النظام الدولي وفخ اليمن!
إيهاب شوقي*
كما ان الغايات السامية والنبيلة تتطلب وسائل سامية ونبيلة، فإن الغايات القذرة والباغية يتسق معها استخدام وسائل قذرة وباغية.
وليس اكثر فحشا وبغيا من العدوان على الأمم ومحاولات تركيع الشعوب، وفرض معادلات لنهب الحقوق وانشاء اوضاع لخدمة المصالح عن طريق القتل والدم، وهو ما يجعل المقاربة مفتقدة لجانبها القيمي والاخلاقي من أصلا، وهو ما يتيح استخدام كافة الوسائل دون قيود اخلاقية او انسانية.
ويزداد الامر قتامة مع انعدام فاعلية نظام دولي يستطيع توفير الحد الادنى من الحماية الانسانية والاخلاقية.
هذه المعادلة تلقي بمزيد من الوجاهة على حتمية المقاومة، فهي كونها حقاً أصيلاً، فهي ايضا السبيل الوحيد للحفاظ على الحقوق والكرامة واستعادتها.
وما يحدث باليمن هو خير شاهد على نظام دولي وصل لمنتهى فشله بعد محاولات للتجمل لعقود طويلة، حاول بها التستر على عيوب الصناعة والنشأة، والتي بنيت على معادلة للقوة مكنت المنتصرين فقط من امتلاك فاعلية القيادة، ومر هذا النظام بمحطات كاشفة اهمها وابرزها قضية فلسطين والتي واكبت النشأة وظلت على مدى سبعين عاما دون حل، بل وفي طريقها للتصفية عبر هذا النظام المعيب لولا الصمود والمقاومة والتي اصبحت مدانة من هذا النظام!
اليمن مصداق جديد وربما اكثر كشفا لعجز هذا النظام بل وتواطؤه، حيث تزامن العدوان مع نهايات واضحة وتبدو قريبة لهذا النظام، تمكنت فيها العيوب عبر تراكمها من السيطرة لتصبح عنوانا مميزا وتصبح هي الأصل، بعد أن كانت تلوح من بعيد وفي الثنايا والهوامش، لتصبح هي المتون الرئيسية لوضع دولي معيب.
ولنستعرض بعض امثلة على هامش العدوان تكشف مدى التواطؤ حتى مع الوسائل المساعدة:
1 ـ تقرير للغارديان، قال ان مئات المعتقلين تعرضوا للإيذاء الجنسي في سجن بجنوب اليمن يُعتقد أن إدارته تديره دولة الإمارات العربية المتحدة ، وفقًا لما ذكره العديد من الشهود.
وذكرت وكالة أسوشيتد برس أن 15 ضابطا وصلوا إلى سجن بير أحمد في عدن قاموا بإخفاء وجوههم خلف أغطية رؤوسهم ، ولكن كانت لهجاتهم محددة بوضوح من دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتم الكشف عن تفاصيل السجون السرية لحليف الولايات المتحدة واستخدام التعذيب من خلال تحقيق اسوشيتدبرس في يونيو من العام الماضي، ومنذ ذلك الحين، حددت الوكالة ما لا يقل عن خمسة سجون تستخدم فيها قوات الأمن التعذيب الجنسي ضد السجناء.
ومن بين السجون الخمسة التي يرى أن التعذيب الجنسي قد وقع فيها، هناك أربعة في عدن، بحسب ثلاثة مسؤولين أمنيين وعسكريين يمنيين تحدثوا إلى وكالة الأسوشييتد برس شريطة عدم الكشف عن هوياتهم.
وفي العام الماضي طالب أعضاء في الكونجرس الأمريكي، وزير الدفاع، جيمس ماتيس، بفتح تحقيق حول إدارة القوات الإماراتية لسجون سرية في اليمن.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية عن المشرعين، إنهم طالبوا وزير الدفاع ماتيس بالتحقيق في تعذيب المعتقلين في اليمن الذي كشفته وكالة أسوشيتد برس ومنظمة هيومن رايتس ووتش.
وبالطبع حدث التواطؤ الدولي دون محاسبة، وهو امتداد لما فعلته امريكا في العراق في سجن ابو غريب ومرور الامر مرور الكرام!
