رغم الجهود الدولية ولاسيما من جانب البلدان المجاورة وحلفاء دمشق الهادفة إلى توفير ظروف مواتية لعودة المشردين واللاجئين ووضع حدّ لفترة طويلة من معاناة الشعب السوري، كرّست الحكومات الغربية وعلى رأسها أمريكا جهودها لتعقيد مسار عودة هؤلاء اللاجئين إلى الأحياء السكنية في بلادهم.
تعرضت سوريا منذ بداية العام 2011 لحرب غير متكافئة ودامية أشعلت نارها الغرب وعدد من الدول العربية في المنطقة في سياق مآربها الإقليمية، الحرب التي خلّفت حتى الآن عشرات آلاف القتلى والجرحى وملايين النازحين بين المواطنين السوريين.
وفي هذا الإطار تفيد تقارير وإحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة أن عدد النازحين في الداخل السوري يبلغ 6 ملايين و200 ألف شخص، فضلاً عمّا يقارب الـ 5 ملايين و600 ألف مشرّد سوري غادروا إلى بلدان مجاورة.
وتضيف المنظمة الأممية في تقريرها الصادر مؤخراً: إن 920 ألف مواطن سوري شرّدوا من منازلهم خلال الأشهر الأربعة الأولى للعام 2018، بما يشير إلى أكثر نسبة من النازحين على مرّ 7 أعوام من الحرب التي تعصف بسوريا اليوم.
إن موضوع اللاجئين السوريين، وعودتهم إلى أرض الوطن يزداد أهمية كلما اقتربت أزمة الجماعات الإرهابية الناشطة في هذا البلد من نهايتها، الأمر الذي يستوجب اتخاذ تدابير مناسبة لتيسير عودة هؤلاء المشردين إلى بلادهم.
وعلى غرار ذلك شكّل موضوع عودة اللاجئين أحد أهم القضايا المدرجة على سلّم أعمال مفاوضات أستانة واجتماع سوتشي حول التسوية في سوريا.
في سياق متصل، أعلنت السلطات السورية خلال الأيام الأخيرة عن مواقفها الإيجابية لحل قضية اللاجئين، وقررت على أساسه “تشكيل لجنة تنسيق للعمل على عودة اللاجئين الفارين من جحيم الحرب التي تمزّق البلاد منذ أكثر من سبع سنوات إلى ديارهم”، بحسب ما أعلنته وكالة “سانا” السورية الرسمية للأنباء.
وأوضح المصدر نفسه، أن هذه الخطوة جاءت عقب مشاورات جرت بين دمشق وبلدان رديفة بهذا الصدد، إلى جانب دعوة الرئيس السوري بشار الأسد السوريين في الخارج إلى العودة.
ونوهت “سانا” أيضاً إلى موافقة مجلس الوزراء السوري خلال جلسته (الأحد الماضي) على “إحداث هيئة تنسيق لعودة المهجرين في الخارج إلى مدنهم وقراهم التي هجّروا منها بفعل الإرهاب”، يرأسها وزير الإدارة المحلية والبيئة “حسين مخلوف”.
ومهام الهيئة في المرحلة المقبلة، بحسب سانا أيضاً، تكمن في تكثيف التواصل مع “الدول الصديقة” لتقديم جميع التسهيلات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعودة اللاجئين.
من جانب آخر، جاءت المبادرة الروسية لتشكيل “عمل مشترك وثيق” مع المؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة، لتدفع بعجلة إعادة اللاجئين السوريين نحو الأمام.
وأعلنت موسكو في هذا الإطار أن لديها صورة واضحة لمواعيد وقواعد عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، موضحة أنها “رتبت عملاً مشتركاً وثيقاً مع المؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة لتنفيذ هذه العملية”.
ونقل “موقع روسيا اليوم” الإخباري الالكتروني، عن رئيس المركز الوطني لإدارة الدفاع عن روسيا الاتحادية “اللواء ميخائيل ميزينتسيف”، قوله في جلسة لـ “مكتب التنسيق الخاص بملف إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم”، أنه “قد أسفر العمل السريع الذي قامت به البعثات الروسية في الدول الأجنبية والتابعة لوزارة الخارجية الروسية عن وجود فهم دقيق عندنا لمواقف جميع الدول وتشكّل الصورة الواضحة لمواعيد وقواعد إعادة اللاجئين السوريين إلى أماكن إقامتهم الدائمة”.
وأضاف ميزينتسيف: إنه تم ترتيب “عمل مشترك وثيق” مع المؤسسات الدولية على رأسها الأمم المتحدة، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للمنظمة العالمية في جنيف، وكذلك مركز المراقبة الأمريكي في عمان.
إلى ذلك، تتطلع الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين على أراضيها، بما فيها تركيا ولبنان ومصر والأردن إلى تراجع حدّة العنف وتوفر الظروف المواتية لعودة هؤلاء المشردين إلى بلادهم، بما يضمن لهذه الدول من جانب، التخلص من عبء الاستضافة والنفقات المترتبة عليها، ومن الجانب الآخر ضمان دورها ومساهمتها في مرحلة إعادة إعمار سوريا.
الغرب يعرقل الاستقرار في سوريا
لكن رغم جميع الجهود الدولية ولاسيما من جانب الدول الجارة والحليفة مع سوريا بهدف تيسير عودة اللاجئين والمشردين السوريين، هناك بلدان غربية وعلى رأسها أمريكا التي لا ترغب في استتباب الأمن والاستقرار على الصعيد السوري لكونه لا يخدم مصالح هذه الدول، وعليه فهي تدأب في عرقلة مسار تنفيذ البرامج والتدابير المحددة لعودة اللاجئين السوريين.
وفي هذا الإطار جاءت محاولات الإدارة الأمريكية ورفضها مواصلة التعاون لتضمن استمرار الحرب ونشاطات الجماعات الإرهابية المسلحة للإطاحة بحكومة الأسد.
وعلى صعيد متصل أيضاً، عقد الاتحاد الأوروبي خلال شهر أبريل / نيسان الماضي، مؤتمراً حول سوريا بمشاركة الأمم المتحدة حيث خرج المشاركون فيه ببيان ختامي أكدوا خلاله أن “ظروف عودة اللاجئين السوريين طوعاً لم تتوفر بعد”، يأتي ذلك وسط الهجمات العسكرية التي تشنها بلدان غربية بما فيها فرنسا وأمريكا وبريطانيا على سوريا لتشكل أحد أهم أسباب الفلتان الأمني والفوضى في هذا البلد.