كشفت جريدة الاخبار اللبنانية في تقرير جديد عن وثائق جديدة مسربة من السفارة الإماراتية في بغداد، تؤكد سعي الإدارة الامريكية الى استغلال الأموال السعودية والامارات في تخريب العراق.
وفي التفاصيل فإن السفير الإماراتي في العراق حسن أحمد الشحّي، الذي لا يميّزه عن نظيره السعودي السابق ثامر السبهان سوى قدرٍ من اللباقة يغلّف به تقاريره، يظهر مُتقصِّياً الجهود السعودية لـ”سحب البساط من تحت أرجل الإيرانيين”، ومُسدِياً النصح في ما يتصل بكيفية تجاوز العقبات الحائلة دون ذلك.
البارز في الوثائق المسربة وجود معلومات و”تحليل وتقييم” على ان المحرّك الأمريكي خلف المساعي الإماراتية والسعودية، الذي بات واضحاً أنه تفعّل إلى أقصى الحدود في لحظة تقاطع بين عزم إدارة ترامب على “تطويق النفوذ والتمدد الإيراني في العراق”، وبين محاولات الرياض وأبو ظبي إرجاع العراق إلى ما تُسمّيانه “محيطه السياسي العربي”.
اللافت، أيضاً، في الوثائق، أن السعودية والإمارات، ومن خلفهما واشنطن، قرّرتا مبكراً وضع ثقلهما خلف “المشروع المعتدل” المتمثّل برئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، و”غيره من القوى ذات الاتجاه العربيط، وفق ما يوصّفها الشحي، سعياً لإنجاحها في الانتخابات النيابية التي لم تكن قد أُجريت بعد، و”تحقيق نصر سياسي مهم في مواجهة النفوذ الإيراني الكبير”.
بعد أقلّ من شهر على انتخابه رئيساً لأمريكا، أطلّ دونالد ترامب عبر “تويتر”، مُحذِّراً من أن “إيران تستحوذ بسرعة على المزيد والمزيد من العراق”. كانت تلك واحدة من الإشارات المبكرة إلى أن الساكن الجديد في البيت الأبيض يضع نصب عينيه رؤية “عراق لا يدور في محور إيران”، كما يعبّر عن الهدف السفير الإماراتي في العراق حسن الشحي.
منذ ذلك الحين، تضافرت المعطيات على تأكيد عزم أمريكي على رسم صورة بلاد الرافدين ما بعد “داعش” وفق تطلّعات واشنطن ورغباتها. بدا واضحاً لجميع المراقبين أن الإدارة الأميركية ستكثّف مساعيها على المستويات كافة من أجل “إبعاد الحكومة العراقية عن أن تكون تابعاً لطموحات السياسة الإيرانية وأهدافها”، بحسب تعبير الشحي نفسه.
يلخّص الشحي، في برقية مؤرخة بـ25 أكتوبر 2017، تحمل عنوان “وزير الخارجية الأمريكي يزور العراق”، الاستراتيجية الأميركية هذه بـ6 نقاط، في مقدّمها “تعزيز الوجود العسكري الأميركي في العراق بالإبقاء على عدد من القوات الأميركية القتالية والخاصة بحماية الأراضي التي طُرد عناصر داعش منها”، و”إبقاء المراقبة الميدانية والجوية واستمرار الاستطلاعات الأمنية والاستخباراتية لإفشال المشروع الإيراني التوسعي في العراق ومنعه من إيجاد ممرات بديلة وطرق برية أخرى لإدامة الاتصال بين طهران ودمشق عبر بغداد، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، مروراً بالأراضي اللبنانية ضمن محور الهلال الشيعي”.
