـ(وعي وقيم و مشروع) محاضرات السيد عبدالملك الحوثي حول ذكرى هجرة رسول الله إلى المدينة
عبدالفتاح حيدرة
إن الوعي الديني والقيم الدينية والمشروع الديني، صاروا جميعهم محتاجين إلى تجديد في مفهوم الخطاب والسلوك والممارسة والمعاملة لوعي وقيم ومشروع الفرد والمجتمع والشعب والإنسان ، اصبح التجديد في سلوكيات المفهوم الديني أكثر احتياجا إلى ثورة حقيقية في الفكر والمفهوم ، بل نحتاج إلى انقلاب كامل على ما هو متوارث عليه كوعي وقيم ومشروع سياسي متدين، حتى اصبح الدين السياسي أصلاً مقدساً، بينما هو ابعد ما يكون عن القداسة، نحتاج الى إعادة قراءة من جديد بأسس ومفاهيم وعي الهداية الإلهية، وقيم القرآن الكريم ، ومشروع سنن الله في الكون، التي تحفظ كلها دوما سمو ورقي وقدسية الذات الإلهية، وتمنح الذات الإنسانية عزتها وكرامتها ووعيها وقيمها ومشروعها، وهذا هو ما منحنا الله اياه هذه الايام من خلال محاضرات الوعي والقيم والمشروع التي يلقيها على مسامعنا السيد القائد المجاهد عبدالملك بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه، لتذكيرنا وتعليمنا وعي وقيم مشروع هجرة رسول الله صل الله عليه وسلم وعلى آله إلى المدينة..
هذه المحاضرات، تجعلنا نفكر ونتساءل لماذا يقرأ جميع المسلمين يوميا سورة الفاتحة، سبع عشرة مرة باليوم، على اساس خمس صلوات باليوم، وتطلب إحدى آيات هذه السورة من الله وتتوسله “اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ”، ألا يعني هذا أن الإنسان دائما مشكوك في كونه على الطريق الصحيح، وهو الأمر الذي يستوجب منه أن يراجع نفسه باستمرار، وأن يضع احتمال الخطأ على الدوام، ولو تعامل الانسان منا مع هذه الآية بما تحتمله، لن يتدخل في أمر غيره، لأنه ليس على يقين أنه على الهدى وغيره على الضلال، أقصى ما يفعله أن يجتهد ليكون على الطريق الصحيح، وهذا يستوجب منه الانتباه لنفسه جيدا، وليس الانشغال بنوايا إيمان الآخرين من كفرها، باستقامتهم أو انحرافهم، بتسليمهم له او معارضته ..
الآية – حسب فهمي لها – تعلمنا أن نتواضع لله ونبحث عن هدى الله وصراط الله المستقيم، ولا ننصّب أنفسنا قيمين وعسساً ومخبرين على ضمائر خلق الله، لأننا هنا نتحول إلى سياسيين باسم الله والمسيرة القرآنية ، وهذا هو سبب اضطرار قائد المسيرة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي لإلقاء المحاضرات المختلفة دوما، وهو المشغول بحرب كونية تريد ان تجتثه وتجتث أنصار الله والشعب اليمني كله، وكان آخر ما قدمه لنا من محاضرات حول قيم ووعي ومشروع هجرة رسول اللّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة، والتي وجدت فيها تقديم رؤية واضحة للشعب اليمني والأمة الإسلامية لبناء مشروع (وعي وقيم) الفرد والمجتمع والشعب والدولة والأمة الكبير والعظيم، هو خلاصة المشروع الاساسي الذي خلق الله الانسان من اجله، مشروع يبني قيم واخلاق الناس والمجتمع والأمة ككل، لما فيه خير وصلاح وسلام وكرامة البشرية كلها..
