عواصم/ وكالات
“إسرائيل” تلعب بالنار مع الأقليات التي تعيش ضمن الأراضي الخاضعة لكيان الاحتلال، وما إصدارها قانون “القومية اليهودية” إلا تأكيد بسيط على نواياها تجاه القوميات الأخرى، وبالرغم من أنها تقدّم إغراءات لقومية على حساب قومية أخرى إلا أن الجميع انتفض في وجه هذا القانون وخرجوا قبل أيام بمظاهرات عمّت أرجاء الأراضي المحتلة، وكان من المتظاهرين أعداد كبيرة للدروز، حيث خرج 90 ألف متظاهر درزي احتجاجاً على القانون الجديد، علماً أن “إسرائيل” تسعى لكسب ودّ الدروز الذين يبلغ عددهم “حوالي 130,600 نسمة” وسلخهم عن قوميتهم العربية والتعاطي معهم على أنهم يختلفون عن بقية العرب.
ورغم كل المحاولات الصهيونية لصهر الدروز مع المجتمع الاسرائيلي إلا أن الدروز رفضوا ذلك وما زالوا يقاومون في هذا الإطار، يضاف إلى هذا عدم قدرة الإسرائيليين الانسلاخ عن طبيعتهم العنصرية الاستعمارية التي ظهرت مؤخراً من خلال قانون “يهودية الدولة”، ويعتقد ممثلو الطائفة الدرزية أن القانون يجب أن ينصّ على حقوقهم المتساوية مع يهود إسرائيل، لكن واضعي القانون لم يلحظوا مصلحتهم.
هناك برنامج ممنهج يقوم به كيان الاحتلال في مناطق الدروز تحديداً لجذبهم نحو “إسرائيل” وعزلهم عن “عرب إسرائيل” من جهة وعن أبناء طائفتهم في كل من “سوريا ولبنان” من جهة أخرى، ولكي يمتص رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” غضب الدروز خرج عليهم بمقترح قانون سمي “القومية الدرزية” يعطي لهم حقوقاً ومميزات قريبة من تلك التي منحت لليهود، إلا أن ذلك لم يرضهم وواصلوا احتجاجهم.
وقبل عدة أيام أكد نتنياهو أن قانون القومية يستهدف الفلسطينيين وليس الدروز، وقال إنه “يمنع على سبيل المثال استغلال بند لمّ الشمل الذي تم بموجبه استيعاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين في إسرائيل منذ اتفاق أوسلو” مؤكداً على “العلاقات العميقة مع أبناء الطائفة الدرزية”.
وعن الاحتجاجات الأخيرة للدروز كتب الصحفي موشيه آرنس في صحيفة هآرتس: “افترض أنه لم تكن هناك مشاركة درزية كبيرة في المظاهرة ضد قانون القومية التي نظمها أول أمس المتطرفون من أوساط المواطنين العرب الذين رفعوا الأعلام الفلسطينية”، يقول الكاتب أيضاً السياسيون العرب الذين وقفوا على رأس المظاهرة ضد قانون القومية يدينون الدروز ويسمونهم “متعاونين”، لكن احتمال إقناعهم بالتخلي عن إخلاصهم لـ “إسرائيل” هو صفر.
ويحاول القادة الإسرائيليون دمج الدروز بالمؤسسة العسكرية لإبعادهم عن باقي الفلسطينيين والعرب، لذلك لجأت “إسرائيل” عام 1975 لسلخ جهاز التعليم في القرى الدرزية عن ذلك المتّبع في القرى العربية الأخرى المحتلة عام 1948، وتُخصص ثلاث ساعات التعليم لتحضير أطفال الدروز منذ نعومة أظفارهم وحتى الصف الثاني عشر للخدمة العسكرية.
وتعمل أيضاً على تعيين بعض الدروز في مناصب عليا في المؤسسة العسكرية كما فعلت مؤخراً مع الجنرال الدرزي غسان عليان، الذي عينه رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال “غادي آيزنكوت” قائداً لهيئة الجيش في الضفة الغربية المحتلة.
يعود صراع الدروز مع الصهاينة إلى العام 1956 عندما أصدرت “اسرائيل” قانون التجنيد الإجباري للفلسطينيين الدروز، وأجبرت حينها الحكومة الإسرائيلية 16 شخصية درزية على التوقيع على عريضة تعتبر تجنيد الدروز إجبارياً، رغم توقيع 1245 آخرين على عريضة مضادة عبروا فيها عن رفضهم للخدمة.
ولكون الدروز يعيشون في مناطق زراعية ويعتمدون على المحاصيل الزراعية التي تؤمن لهم مصدر رزقهم، تم الضغط عليهم من هذا الباب، حيث صادر الاحتلال عام 1948 نحو 83% من مساحة أراضي الطائفة، وكانت نسبة ممن يعتمدون على الزراعة فيها 96%، ولجأت “إسرائيل” للتجنيد الإجباري حينها وسيلةَ ضغط بعدما أفقدت الدروز مصدر رزقهم الرئيسي.
ومع ذلك ورغم كل الضغوط التي مورست عليهم إلا أن نسبة كبيرة منهم انسحبت من الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، أبرزهم رئيس لجنة المبادرة العربية الدرزية غالب سيف، يقول سيف: “عشت صراعاً داخلياً قاسياً جداً لأنني فلسطيني وأجبرت على الخدمة في صفوف الجيش الإسرائيلي، ومنذ انسحابي لليوم أرفض وأقاوم التجنيد الإجباري، ولدي أربعة أبناء رفضوا الالتحاق بالخدمة وأدفعُ وإياهم ثمناً باهظاً مقابل ذلك”.
ومؤخراً أظهرت دراسة أجراها مركز هرتسيليا للأبحاث أن 54% من الشباب العرب الدروز يرفضون التجنيد، بينما أشارت نتائج دراسة أخرى أجرتها جامعة حيفا عام 2014 إلى أن 65% من الشباب الدروز يرفضون تأدية الخدمة العسكرية الإجبارية، أما “إسرائيل” فتدّعي حتى اليوم أن نسبة تجاوب الدروز مع التجنيد تتجاوز 80%.
بشكل عام يمكن القول بأن الدروز يعتمدون في سياستهم على الحفاظ على مصالحهم مع النظام الحاكم، وهذه السياسة قائمة في سوريا ولبنان ولكنها غير كاملة في الكيان الإسرائيلي، فهم عرب، وسلطان باشا الأطرش الذي فجر الثورة العربية الكبرى ضد المحتل أحدهم.
وختاماً.. أحكي قصة وقول مع التحفظ على اسم بطل هذه القصة: في أحد المرات أخبرني صديقي أنه كان على الشريط الحدودي حين سارع أحد الجنود إلى التقدّم نحوه وتوجّه إليه بالقول من خلف الشريط الشائك: يا غسان (اسم مستعار) انتبه، حاول الابتعاد وعدم الاقتراب من الشريط هذه الفترة، هناك قرار من الجيش الإسرائيلي بتصفيتك، فأجابه غسان: من تكون ولماذا تخبرني؟ ليردّ عليه الجندي: أنا درزي.