اللافت في النقطة السادسة والأخيرة، التي تنسجم مع الرؤية “الترامبية” لكيفية تحقيق أكبر قدر من الفوائد بأقل قدر من التكاليف، والتي تُرجمت عراقياً بالاستعانة بشركات خاصة ومقاوِلين خاصين لتحقيق هدف ترامب المتمثل في استعادة “3 تريليونات دولار أُهدرت هناك”، والإمساك بالحدود المشتركة بين سوريا والعراق والأردن، هي قول الشحي إن الولايات المتحدة تريد الحفاظ على مصالحها العليا في منطقة الشرق الأوسط “مع مراعاة عدم تكلفة الاقتصاد الأميركي أي تبعات ونفقات مالية، أي اعتماد مبدأ (تحقيق المصالح مع مراعاة الاقتصاد بالنفقات) مُستغِلّة نفوذها ودورها الدبلوماسي الكبير والتفوق العسكري الحاسم لمصلحة قواتها”.
هذه الحقيقة التي لا يتردّد السفير الإماراتي في الاعتراف بها، تحيل مباشرة على دور الوكيلَين الخليجيَّين (السعودية والإمارات)، المتحمّسَين لتوجيه ضربة إلى “شبكات النفوذ التي تملكها طهران في العالم العربي” (كما يزعمون)، في المخطّط الأميركي. هنا، يحضر الرابط بين الوثيقة الأولى التي تتناول زيارة غير معلنة لوزير الخارجية الأمريكي السابق، ريكس تيلرسون، للعراق في الـ23 من أكتوبر 2017، والوثيقة الثانية التي تتحدث عن زيارة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الثانية للسعودية في الـ22 من تشرين الأول 2017، التي تخلّلها اجتماع هو الأول من نوعه لـ”المجلس التنسيقي السعودي – العراقي” بحضور تيلرسون.
في ذلك الاجتماع، عرض تيلرسون على العبادي والملك سلمان بن عبد العزيز – وفقاً للشحي – “مقترحاً لتشكيل فريق عمل يضمّ ممثلين عن الدول الثلاث (العراق، السعودية، أميركا)، يستهدف ترسيخ الاستقرار السياسي في المنطقة”، داعياً السعودية إلى “دعم العراق على الصعيدين السياسي والاقتصادي لتعزيز حظوظ المشروع المعتدل الذي يقوده رئيس الوزراء حيدر العبادي”.
العرض الذي يقول الشحي إنه “يتعلق في جوهره باحتواء النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة”، يُظهر بوضوح أن “الحرب الناعمة” التي أطلقتها السعودية باتجاه العراق منذ بدايات عام 2017 إنما كانت بتشجيع وتوجيه أميركيَّين، من أجل الاستفادة من “الرز الخليجي” في اختراق القواعد الشعبية للقوى المناهضة للولايات المتحدة، وشراء ولاءات المكونات والشخصيات السياسية، بما يخدم هدف “تصحيح المسار”، بحسب ما يسمّيه الدبلوماسي الإماراتي.
هدف تبيّن الوثيقة المذيّلة بتوقيع الشحي أن الرياض وأبو ظبي تجدان في رئيس الوزراء العراقي الطريق الأقصر لبلوغه، خصوصاً أن العبادي – بحسب الشحي – “يريد الاستثمار في الثقة السعودية كي لا يصبح تحت رحمة إيران في العراق، ومن ثم يقطع الطريق على تصاعد النفوذ الإيراني وبالتنسيق مع الولايات المتحدة أيضاً”. من هنا، بدأ العمل على منح “أعلى درجات الدعم للعبادي وغيره من القوى ذات الاتجاه العربي للفوز في الانتخابات المقبلة”.