2ـ السعودية القائدة اسميا للعدوان وكوكيل لمصالح امريكية وصهيونية، تبقى فوق المساءلة، بل وحتى اللوم، وقد رأينا تشنجها لمجرد تقارير دولية أو مطالبات من دول مثل كندا، بل وان الامر تخطى جرائم الحرب في اليمن ليصل الى الداخل السعودي، فقد كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز عن أن السعوديين البارزين المحتجزين في فندق الرياض قد تركوا خائفين وغير متأكدين حتى بعد إطلاق سراحهم.
ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإن 17 معتقلاً على الأقل نقلوا إلى المستشفى بعد تعرضهم لسوء المعاملة ، فيما توفي جنرال سعودي في وقت لاحق في الحجز ، فيما قال شهود : يبدو أنه كسر في الرقبة وجسم مصاب بكدمات شديدة.
ولا يزال العديد من المشتبه بهم البالغ عددهم 381 ، بما في ذلك الأمراء والوزراء وأقطاب الأعمال ، يخضعون للمراقبة العسكرية ، وقد اضطر البعض إلى ارتداء أساور في الكاحل تتبع تحركاتهم.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن أمير الرياض السابق تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، “ما زال معتقلاً بتهمة فساد مرتبطة بمشروع مترو الرياض”، بحسب السلطات.
وأشارت الصحيفة التي نقلت عن مصدر سعودي لم تسمّه، إلى أن السلطات السعودية لم توجه الاتهام للأمير تركي، لافتةً إلى أن “هناك من يرى أن اعتقاله ليس سوى خطوة سياسية لإقصاء منافس محتمل لبن سلمان”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين وأقارب المعتقلين إن “بعضهم تعرضوا للضرب والحرمان من النوم أثناء استجوابهم، وآخرين لم توجه إليهم أي اتهامات ولم يُسمح لهم بالاتصال مع أقاربهم أو محاميهم”.
وكشفت المصادر أن “العديد منهم محتجزون في سجن ذي إجراءات أمنية مشددة خارج العاصمة الرياض، بينما يُحتجز آخرون في إقامة جبرية داخل قصور حولت إلى مراكز اعتقال”.
وبالطبع فإن الصامتين عن بغي دولهم وانظمتهم تجاه جيرانهم وتجاه الدول الاخرى، لا بد وان يتوقعوا ان تصل النيران لسراويلهم فهم اهون على انظمتهم من الخارج.
3 ـ منذ عقود والمعتقلون الفلسطينيون يتحدثون عن وجود معتقلات وسجون سرية لدى الاحتلال الإسرائيلي تحتجز وتختطف العشرات من الأسرى الفلسطينيين والعرب، كما تحدثت العديد من التقارير والمؤسسات الحقوقية والإنسانية عن وجود معتقلات سرية أو أقسام ملحقة بسجون إسرائيلية، وهي منشآت محصنة بشكل تام وجيد، حيث أن بعضها هو عبارة عن ثكنات وقواعد عسكرية، بعضها يعود لحقبة الانتداب البريطاني وبعضها الآخر استحدثته سلطات الاحتلال.
4ـ التقارير الدولية متواترة ومعروفة عن السجون الامريكية والمنتشرة في اكثر من 60 دولة بالعالم، والتي صك من اجلها مصطلح بات معروفا اعلاميا تحت مسمى “عولمة التعذيب”.
هذه النماذج تكشف ان المعتدين على اليمن هم مدرسة واحدة وبينهم مشتركات وان العدوان على اليمن هو عدوان سعودي اماراتي امريكي صهيوني، لخصته المقاومة اليمنية في شعاراتها وراياتها، وهم يعملون فوق القانون الدولي والانساني وبالتالي فإن المقاومة اليمنية والتي هي جزء من محور المقاومة، تقاتل في جبهة برز فيها الشر كله امام مقاومة كتب عليها مواجهة اصلائه وكتب لها النصر القريب والذي بدت بشائره وأولها فضح نظام دولي كما لم يفتضح من قبل.
* كاتب صحفي مصري