عن الدم اليمني المراق: تنديد ونفاق، ومنظمات خارج السياق
فؤاد الجنيد
مع كل جريمة يرتكبها النظام السعودي في اليمن يطل ناطق العدوان ببزته العسكرية وتسريحة شعره الجانبية ليتمتم عبر وسائل الإعلام بالمبررات والحجج التي تقف وراء استهداف الطيران لتلك الأهداف المدنية، وكالعادة يصف شهداء كل مجزرة بعناصر إرهابية تارة وبعناصر من طهران والضاحية الجنوبية تارة أخرى، وبالرغم من بشاعة صور الضحايا ووضوح ملامحهم المدنية بين أطفال ونساء وشيوخ يطوي العالم ملف الجريمة دون حرج؛ ويخرس الأصوات التي ترتفع تنديداً وشجباً بارتكاب مجزرة جديدة أكثر دموية وأشد بشاعة، وعلى هذا المنوال باتت جرائم الحرب السعودية حدثاً يومياً في اليمن لا يحرك ضميراً ولا يهز مشاعر طالما كانت براميل النفط وعائداتها تحط رحالها في أرصدة الصامتين بنظام الدفع المسبق والمغلوبين على أمرهم بين مطرقة الترهيب وسندان الإبتزاز.
منظمات إنسانية وحقوقية عالمية وقفت متفرجة أمام ما يجري وكأن الأمر لا يعنيها بما في ذلك تلك الجرائم التي قضى فيها بعض من موظفيها، حتى دعواتها المتقطعة التي كانت تسمع بين الفينة والأخرى لم تتعد مرحلة إسقاط الواجب الأخلاقي وذر رماد الإستنكار على عيون المستضعفين، ولعل الجميع يتذكر كيف كانت الرياض تدخل القائمة السوداء مساء؛ وتصبح وهي تترأس لجنة حقوق الإنسان في أذرع الأمم المتحدة المشلولة التي علّل أمينها العام السابق ضعفها وهشاشة قرارتها بسبب الوصاية السعودية على نظامها وصلاحياتها والتهديد بإيقاف الدعم المالي الذي تمنحه الرياض للأمم المتحدة ثمناً لتمرير تشريعات جرائمها والتستر على مجازرها الوحشية بحق اليمن الأرض والإنسان، إذ لم تقتصر جرائم الإبادة الممنهجة في اليمن على فصيل بعينه أو كيان بمفرده، بل مضت تسحق البشر أطفالاً وشباباً وشيوخاً من الجنسين، وتحرق الجغرافيا دون خطوط حمراء بما في ذلك المؤسسات الحكومية والخاصة والمنازل والمحلات التجارية والمدارس والمستشفيات والطرقات والملاعب والأندية والجامعات ودور العبادة وصالات الأفراح والعزاء، ثم انتقلت لاستهداف الأماكن الأثرية والنقوش والحصون والقلاع والأضرحة، لكن تلك الجرائم كانت متفرقة زمنياً ومتوزعة بين الأهداف، وما إن تتجه الأنظار صوب جريمة ومكانها وضحاياها حتى يشتت العدوان الأنظار باستهداف مكان آخر وضحايا آخرين، ويخلق مبررات مستحدثة ليصنع من حبة الكذب قبة عالية من التضليل والتزييف الباعثين على الإدمان.
اليوم يستهدف العدوان أطفال اليمن عمداً وعدواناً مخلفاً ضحايا بالعشرات، ولم يجد داعياًٍ للفصل بين جريمة وأخرى بجرائم أخرى هنا وهناك، بل يواصل استهداف الأطفال غير مبالٍ بتبعات وغير مكترثٍ بحقوق، ولم يكلف نفسه بتفسير أو تصريح عبر ناطقه لكشف مبررات الاستهداف ولو كذباً، وكأنه قد حسم الأمر في المضي في قتل الطفولة اليمنية على مرأى ومسمع من نفاق القطيع باستثناء صحوة خجولة جاءت على لسان “ليز غراندي” منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن حيث قالت: إن ما يحدث في اليمن لا يمكن تصوره وقد حان الوقت لكي يستيقظ الجميع على حقيقة هذه الحرب الرهيبة وتكلفتها الإنسانية والعمل معاً لإنهاء الأعمال القتالية، متطرقة إلى الغارة الجوية التي أصابت منزلاً في مديرية الدريهمي جنوب مدينة الحديدة ما أسفر عن مقتل أربعة مدنيين وإصابة اثنين آخرين، وغارة اليوم التالي التي أدت إلى مقتل 27 مدنياً بينهم 22 طفلاً وأربع نساء وسائق في ذات المديرية، مشيرة إلى مجزرة أطفال ضحيان بالقول: “قبل أسبوعين فقط، قُتل عشرات الأطفال الأبرياء بالقرب من صعدة وجرح العشرات”، لكنها تعود إلى حقيقتها في المساواة بين الضحية والجلاد بتشديدها على وجوب التحقيق في هذه الحوادث بشكل مستقل ومحايد حتى يتمكن المجتمع الدولي من معرفة الحقيقة حسب حديثها.
أما “هيومن رايتس ووتش” فقد أصدرت “الجمعة” تقريراً فيه ميل للإنصاف بادعائها أن التحقيقات التي أجرتها قوات تحالف العدوان على اليمن بقيادة السعودية في جرائم الحرب باليمن تفتقر إلى المصداقية، وفشلت في توفير سبل الإنصاف للضحايا المدنيين، وشددت بالقول: إن الدعم اللوجستي الأمريكي لغارات العدوان يمكن أن يجعل واشنطن متواطئة، مؤكدة بأن القادة السعوديين والإماراتيين قد يواجهون مسؤولية جنائية بسبب ما يجري في اليمن، داعية مجلس الأمن أن يفكر في فرض عقوبات على كبار قادة تحالف العدوان على اليمن.
يدرك الجميع أن استمرار الضربات الجوية غير القانونية لتحالف العدوان وعدم إجراء تحقيقات كافية في الانتهاكات وجرائم الإبادة يعطي الضوء الأخضر لقوى العدوان للاستمرار والتكرار، ويشجع موردي الأسلحة إلى التحالف إلى إبرام المزيد من الصفقات الكفيلة برفد خزائنهم بالمال السعودي على حساب الدم اليمني الذي يراق على مدار ساعة دون ذنب.