عادل بشر
“عمار” هو الابن البكر لأسرة مكونة من أب وأم وستة أبناء، وُلد ونشأ سنوات طفولته الأولى وسط أسرته في إحدى القرى الجبلية، وعاش طفولته مثل بقية أطفال القرية “لعب وضحك وبراءة” وعندما بلغ السابعة من العمر ألحقه والده بالمدرسة، فأكمل العام الدراسي الأول بتفوق، وواصل تفوقه في دراسته حتى الصف الثاني إعدادي، حيث بلغ حينها الرابعة عشرة من عمره، وكانت الأسرة قد رُزقت بخمسة من البنين والبنات، ليرتفع عدد أفرادها إلى ستة ولم يكن لدى والدهم مصدر دخل عدا “عربية” صغيرة يطوف بها شوارع المدينة لبيع الفواكه والخضروات.
قام الأب بإخراج ابنه “عمار” من المدرسة وإلحاقه بالعمل معه لمساعدته في توفير المأكل والمشرب ومستلزمات الحياة لبقية أفراد الأسرة.
وصل “عمار” ووالده إلى المدينة، وسكنا في دكان صغير استأجراه مع أشخاص آخرين، ومن اليوم التالي أخذه والده لتعلم العمل على “العربية” فكانا يملآنها بالفاكهة صباحا ويطوفان بها شوارع المدينة حتى حلول المساء، فيعودان إلى الدكان ويناما فيه حتى الصباح الباكر، ليستيقظ الطفل ” عمار” على رحلة عذاب جديدة تستمر أكثر من 12 ساعة متواصلة بين الشمس والبرد في الشوارع وهكذا حتى تمرس “عمار” على العمل وتعرف على الشوارع والأسواق فكان والده يملأ له “العربية” بالبضاعة في الصباح الباكر ويساعده على دفعها إلى السوق، ثم يتركه يمارس العمل ويذهب هو للتجول أو يعود للنوم والراحة في الدكان حتى يعود الابن مساء حاملا لوالده ما جناه من مال طوال اليوم.
مع مرور الأيام أحب الأب الراحة وتحمل الطفل عبء العمل وقسوة الحياة، رغم صغر سنه، حتى أن والده تناسى واجبه تجاه أبنائه في رعايتهم وتربيتهم وحمايتهم من جميع أشكال العنف والاضطهاد، ووأد بقسوته أحلام طفولة “”عمار”” وبراءته وضعف جسده الغض وحمّله مالا يطيق، وذات صباح حزين، أخذ الطفل ” العربية” المليئة بثمار ” البلس المشوك” وانطلق بها يدفعها أمامه بما أوتي من قوة، حتى وصل إلى جوار إحدى المدارس، وكان وقت انتهاء اليوم الدراسي وعودة التلاميذ إلى منازلهم، فتوقف “عمار” ينظر إلى الطلاب الذين في مثل سنه، وهم يرتدون الزي المدرسي ويحملون الحقائب على ظهورهم ، يمرحون ويضحكون ويودعون بعضهم بعضا على أمل اللقاء في اليوم التالي.
وقف””عمار”: وتعلق نظره بمشهد التلاميذ، بينما أعادته ذاكرته إلى الوراء قليلاً، فتذكر مدرسته في القرية وأصدقاءه وزملاءه، وبينما هو سارح بخياله الحزين، انتبه لصوت أحد الطلاب وهو يسأله عن سعر ” البلس” فقام ببيعه بعضا منها، وفجأة وجد نفسه محاطاً ببعض الطلاب المشاغبين، الذين يريدون أن يعطيهم مما يبيع، لكن دون نقود” ببلاش” فرفض، وأخذ السكين التي يستخدمها في قطع حبات “البلس” وهددهم بها إن حاول احدهم الاقتراب من بضاعته أو إيذاءه.
أثناء ذلك قام أحد هؤلاء الطلاب برفع العربية وهزها حتى أطاح بجزء مما تحمله على الأرض، فيما كان الآخرون يضحكون مستمتعين بالمشهد، فتحمس “عمار” وهجم على هذا الطالب والسكين في يده، ليغرسها بقوة في بطن المشاغب الذي سقط مباشرة على الأرض والدم يسيل من مكان الطعنة، فصرخ جميع التلاميذ عندما شاهدوا الدماء تسيل من بطن زميلهم وارتعشت أجسادهم.
ولم يعرفوا ماذا يفعلون سوى الصراخ بأن صاحب العربية طعن زميلهم، بينما ظل المجني عليه ملقى على الأرض حتى تم إسعافه إلى المستشفى، ونظرا لكمية الدم الكبيرة التي فقدها قبل إسعافه مات في نفس اليوم.
حاول “عمار” الهرب ولكن زملاء المجني عليه أمسكوا به حتى حضرت الشرطة إلى مكان الحادث، وألقت القبض عليه بتهمة القتل العمد، فاعترف بكل شيء أمام والد المجني عليه الذي أحس بالظلم الواقع على هذا الطفل المسكين، ظلم والده عديم الرحمة والمسؤولية، بالإضافة الى قسوة الحياة، فقام بمسامحته والعفو عنه من جريمة قتل ابنه، شرط أن يقوم والده بإعادته إلى القرية ليواصل تعليمه، فوافق والد “عمار” على ذلك الشرط ولولا طيبة الرجل، والد الطفل، المقتول وتفهمه لما حدث لكان “عمار” خسر مستقبله وتحول إلى مجرم قاتل وهو مازال طفلا والسبب في ذلك الأب الظالم..