لكن للأسف ولقصور كبير جدا وخطير جدا في وعي وقيم ومشروع الثقافيين والمسؤولين المنتمين للمسيرة القرآنية ، سوف نجد ان أنصار الله وحتى هذه اللحظة لم يستطيعوا ان يوجدوا نماذج قيادية جيدة للناس، نماذج قيادية تمارس السلطة والقيادة وهي تملك اساليب وطرقاً وفكراً ومعرفة وثقافة تترجم (وعي وقيم ومشروع) محاضرات السيد عبدالملك هذه على واقع الناس، نماذج تقنع الناس من خلال تصرفاتها وممارساتها ووعيها وقيمها وأخلاقها ومسؤوليتها لبناء مشروع يبني وعي وقيم فرد ومجتمع وشعب وجيش وأمن واقتصاد الدولة اليمنية..
فإذا نجحت المسيرة وقيادة أنصار الله في توفير نماذج من هذه القيادات الواعية بهدى الله والمتمسكة بقيم كتاب الله، وتنفذ مشروع سنن الله في التغيير، في مفاصل مؤسسات الدولة، وجيشها وأمنها ومحافظيها ومشرفيها وعسكرييها وصحفييها وسياسييها، فإن هذا هو الوعي الحقيقي وهذه هي القيم الحقيقية وهذا هو المشروع الحقيقي، ولا يمكن ان يكون هناك وعي جمعي وشعبي في اليمن او للأمة، الا اذا تمكنت المسيرة القرآنية من تبني مشروع تقديم قيادات نموذجية تحمل الوعي والقيم، وتتحمل المسؤولية الدينية والأخلاقية والقانونية والسياسية في تعاملاتها وممارستها مع قضايا الناس والمجتمع، قيادات يلمس الناس فيها وعي تقواهم وهداهم بالله وقيم تصرفاتهم وممارساتهم المرتبطة بكتاب الله، ومشروع مواقفهم وولاءاتهم وشجاعتهم لنصرة الحق وأهله ودولته وحكومته وشعبه وجيشه ..
وعوداً على بدء، اذا أردنا ان نكون مع الحق ومن أهل الحق، فإن علينا ان نرتقي إلى الوعي والإدراك أن الانسان يصل إلى مرحلة عمرية تمكنه من التمييز بين نقيضين، هما الاستمتاع الدائم او الشقاء الدائم ، مرحلة المتعة الروحية التي يلاقيها الانسان، هي تلك المرحلة التي وصل فيها إلى ربط بحثه وتساؤلاته المستمرة وحصوله على الإجابات الشافية والوافية والصحيحة، انها مرحلة للحصول على هدى الله، ومن باب ان الله سبحانه وتعالى يعامل عباده بالرحمة، يرسل لهم دائما أنبياء وأعلام هدى وفكر، يرسل لهم نماذج من رحمته، اي نماذج تنشر الوعي بهدي الله، ومتمسكة بقيم كتاب الله، نماذج تقدم مشروع تصرفاتها ومواقفها وولاءاتها لما يرضي الله، وما يرضي الله هو ان يتعامل الناس مع بعضهم بالرحمة ..
من وجهة نظري القاصرة في هذا المجال، إذا أردت أن تعرف درجة قربك أو بعدك من المنهج الذي وضعه الله لعباده، المنهج القرآني أولا، وسنة تصرفات وممارسات قيم واخلاق ووعي ومشروع الأنبياء والصالحين ثانيا، انظر لقلبك وضميرك، شاهد مدى ارتفاع منسوب قيمك المتمسكة بمعايير القرآن، تقواك لله وخشيتك لله وحبك للناس وقدرتك على القيام بمسؤولياتك امامهم، تحملهم وخدمتهم وتوعيتهم والصبر عليهم وبناء مشاريعهم التي تحفظ كرامتهم وسيادتهم وحريتهم وقوتهم وهيبتهم، بمدى اقتناعك بعدم التفتيش في نفوس الناس ونواياهم، مدى رجوعك لمسيرة الأنبياء، وتصرفاتهم وصبرهم ووعيهم وقيمهم ومشروعهم، وكيف كانوا أكثر البشر رحمة بالبشر، لأنهم أقدر الناس على فهم هذه الجزئية من كيفية التعامل اخلاقيا وقيميا مع وعي مجتمعاتهم، فالرحمة هنا هي الوعي والقيم والمشروع، فإذا امتلكت تلك الرحمة، فقد وجدت طريق وصولك إلى الله وأيضا طريق تعايشك السلمي مع البشر ونشر الخير للإنسانية..
