عواصم/ وكالات
خلافاً لما تروّجه بعض وسائل الإعلام العربية حول مسألة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، تشير المعلومات والتحليلات إلى أن الكيان الصهيوني لا يزال يشكّل أكبر تهديد للأمة العربية والمنطقة، وأن أغلبية الناس في جميع الدول العربية ينظرون نظرة سلبية إلى ميل بعض حكوماتهم إلى تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.
وفي آخر استطلاع للرأي اعتبر 92% من الرأي العام في العالم العربي أن “إسرائيل” تشكّل تهديداً لأمن واستقرار المنطقة، فيما عارض فقط 3% هذه الفكرة، وتظهر هذه الإحصائيات زيادة مقارنة بنتائج عام 2016، حيث اعتبر 89% من العالم العربي أنها تشكّل خطراً للمنطقة من ذلك العام.
وأحدث مثال على البيانات المتاحة في هذا المجال هو تقرير المؤشر العربي 2017/2018 الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، والذي يهدف إلى الوقوف على اتجاهات الرأي العام العربي نحو مجموعةٍ من المواضيع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بما في ذلك اتجاهات الرأي العام نحو قضايا الديمقراطية، وقيم المواطنة والمساواة، والمشاركة المدنية والسياسية.
أولى المؤشر الاهتمام، كعادته، لمواقف الشارع العربي من القضية الفلسطينية، بل لنظرة العرب تجاه الكيان الإسرائيلي والاعتراف به أو التطبيع معه، وطرح المؤشر العربي عدة أسئلة على أعداد كبيرة من الشعب العربي، من بينها سؤال حول ما إذا كانت القضية الفلسطينية تشكل قضية لكل العرب أم إنها تعتبر قضية الفلسطينيين وحدهم؟، وما هي وجهة نظرهم حول المعاهدات الثلاثية الموقعة بين الطرفين العربي والإسرائيلي؟، وكذلك موقفهم من اعتراف بلادهم بـ “إسرائيل”.
وفيما يتعلق بنوع التعامل مع القضية الفلسطينية، فإن أغلبية المستجيبين (77%) اعتبروا أنها تخصّ جميع العرب، فيما اعتبر 15% من المستطلعين أن القضية الفلسطينية تخص الفلسطينيين وحدهم، وكان الجدير بالملاحظة في هذه القضية أن أعلى نسبة تصويت أتت من الأردن (90%) وتونس (89%) ومصر (85%) والسعودية (80%) ولبنان (80%) حيث أكدوا على أن القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب، وقد بلغت هذه النسبة على الأقل 64% في فلسطين نفسها، و67% في العراق و72% في السودان.
ومقارنة مع استطلاع عام 2016 في هذه القضية، أظهرت النتائج هذا العام زيادة ولكن لا تزال أقل مما كانت عليه في استطلاعات سابقة، حيث بلغت هذه النسبة 84% عام 2011 و2012/2013 وانخفضت إلى 77% في عام 2014، وبعد ذلك في عام 2015 و2016، وصلت إلى الحد الأدنى 75 %، وعادت لترتفع عام 2017 لتبلغ 77 %.
في المقابل، ازداد عدد الذين يعتقدون أن قضية فلسطين هي قضية الفلسطينيين أنفسهم، وكانت هذه النسبة حوالي 8 % و9 % في 2011 و2012/2013، وارتفعت إلى 14 % في عام 2014. وفي عام 2015 و2016، وصلت نسبة هؤلاء إلى ذروتها 18%، وفيما وصلت في العام الحالي إلى 15% تقريباً.
إن قمنا بمقارنة هذه النتائج بين عامي 2011 و2018 نلاحظ أن نسبة من ينظرون إلى القضية الفلسطينية كمسألة تخص كل العرب قد انخفضت في جميع البلدان، لكنها انخفضت بنسبة أكبر (27% ) عند الفلسطينيين أنفسهم. نقطة أخرى مثيرة للاهتمام هي الزيادة الكبيرة في هذه النسبة في كل من مصر والسعودية، ويمكن ربط هذا الأمر بسبب الدعايات الإعلامية والخطابات الدعاية إلى التطبيع مع العدو الإسرائيلي.
هل يقبل العرب أن تعترف بلدانهم بـ “إسرائيل”؟
إن الاعتراف بـ “إسرائيل” يواجه معارضة جادة وقوية في العالم العربي. حيث رفض 88 %من المستجيبين أن تعترف بلدانهم بـ “إسرائيل”، مقابل 8 % من المستجيبين أفادوا أنهم يقبلون اعتراف بلدانهم بـ “إسرائيل”. واشترط نصف الذين وافقوا على أن تعترف بلدانهم بالكيان أن يتم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة.
وكانت أعلى معدلات المعارضة للعلاقات مع الكيان الإسرائيلي في لبنان (97%) والأردن (94%) وتونس (93%)، فيما بلغت 91% في كل من فلسطين وموريتانيا، وهنا يجب تسليط الضوء على نقطتين مهمتين:
1-في البلدان الثلاثة التي وقّعت معاهدة السلام مع الكيان الإسرائيلي، وهي مصر والأردن وفلسطين، فإن الأغلبية المطلقة من الناس يعارضون تطبيع العلاقات مع تل أبيب، ففي الأردن، بلغت هذه النسبة 94% وفي فلسطين 91% وفي مصر تصل إلى 87%.
2-في السعودية، عارض 55% من المستجيبين اعتراف بلادهم بالكيان الإسرائيلي وتطبيع علاقاتهم معها، فيما وافق 9% منهم فقط على ذلك. وتجدر الإشارة هنا إلى أن 36% من المجيبين لم يجيبوا على هذا السؤال. كم أنه قد انخفضت نسبة المعارضين بحدود 30% فيما ارتفعت 2% نسبة الموافقين مقارنة مع العام الماضي.
ملخص نتائج التقرير
1-تظهر صورة الكيان الإسرائيلي في المجتمع العربي، زيف ادعاءات بعض الحكومات العربية من أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي عدو العرب الأول، كما تظهر أيضاً عدم قبول أغلبية الشعب العربي تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي.
2-يعكس الفرق في النتائج بين مختلف البلدان والتغير الملحوظ في النسب خلال فترات الاقتراع المختلفة حقيقة أن الرأي العام يتأثر بالدعاية التي يقوم بها هؤلاء المعارضون، ولكن هؤلاء يتأثرون أولاً وقبل كل شيء بالظروف المتغيرة والعلاقات والسلوكيات، وثانياً إن نسبة التأثر بهذه الادعاءات في مختلف المناطق التي لديهم نفوذ فيها ضئيلة وغير متساوية.
3-تعد ردود أفعال محور المقاومة على السلوك الإسرائيلي، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وصفقة القرن التي أعلنها ترامب، وعدم تفاعل السعودية الكبير مقابل هذه الإجراءات، هي فرصة جيدة من أجل زيادة التنسيق بين الشعوب العربية والإسلامية من أجل التوحّد وإيجاد استراتيجية موحدة للعمل ضد ما يقوم به الطرف الآخر.
4-يجب الاهتمام بمخاوف الرأي العام العربي من “إسرائيل” وعدم رضاهم عنها وعن المحور الذي يخطو بوضوح نحو تطبيع العلاقات عبر فرض معاهدات جديدة على الشعب الفلسطيني، ويتطلب ذلك العمل على الحد من النقاط المثيرة والدعاية التي يتبناها هؤلاء كـ ” نفوذ إيران ” لعدم استخدامها كمبرر لتصرفاتهم.