عواصم/ وكالات
إصدار جديد لحلف الشمال الأطلسي تحت مسمى “ناتو عربي” برعاية أمريكية من سيد البيت الأبيض دونالد ترامب انتقى فيه من يريد من العرب وعزل من يريد ليظهر على السطح فكرة “ناتو عربي” يضم كلّاً من الدول الخليجية ومصر والأردن، دون أن يعير أي أهمية لبقية الدول العربية، وهنا نتساءل بشكل طبيعي عن شرعية هذا الحلف الأمني السياسي الجديد وما دوره وإلى أي درجة يمكن تنفيذ فكرته على أرض الواقع، وماذا يريد ترامب منه؟!.
الغايات والأهداف
طرحنا السؤال الأخير لأنه من المسلمات أن قادة الدول المذكورة في الحلف لن يكون لهم أي دور فعال من حيث طرح الأفكار وابتكارها ولن يكونوا سوى بيادق فوق رقة شطرنج “البيت الأبيض” ولو كان الأمر بيد السعودية أو الإمارات مثلاً، هل سيقبلان بضم قطر إلى هذا الحلف؟!!!.
إذن الطباخ أمريكي وفاتورة مواد الطبخة سيدفع تكلفتها العرب والخليجيون تحديداً وهذه المرة ستكون مكلفة لكون ترامب أجّج الصراع في المنطقة الخليجية وذهب به إلى الذروة لإشعار الخليجيين بأن الخطر القادم من الشرق قوي جداً وخطير جداً ويجب التصدي له بجاهزية عالية، وهذا يقود بطبيعة الحال إلى صفقات أسلحة جديدة وعتاد ووسائل عسكرية بمليارات الدولارات، من يستطيع أن يقول للرئيس الأمريكي “لا”؟!.
أخبرهم ترامب سابقاً بأنهم لولا حمايته لن يبقوا أسبوعاً واحداً على كراسيهم، إذا يعرفون جيداً حجمهم وبالتالي لن يخاطروا ولن يفكروا أصلاً في رفض أي إملاءات تأتي من خلف المحيط الأطلسي.
هدف “الناتو العربي” التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة، بحسب مسؤولين أمريكيين، وقالت عدة مصادر إن إدارة ترامب تأمل في أن تتم مناقشة ذلك التحالف الذي أُطلق عليه مؤقتاً اسم “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” خلال قمة تقرر مبدئياً أن تعقد في واشنطن 12 و13 أكتوبر القادم، بحسب رويترز.
فكرة قديمة جديدة
إن فكرة تشكيل قوة عسكرية عربية تحت مسمى “الناتو العربي” وتكون مشابهة لحلف الشمال الأطلسي ليست بالأمر الجديد، فالمبدأ مطروح من قبل مصر وبالتحديد في يونيو عام 1988، إذ دعا حينها وزير الدفاع المصري محمد حسين طنطاوي إلى تشكيل منظمة عسكرية عربية لمواجهة تحديات العالم العربي في قمة عسكرية في القاهرة بمشاركة ممثلين من السعودية والأردن والإمارات والبحرين وباكستان.
في ذلك الوقت، لم تتم متابعة هذه الفكرة حتى وصلنا إلى عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي حثّ مع وصوله إلى الحكم الملك عبد الله الثاني في فبراير 2015 عندما قام بزيارة رسمية إلى العاصمة الأردنية “عمان”، لدعم تشكيل حلف شمال الأطلسي العربي، وكان من المفترض أن يشارك السيسي هذه المسألة مع ملك السعودية في مارس من ذلك العام.
وجاءت الفكرة المصرية على الشكل التالي: أن يتم تشكيل قوة عسكرية عربية قوامها 40000 جندي من الدول العربية الست ” مصر والأردن والسعودية والإمارات والمغرب والسودان”، باستثناء قطر لكن النزاعات في العالم العربي منعت ذلك.
الفكرة المصرية في ذلك الوقت كان لها مؤيدون في حكومة أمريكا بمن في ذلك الجنرال مايكل فلين، رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية، لكن اقتراح تشكيل الحلف ظل يراوح مكانه حتى وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى رأس السلطة في أمريكا، ليعود هذا الطرح ويتم تسخينه من قبل ترامب قبل زيارته إلى الرياض في مايو 2017.