أن تصبح من أنصار الله أو إصلاحياً أو مؤتمرياً أو اشتراكياً ، أو كنت حتى يمنياً فقط ، أو غير ذلك، هي كلها توجهات فكرية مختلفة، لكنها في النهاية تتشابه في الظاهر من الإنسان في معاملاته مع الآخرين، لأن حسن الخلق هو ما نراه ممن لا نعرفه وليس تدينه السياسي، لذلك لا يعنيني ما هو مذهبك السياسي أو حتى إن لم يكن لك دين سياسي من اصله، فكل ما أراه منك هو ما تُعاملني به من قيم واخلاق، من خلال نواهي وأوامر الله وفي منهج كتابه الكريم، فإن كانت معاملتك لي ولغيري من الناس حسنة وطيبة وفيها من العزة والكرامة ما يشعرني بالخجل منك، فأنت بالنسبة لي إنسان مؤمن وتقي وتحب الله والله يحبك، أما ما هو بينك وبين الله ومن تطبيق لشعائر الله فهو شأن يخصك انت وحدك..
إن مذهبي او تديني أو استقامتي أو غير ذلك يحمل شقاً خفياً بيني وبين خالقي، أما الشق الظاهري بيني وبين العالم من حولي فهو نضوج وعيي وقيمي ومشروعي تجاه البشرية، فلا أنا أهمشك او اكذب عليك ولا أُكفرك ولا أنت تسخر مني وتخرجني من الملة الدينية والوطنية، لكن إن احتجتك وجدتك وإن احتجتني وجدتني، إن احتجت مواقفك وتصرفاتك وولاءك لله ولرسوله وللحق وجدتها منك أمامي، هنا سأكون أنا وأنت متساوين في وعينا وقيمنا ومشروعنا، وسوف يكون المجتمع كله والأمة كلها متساوية في وعيها وقيمها ومشروعها الذي يخدم سنن الله والذي يسير على معايير قيم كتاب الله ونهج مسيرة رسول الله ..
إن الفكرة كلها في المفهوم السائد عن قيم وأخلاق الدين وممارسات ومعاملات قيم ومشروع الأنبياء، فالدين هو في الأصل نظريات ثابتة وأسس وقيم وغايات ملزمة للارتقاء بالنفس البشرية وتزكيتها وتنقيتها من التعالي والتعصب وسيئ الأخلاق، لكن تحويل الدين الى ايديولوجية مجتمعية إلزامية ذات مظهر محدد ، ينقل الدين من رحابة السعة للجميع حتى المختلف معه، الى مجال التعصب للمنظومة او الجماعة او الحزب او الشلة السائدة في المجتمع والمعتنقة لهذا المفهوم الأيديولوجي، التي وبمجرد اعتناقها لمفهوم الحزب أو الجماعة او الشلة الايدلوجية، فإنها لم تعد متدينة أصلاً، بل أصبحت مكون حزب وجماعة وشلة سياسية بامتياز ..
إن ما رسخته جماعات وشلل المتدين السياسي على مدار التاريخ ، هو ما هو سائد ومنذ قرون، وفي كل الديانات، والتاريخ خير شاهد، وليس فقط بين الديانات المختلفة ، بل أيضا في داخل الدين الواحد، استعلاء العبرانيين على السامريين في اليهودية، مجازر القتل بين الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس في الماضي المسيحي، الصراعات ما بين الشيعة والسنة ، والمعتزلة والحنابلة، وصولا للحاضر وصراع السلفية والصوفية والأشعرية والإخوانية ، وانتهاء بوصول داعش والقاعدة وأشباههم من الاستعلاء على الجميع، استعلاء لصالح الاحزاب والشلل والجماعات التي ظاهرها التدين الشكلي وباطنها التدين السياسي من أجل السلطة والثروة ، وهذا هو ما تحاول محاضرات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي ان تبعدنا عنه وان يبتعد عنه قيادات ومسؤولو أنصار الله واليمنيون بشكل عام.