ماذا عن مناورة إيران العسكرية … ولماذا الآن؟
هشام الهبيشان
تزامناً، مع إعلان الجيش والحرس الثوري الإيراني إطلاق مناورات واسعة في مياه “الخليج ” قبل أيام، لتتزامن مع مناورات شبه سنوية يجريها الجيش والحرسِ الثوري الإيراني، والتي يتم من خلالها، اختبارُ مدمرات وبوارج وغواصات حربية، وصواريخَ دقيقةٍ حديثةٍ إضافة إلى إجراء اختباراتٍ لطائراتٍ بلا طيار ومِروحيات.
وهنا يجب تأكيد أن هذه المناورة العسكرية “التي أجراها الجيش والحرس الثوري قبل ايام “،تأتي بالتزامن مع مسار ضغط سياسي وأمني كبير يخص علاقة إيران بالإدارة الأمريكية وببعض جيرانها الخليجيين بالتحديد، بالإضافة إلى مجموعة ظروف أخرى تعيشها المنطقة، وتهديدات إدارة ترامب وبعد خروجها من الاتفاق النووي مع إيران، ومحاولة الضغط عليها اقتصادياً وامنياً لاجبارها على تفاهمات جديدة بخصوص ملفها النووي، وتهديدات الكيان الصهيوني العسكرية المتكررة للدولة الايرانية، وفي ظل علاقة الدولة الإيرانية المتوترة مع بعض دول الخليج بهذه الفترة تحديداً، وتكرار حديث بعض دول الخليج عن ضرورة تشكيل حلف اقليمي – دولي موحد جزء من أهدافه كما تؤكد بعض الانظمة الخليجية التصدي للتمدد الايراني بالمنطقة.
من هنا يمكن قراءة أن هذه المناورة وكما وصفها، قائد سلاح البحر في الج?ش الإ?راني، حس?ن خانزادي”عندما قال : إن “مض?ق هرمز لن ?كون آمنا لأولئك الذ?ن ?ستخدمون أموال النفط المار من المض?ق لتهد?د أمن إ?ران”، ومن هنا يفهم أن هذه المناورة جاءت بهذه الفترة تحديداً لتحمل عدة رسائل خارجية وداخلية، فهذه المناورة وفق ما يصدر عن منظميها ابرزت حجم التطور الصناعي العسكري الايراني في مجال الردع، وقدرة الجيش الايراني الواسعة والمحكمة بالقيام بعمليات هجومية واسعة، ولتظهر تطور عمل وتقنيات السلاح العسكري البحري -الجوي -البري -الناري للجيش والحرس الثوري الإيراني، فكل هذه العوامل تدفع لقراءة أن مضامين الرسائل الايرانية من وراء هذه المناورة تحمل عدة أبعاد والمقصود بها عدة أطراف داخلية وخارجية اقليمية ودولية، وتحمل عدة رسائل رئيسية:
الأولى :هذه الرسائل التي تحملها المناورة العسكرية، هي موجهة إلى بعض أنظمة الحكم وتحديداً بعض دول الخليج بالإضافة الى الكيان الصهيوني “اسرائيل”، فهذه الأنظمة وتلك الكيانات التي تحيط بالدولة الإيرانية، والتي حاولت وما زالت تحاول بالفترة الأخيرة، أن تضغط على الدولة الإيرانية أقتصادياً وسياسياً وحتى أمنياً، من خلال تلويح هذه الدول بإنشاء حلف مشترك، وتهديد بعض الساسة الصهاينة بتنفيذ ضربات عسكرية صهيونية تستهدف قواعد المفاعلات النووية الايرانية، ومن هنا جاءت هذه المناورة العسكرية الايرانية لتثبت لهذه الدول أن إيران حاضرة وحاضرة بقوة في الأقليم ككل كقوة أقليمية، فقيامها بمناورات عسكرية كبيرة، واستخدام صنوف أسلحة متطورة، يعني أن الدولة الإيرانية ما زالت حاضرة وبقوة بالمشهد الاقليمي،وأنها قادرة على الرد على أي عمل عدواني من أي جهة كانت، فالواضح هنا ان هذه المناورة من خلال طريقة عملها اثبتت أن المناورة ذات طابع هجومي ردعي وليست ذات طابع دفاعي.