يورد السفير الإماراتي، في هذا السياق، أن “السعودية تخطّط لدعم العبادي عبر حزمة من المشاريع والإجراءات الاقتصادية تُنفّذ في معظمها في مناطق الجنوب العراقي الفقيرة، ومن بين هذه المشاريع إمكانية تحويل بادية السماوة بين العراق والسعودية إلى منطقة استثمار في مجال الزراعة والثروات الحيوانية، اعتماداً على أموال سعودية وأيادٍ عاملة عراقية”. انطلاقاً من ذلك، يبدأ الشحي تقييم الجهود السعودية، وتقديم توصيات إلى قيادته بشأن كيفية تثمير تلك الجهود، وتلافي “الأخطاء” التي ارتُكبت سابقاً. يرى الشحي أن المشاريع الاقتصادية “تمثل ورقة انتخابية ناجحة للعبادي خلال المنافسة المنتظرة بين الأحزاب السياسية الشيعية في انتخابات 2018″، ولذا فهو يشدّد، بلغة المُعلِّم، على “تنشيط الملف الاقتصادي”، لما ستكون له من “نتائج انتخابية مؤثرة، يمكن أن تمثل نصراً سياسياً مهماً في مواجهة النفوذ الإيراني الكبير في العراق”، (على حد زعم السفير).
وباللغة نفسها، التي تستبطن تأييداً لِمَا كان يوسف العتيبة قد وَصَف به السعوديين، وتجلية لثقة الإماراتيين المفرطة بأنهم أقدر من “أشقائهم” على أداء المهمة المطلوبة أميركياً، وبالتالي الأحقّ بتوجيه جهود التخريب في العراق، ينبّه الشحي إلى أن “المشاريع المشتركة (بين الرياض وبغداد) لن تكون أمراً سهلاً، خاصة أن الفنيين من الجهتين لديهم فجوات في الخبرة بسبب انقطاع العلاقات الثنائية منذ ما قبل 2003، فضلاً عن أن المشهد يعتمد على علاقات قبلية معقدة، كذلك فإن التيارات العراقية المتشددة نجحت في تلغيم المشهد العراقي بالحقد الطائفي”. ومن هنا، يوصي السفير الإماراتي بأنه “سيكون على السعودية أن تعمل على إزاحة ما عَلِق بصورتها من اتهامات من قبل هذه التيارات”، في إشارة إلى الصورة السعودية المطبوعة في ذاكرة العراقيين والمرتبطة بالمفخّخات والتنظيمات الإرهابية.
أما الأهم، في سياق “الأستذة” الإماراتية، فهو اعتبار الشحي أنه سيكون على السعودية من أجل “تفويت الفرصة على أذناب إيران في العراق لتخريب هذا التقارب”، “التنسيق والجهد والدعم المماثل لكل من دولة الإمارات ومصر والأردن على الساحة العراقية، وستظهر النتائج الإيجابية لهذا التقارب والتنسيق في القريب المنظور، خاصة أن معظم الساحة العراقية متفائلة من التقارب العربي للعراق، وبالذات من السعودية والإمارات”.
يلخّص السفير حسن الشحي، الاستراتيجية الأميركية للعراق، في ست نقاط:
1 – تحقيق الانتصار على “داعش” بطريقة “تظهر (فيها) للعالم أجمع أنها كانت الأداة الأقوى في دحر الإرهاب في العراق وسوريا وملاحقة عناصره ومقاتليه في الأقطار العربية الأخرى”.
2 – “تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في العراق بالإبقاء على عدد من القوات الأمريكية القتالية والخاصة”.
3 – “إعطاء هدف احتواء إيران أهمية قصوى وتعزيز هذا الهدف بتطويق النفوذ والتمدد الإيراني في العراق ومحاولة إبعاد الحكومة العراقية عن أن تكون تابعاً لطموحات وأهداف السياسة الإيرانية في المنطقة”.
4 – الحفاظ على علاقة متميزة مع حكومة إقليم كردستان وتعزيز الدور الأمريكي في هذه المنطقة المهمة “وهذا لا يعني تشجيع الإقليم على الاستقلال والانفصال عن العراق”.
5 – “إبقاء المراقبة الميدانية والجوية واستمرار الاستطلاعات الأمنية والاستخباراتية لإفشال المشروع الإيراني التوسعي في العراق”.
6 – “اعتماد مبدأ تحقيق المصالح مع مراعاة الاقتصاد بالنفقات”.