وكانت صحيفة واشنطن بوست قد نقلت عن مسؤولين أمريكيين في ذلك الوقت قولهم إن ترامب سوف يقترح تشكيل حلف شمالي أطلسي “عربي” للحلفاء المسلمين السنة.
ولكن ذلك لم يتحقق أيضاً، بل على العكس شهدت منطقة الخليج أسوأ أزمة دبلوماسية وسياسية بين الدول الخليجية، في الأسبوعين التاليين لزيارة دونالد ترامب إلى الرياض، وشهدنا أصعب انقسام عربي، حيث شنت كل من (السعودية، مصر، الإمارات والبحرين) حملة مقاطعة ضد قطر، هذا في الواقع خلق شرخاً خطيراً في العالم العربي بأكمله، وقبل ذلك كانت هناك هذه الثغرات، ولكن هذه المرة أصبحت أعمق.
العوائق والتحديات
أولاً: هناك شرخ واضح بين دول مجلس التعاون، خاصةً بعد التطرف الذي شهده أعضاء المجلس من السعودية والإمارات تجاه بقية الأعضاء والذي ظهر جلياً في أزمة قطر وكاد أن يتكرر الأمر ذاته مع سلطنة عمان لولا حكمة السلطان قابوس، وبالتالي على ترامب أن يصلح ذات البين أولاً، ومن ثم يفكر في تشكيل تحالف جديد، ولكن لا يبدو أن الأمر كذلك وترامب لا يريد لهذه الدول أن تكون في حالة صلح دائم ليسهل السيطرة عليها ولمصادرة أموالها تحت ذريعة “الحماية”.
ثانياً: التحدي الآخر يتمثل بالتنافس المخفي بين الرياض والقاهرة حول زعامة العالم العربي، وقضايا مثل قيادة “الناتو العربي” ومقره، يمكن أن تؤدي إلى تفاقم هذه الخلافات والحساسيات، وبالتالي على ترامب أن يجد حلّاً لهذا التحدي.
ثالثاً: المشكلة الأخرى أن “الناتو العربي” تم التسويق له على أن الهدف الأساسي منه “مواجهة إيران” ومن غير المرجّح أن يكون هذا هو الهدف الوحيد، نعم .. هو أحد الأهداف الرئيسية، ولكن ليس كلها، تركيز وسائل الإعلام على هذا الهدف هو فقط من أجل التسويق وتغطية الأهداف الأخرى.
رابعاً: الأعضاء المحتملون في حلف الناتو لديهم علاقات مع تل أبيب بشكل أو بآخر، من بينها علاقات القاهرة الرسمية والواضحة، والباقي غير رسمي، ومن المرجّح أن يتم ربط فكرة “الناتو العربي” مع “صفقة القرن” وربما سيكون جزءاً أساسياً منها.
السبب في ذلك أن أمريكا عندما تطلق مبادرة في الشرق الأوسط يجب ألّا تتعارض مع أمن “إسرائيل” في المقام الأول، ويجب أن توفر الأمن والاستقرار لكيان الاحتلال.
ومن الأفضل تسمية هذا الهيكل العسكري المحتمل “الناتو العربي الإسرائيلي”، ومن المرجّح جداً أن يكون “الناتو العربي” بداية لدخول أمريكا حقبة جديدة من قيادة الأزمات في المنطقة وإشعالها عبر الوكلاء بدلاً من الحروب المباشرة المكلفة، خاصةً وأن شعار ترامب في حملته الانتخابية حمل عنوان “أمريكا أولاً”، وبالتالي عليه تخفيف الأعباء الاقتصادية والعسكرية، وتحميل الشركاء والحلفاء أكبر قدر ممكن من تلك الأعباء.
خامساً: إن مواجهة تركيا على المدى الطويل جزء من أهداف الناتو العربي، تركيا لديها أردوغان الذي لا يقبل بالإملاءات الأمريكية وهناك خلاف واضح مع واشنطن في العديد من الملفات، “الأكراد” أبرزها، وهناك خلاف مع الإمارات وغيرها من الدول وبالتالي لا مانع من التحريض ضد أردوغان من خلال هذا التحالف، خاصةً أن تركيا يمكنها اليوم المنافسة وبالتالي لابدّ من إيقافها.