الثانية: هذه الرسائل، موجهة إلى كل دولة ونظام وهيئة دولية تحاول الضغط على الدولة الإيرانية من خلال محاولة اخضاعها لتفاهمات جديدة حول ملفها النووي، سواء أكان اقتصادياً أو سياسياً أو أمنياً، وبالخصوص هي موجهة إلى محور واشنطن، ومضمون هذه الرسالة أن الدولة الإيرانية لن ترضخ لأي املاءات تسعى ادارة ترامب لفرضها على إيران كثمن للاتفاق النووي، لا بل على العكس فالدولة الإيرانية ستستمر بمسار بناء وتطوير قدرات الدولة الايرانية بمختلف المجالات، ومن خلال قراءة مسار العمليات العسكرية للمناورة الأخيرة، يمكن القول إن الدولة الإيرانية قد أوصلت رسالتها لادارة ترامب ومضمونها أنه لايمكن لإيران أن تقدم أي تنازلات تخرج عن مصلحتها الوطنية العليا، وهي جاهزة لكل الخيارات، ومنها الخيار العسكري، فهي هنا أبرزت وستبرز بالقادم من الأيام حجم قدراتها القتالية والعسكرية، كدليل على أنها لن تقبل أن تقدم أي تنازلات عن مرتكزات سيادية وأمنية كثمن للاتفاق النووي .
الثالثة: هذه الرسائل وأهمها، هي موجهة إلى الداخل الايراني، فقد برز واضحاً أن الدولة الإيرانية قد بدأت فعلياً بترجمة واقعية لحديثها أنها لايعنيها بقاء أمريكا كشريك بالاتفاق النووي “فهذا قرار أمريكي وتتحمل إدارة ترامب تداعياته ونتائجه المنتظرة “،ولايعنيها كذلك التهديد والوعيد الأمريكي، وهي اليوم تسعى فعلياً لبناء استراتيجية اقتصادية وأمنية بناءة مع محاور عدة في العالم، لمواجهة أي ضغوطات أو مغامرات ستقدم عليها ادارة ترامب اتجاه إيران بالمرحلة المقبلة، ومن جهة أخرى، برز من خلال هذه المناورة العسكرية الأخيرة مدى تطور القوة العسكرية الإيرانية، ومن هنا وصلت الرسالة للشعب الايراني وجزء منه بعض الجماعات المعارضة بالداخل الايراني، ولبعض الأطراف التي راهنت على الشعب الايراني، ومضمونها أن الدولة الإيرانية ما زالت تتمتع بقوة كبيرة، وهي بحالة تتطور مستمر، وأن التهديد بالعقوبات الدولية مجدداً وحروب النفط لن تثني الدولة الايرانية عن استمرار مسيرة البناء والتطور العسكري بالداخل الايراني .
الرابعة: هذه الرسائل، موجهة إلى حلفاء الدولة الإيرانية، إقليمياً ودولياً،وإلى بعض فصائل وقوى المقاومة بلبنان وفلسطين، وإلى بعض القوى بالداخل اليمني، ومضمون هذه الرسالة هو أن إيران ما زالت تمتلك الكثير من أوراق القوة ولديها الكثير من الامكانيات والمقومات التي ستوفر لها ولحلفائها بالاقليم تحديداً نوعاً من التوازن العسكري والأمني،مع حلف آخر يسعى لاسقاط تحالف إيران الاقليمي والدولي.
ختاماً، إن مسار هذه المناورة العسكرية لإيران، يؤكد أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كانت طوال الفترة الماضية وإلى الآن قادرة على ردع أي خطر أقليمي أو دولي يتهدد اراضيها وشعبها، فهي اثبتت بهذه “المناورة ” بأنها مازالت قوة اقليمية كبرى، وأنها مازالت قادرة على الحفاظ على مصالح الشعب الايراني داخلياً، دون الارتهان لمسار الضغوط وبجهود وقدرات ذاتية، وأنها بذات الإطار قادرة وباستمرار على المحافظة على مكانتها الإقليمية والتصدي لكل من يحاول التعدي على هذه المكانة الاقليمية .
كاتب صحفي أردني