أمريكا وغرور القوة المطلقة ترامب والمزاج الأمريكي 1-2
محمد ناجي احمد
الهجاء كموقف سياسي واجتماعي يندرج ضمن الأدب الملتزم ،كما يرى المفكر هادي العلوي في كتابه) الهجاء العربي (الصادر عن دار الحوار 1982م. أي أنه لا يعود شتما شخصيا محضا ،بل انتقادا واعيا لحالة اجتماعية أو سياسية أو دينية ،وما في حكمها …وعندما يتحول الهجاء من حاجة شخصية عابرة إلى موقف نقدي ملتزم فإنه يصبح من صميم الديمقراطية الثورية . فبحسب هادي العلوي “إن الثوري الهجاء ليس فقط أفضل بما لا يقاس من الثوري المداح بل أقرب منه إلى جوهر ومهام المؤسسة الجديدة “ص9-10.
في كتابه (أمريكا بين الحق والباطل …) بترجمة ناصر السعدون ،الصادر عن المنظمة العربية للترجمة 2008م-يرى أناتول ليفن أن الكراهية الأمريكية الشوفينية الموجهة إلى الخارج “على أنها ناتج عرضي لكراهية نفسها التي يعرضها اليمين الأمريكي للداخل ” ص33؛ أي للثقافة المتعددة الأعراق ” كما يكرهون أمم أوروبا الغربية التي يصفونها بالملحدة ،والمنحطة ،وعديمة الرجولة ، فهم يكرهونها ليس لما تفعله فقط ،بل لما هي عليه ” ص33.
إنها الكراهية في الداخل التي تنعكس في مواقفهم من الخارج . فنظام التمييز ضد الزنوج الذي خلق العبودية في الجنوب لم يتحطم إلاَّ في الستينيات بفعل ميثاق الحقوق المدنية للعام 1964م كما يرى ذلك) فريد زكريا) في كتابه “مستقبل الحرية ” ترجمة فادي أديب 2006م.
إن الفارق في الدرجة والمتكامل قوميا بين بوش الابن وبين كلينتون هو أن الأول اتجه نحو استراتيجية الممارسة غير المقيدة للإرادة الأمريكية ،واعتبارها بمثابة طقوس مقدسة عامة ،والثاني سعى لشرعنة الهيمنة الأمريكية من خلال المؤسسات الدولية التي تهيمن عليها أمريكا مثل الناتو ؛ أي أنه فرق بين الهيمنة المؤسسية والهيمنة غير المقيدة بالمؤسسات الدولية .
لهذا يتماثل في المخرجات ما أنجزه بوش الابن في العراق مع ما أنجزه كلينتون في كوسوفو وهايتي .
تأتي سياسة) ترامب) كامتداد أوسع لسياسة) بوش الابن) في إهانة حكومات العالم أمام شعوبها ” من خلال الطلب منهم بغرور تقديم عروض مهينة من فروض الولاء والطاعة ” ص40-أمريكا بين الحق والباطل .
هكذا نستطيع أن نجد اتصالا بين مبدأ مونرو وسياسة بوش الابن ،وبين ولسون وسياسة ترامب . بين الهيمنة المؤسسية على العالم وبين الفرض غير المقيد بالاتفاقيات والمؤسسات الدولية .
لقد سبق لإدارة بوش الابن أن رفضت المعاهدات الدولية بشأن المراقبة على الأسلحة ،تماما كما صنع) ترامب) حين انقلب على الاتفاقيات الموقعة مع إيران بخصوص السلاح النووي التي وقعها (أوباما).
“عقيدة ترامب” جذورها عديدة ،منها ما قالته فيليس شلاي ،إحدى قادة اليمين المسيحي ،عام 1998م ” المعاهدات الكونية والمؤتمرات هي تهديد مباشر لكل مواطن أمريكي …يجب على مجلس الشيوخ رفض معاهدات الأمم المتحدة كلها …لا يمكن الوثوق بمعاهدات أو اتفاقيات تربطنا مع غير المؤمنين “ص50. المرجع السابق.و “غير المؤمنين” لا تشمل فقط الآسيويين بل والأوربيين ،فلقد قال أحد أعضاء الكونجرس قبل غزو العراق عن أوروبا ” لا يوجد مشترك بيننا ، حتى أنهم لا يذهبون إلى الكنيسة ” ووصف رامسفيلد وزير الدفاع في إدارة بوش الابن بأنها تعاني من أمراض الشيخوخة ” أوروبا العجوزة ” .
إن أمريكا ترامب كأمريكا بوش الابن تعاني من غرور القوة ،وتخلط بين القوة العظيمة والقوة المطلقة ،ولا تعترف بأي خطأ ،وتجادل بأمور تافهة ،لتؤكد فوزها وغلبتها ،وهذه أعراض أصابت أمما عظيمة في الماضي ،وأضعفتها ودمرت بعضها ،بحسب) أناتول ليفن) في كتابه آنف الذكر .