في كل مرة تُرتكب فيها مجزرة في الساحل الغربي، تنبري الإمارات لنفض يد «التحالف» منها، وإلصاقها بمن تسمّيهم «الميليشيات الحوثية». مردّ ذلك سببان: أولهما أن مناطق الساحل تُعدّ مسرح عمليات للإماراتيين، وبالتالي فإن أي جريمة ضد المدنيين هناك لن تكون أبو ظبي بريئة منها، ولذا تجد نفسها معنية – قبل غيرها – بالمبادرة إلى تمويه الحدث، صيانةً لما تعتقد أنه «تحييد» لها من دائرة الاتهام بالجرائم الكبرى. أما السبب الثاني، فهو أن مديرية الدريهمي (جنوب مدينة الحديدة) – تحديداً – تشكّل مسرح اشتباك دائم مع الجيش واللجان الشعبية، وعليه فإن إمكانية تشويه الحقيقة هنا تبدو أكبر مما هي عليه في مناطق أخرى. إمكانية لم تنتظر الإمارات طويلاً لاستغلالها مطلع الشهر الجاري، حينما زعمت أن سقوط عشرات الضحايا عند سوق السمك وأمام بوابة مستشفى الثورة في مدينة الحديدة إنما كان بسبب قذائف هاون أطلقتها «الميليشيات»، علماً أن القذيفتين اللتين استهدفتا السوق يومذاك (2 آب/ أغسطس) سقطتا عليه بعد حوالى ساعة من الغارات الجوية التي أوقعت 55 قتيلاً وأكثر من 100 جريح. اليوم، تعيد أبو ظبي الكرّة، بإعلانها، توازياً مع انتشار نبأ مقتل 31 مدنياً معظمهم أطفال ونساء بغارة جوية استهدفت حافلة نازحين في الدريهمي، سقوط «صاروخ باليستي إيراني الصنع» على قرية الغليفقة في المديرية ما أدى إلى «مقتل طفل وجرح عشرات آخرين». نجحت أبو ظبي، في الحالتين، في تشويش تغطية الجريمتين والتفاعل معهما، إلا أن ذلك لم يكن أكثر من «إنجاز» موقت سرعان ما تبدّدت مفاعيله.

أسقطت القوات المشتركة طائرة تجسس تابعة لـ«التحالف» في نجران

يوم أمس، جاءت الردود الأولية على مجزرة الدريهمي مقتصرةً على إدانة الجريمة من دون تحميل طرف بعينه مسؤوليتها، كما عبّر مكتب «يونيسف» في صنعاء، والذي دعا إلى «وقف الحرب ضد الأطفال»، وكذلك «المجلس النرويجي للاجئين» الذي قال «(إننا) نشعر بالهول للنزاعات التي لا يحكمها أي قانون حرب»، رافضاً «أي تبرير» للهجمات التي تستهدف المدنيين. لكن، وفي أعقاب تلك الردود، أتى تعليق الأمم المتحدة ليثبّت مسؤولية «التحالف» عن المجزرة. إذ أكد مساعد الأمين العام للمنظمة الدولية، مارك لوكوك، في حديث إلى «فرانس برس»، مقتل 22 طفلاً و4 نساء بغارة لـ«التحالف» في الدريهمي بينما كانوا يفرّون من مناطق القتال، مضيفاً أن 4 أطفال آخرين قُتلوا أول من أمس أيضاً بغارة منفصلة في المديرية نفسها. تعليقٌ ضاعف وقعه التقرير الذي كانت أصدرته منظمة «هيومن رايتس ووتش»، والذي اتهم لجنة التحقيق المدارة والمُموّلة سعودياً بـ«التستّر على جرائم الحرب»، معتبراً أنها تفتقر إلى «الشفافية والنزاهة والاستقلالية». ما بدا لافتاً في تقرير المنظمة، التي جدّدت دعوة كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا إلى تعليق مبيعات الأسلحة للسعودية تحت طائلة «التورط في هجمات غير قانونية»، هو مطالبة مجلس الأمن بفرض عقوبات على كبار قادة «التحالف» الذين «يتقاسمون أكبر قدر من المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة المتكررة».
هذه التحقيقات، التي لم تبصر آليّتها النور إلى الآن، لطالما أبدت «أنصار الله» استعدادها للتعاون معها، لكن الدول المُقرّرة في مجلس الأمن وفي مقدمها الولايات المتحدة لم تمنح، ولو لمرة واحدة، الضوء الأخضر لعملية تحقيق جادة، وكان أقصى ما بلغته أخيراً لدى وقوع «مذبحة ضحيان» (في محافظة صعدة) هو دعوة مبهمة إلى التحقيق من دون إصدار تكليفات أو تحديد مهل زمنية. وهي دعوة تمثل، على نحو أو آخر، غطاءً لتواصل العدوان، الذي «ما كان ليستمر طيلة هذه الفترة لولا دعم الدول المهيمنة على مجلس الأمن وقراراته»، بحسب ما أكد أمس مصدر مسؤول في مكتب رئيس حكومة الإنقاذ، عبد العزيز بن حبتور، تعليقاً على مجزرة الدريهمي. وجدّد رئيس «اللجنة الثورية العليا»، التابعة لـ«أنصار الله»، محمد علي الحوثي، بدوره، تحميل واشنطن «المسؤولية الكاملة عن ارتكاب هذه الجريمة وما سبقها»، معتبراً أن الجريمة الأخيرة تثبت «للعالم أن استهداف الأطفال والمدنيين سياسة ثابتة لدول العدوان تسير وفق آلية متبعة وممنهجة».
السياسة السعودية – الإماراتية التي يُراد من ورائها ترهيب اليمنيين وإخضاعهم، لا تفلح في وقف العمليات النوعية للجيش واللجان، والتي كان آخرها يوم أمس على الساحل الغربي، حيث تمكنت القوات المشتركة من استعادة سوق الجاح الأسفل في مديرية التحيتا جنوب محافظة الحديدة. أما على الجبهة الحدودية، فقد أسقطت الدفاعات الجوية في القوات المشتركة طائرة تجسس تابعة لـ«التحالف» في موقع نهوقة العسكري بمنطقة نجران، بحسب ما نقلت وكالة «سبأ» الرسمية عن مصدر عسكري.