خليل المعلمي
لا تكاد تخلو منطقة من المناطق اليمنية إلا ولها بصماتها العلمية والأدبية والإنسانية، وقد انتشرت الحواضر اليمنية على مدى القرون السابقة في جميع المناطق اليمنية وكان لها أثر في ظهور الكثير من الشعراء والعلماء والنقاد في مجالات العلوم المختلفة مروراً بالقرن العشرين الميلادي وحتى وقتنا الحاضر.
وفي حضرموت انتشرت الكثير من المدارس العلمية التي عنت بعلوم الدين واللغة والفلسفة والنقد والتاريخ وغيرها من العلوم، فظهر العلماء والأدباء والشعراء والنقاد والمعلمون الذين انتشروا في بقاع عديدة.
وقد أصاب الدكتور أحمد هادي باحارثة عندما اختار أعمال الناقد والأديب محمد عبدالقادر بامطرف كموضوع لدراستها وتقديمها في رسالة لنيل درجة الماجستير من جامعة حضرموت في العام 2006م، وقد أصدر جزء من هذه الرسالة في كتاب حمل عنوان “محمد عبدالقادر بامطرف ناقداً أديباً” تناول فيه أدبه ونقده.
أحد أعلام الثقافة
الأديب محمد عبدالقادر بامطرف هو أحد أعلام الثقافة وقاماتها العالية في حضرموت، من مواليد العام 1915م بمدينة الشحر، يمتلك ذهنية جبارة تمكن بها من استيعاب أفكار عصره وهضمها وتمثلها في طرحه النقدي، ثم عرضها بأسلوب جمع بين وضوح العرض وعذوبة الصياغة، عرض المستوعب المتبني لما يسوقه من آراء والمتحمس لها، وليس عرض المقلد الحاكي أو المردد لأقوال غيره.
ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب: بالنسبة لنقد بامطرف المختص بالشعر الحميني بحضرموت فهو موجود بين أيدي القراء عبر مؤلفاته المطبوعة عن أعلامه وقضاياه وأوزانه، أما نقده الموجه للأدب الفصيح شعراً ونثراً فهو منشور في أوراق الصحف في حضرموت وعدن ومخبوء بين طيات صفحاتها، وقد اجتهدت في تتبعها وتلمسها من مظانها في المكتبات من عامة أو خاصة، حتى اجتمع منها طائفة أجلت الوجهة النقدية لبامطرف فكانت هي بالأساس محور هذه الدراسة دون نقده للشعر الحميني.
ويضيف: أن الصحف التي اشتملت على مقالاته النقدية هي فتاة الجزيرة والجنوب العربي العدنيتين في الاربعينيات والخمسينيات، والطليعة والرائد الحضرميتين في الستينيات، وتلك المقالات منها ما عرض فيه قضايا نقدية أو نقداً تطبيقياً لنصوص بعينها، ومنها ما هو مساجلات نقدية بينه وبين بعض نظرائه من النقاد الحضارمة.
نقد الشعر
وقد احتوى الكتاب على ثلاث فصول، حمل الفصل الأول عنوان “نقد الشعر عند بامطرف” ويتكون من أربعة مباحث تناول في المبحث الأول قضايا نقد الشعر التي عرض لها بامطرف وهي مفهوم كل من: الشعر، الوزن، اللفظ، المعنى، الصورة الشعرية، وظيفة الشعر ثم الشاعر والخلود.
ويقول المؤلف: لم يعتن بامطرف بجمع آرائه ونظراته النقدية حول الشعر في كتاب يلم شتاتها وينظم عقدها، وإنما أتت منثورة ومتفرقة في عدد من الصحف في أثناء كتابات نقدية لبعض قصائد، وفي كتب تناول فيهما الشعر العامي وبعض شعرائه بحضرموت، فضلاً عن بعض آراء متفرقة في كتابات مخطوطة له.
ويضيف: لم يكن بامطرف من شعراء اللغة الفصحى، ولم ينشئ بها أيا من قصائده حسب اعترافه، وإنما هو شاعر عامي جميع شعره باللهجة العامية، ومن ثم فقد عني به وأقبل عليه نقداً لمعناه ومبناه وأعلامه، وله في الشعر العامي نظماً ونقدا دواوين وكتب ما بين مطبوع ومخطوط ومفقود، مؤكداً أنه كثيراً ما يداخل بين النقدين فيقارن ويوازي بين القصائد الفصيحة والعامية، وقد يفضل قصيدة عامية على أخرى فصيحة.
ونوه إلى أن بامطرف يعترف بأنه من أنصار اللغة العربية الفصحى، وأنها يجب أن تكون وعاء الأدب ووسيلته، ويرى أنه مع انتشار التعليم في الأقطار العربية فإن المستقبل للفصحى.
وتطرق المؤلف في المبحث الثاني إلى نقد الأديب بامطرف للواقع الأدبي فيقول: حينما تحدث بامطرف عن حال الواقع الأدبي بحضرموت عرض الموضوع بنظرة شاملة وصريحة، آخذا في اعتباره الظروف الموضوعية المتعلقة بواقع حضرموت سياسياً واجتماعياً، والظروف الذاتية المتعلقة بالأدباء أنفسهم.
ويضيف: وكان بامطرف قد صدّر حديثه عن الواقع الأدبي بحضرموت في إحدى مقالاته بحكم قاسٍ، هذا الحكم ينص على إننا فقراء في الأدب الحي، أو أننا على أحسن تقدير غير قادرين على أن نسهم فيه بنصيب يذكر، والأدب الحي عنده هو الذي يعبر عن معنى الحياة الكريمة وتوجيه للنفس البشرية إلى الخلال المؤدية إلى الخير والسمو والحرية الإنساني.
وتناول في المبحث الثالث نقد بامطرف لأعلام أدبية حضرمية وأخرى عربية وأجنبية وهم عبدالصمد بن عبدالله باكثير، أبوبكر بن شهاب، صالح بن علي الحامد، حسين محمد البار، أبو الطيب المتنبي، وأخيراً وليم شكسبير الذي نقد بامطرف مسرحه الشعري.
فيما حدد المؤلف في المبحث الرابع ملامح نقد بامطرف للشعر وهي المتمثلة في تأثره بالنقد العربي القديم والنزعة العقلية في نقده وموقفه من شعر التفعيلة، وذلك من خلال أخذه لأسس النقدية نظرياً وتطبيقياً بالآراء والمفاهيم النقدية المعروفة والمتداولة عند قدماء العرب، حتى أنه وضع للمصطلحات النقدية الحديثة مفاهيم قديمة، ويفسر ذلك قوله السابق بأن الاختلاف بين قدماء النقاد ومحدثيهم إنما هو في المسميات وأساليب العرض فقط فالقوم يتساوون عنده، فكل ما فعله المحدثون أنهم إنما بدلوا في الأسماء وفي أسلوب عرض المفهوم والتعبير عنه بلغة عصرية.
نقد النثر
أما الفصل الثاني فقد عنونه المؤلف بـ”نقد النثر عند بامطرف” ووزعه إلى ثلاثة مباحث حسب الأجناس النثرية التي تناولها بامطرف بالنقد، فعن القصة يرى بامطرف أنها مظهر إنساني، تمثل روعة الأدب وعمق الفلسفة وأصالة الحكمة وهداية الموعظة، وعدد فوائدها المزدوجة للكاتب والقارئ.
وعن المسرحية التي صار يغلب عليها الجانب النثري، فقد تعرض لتاريخها وأنواعها وعناصرها وبعض أبرز أعلامها، كما أعطى نبذة موجزة عن التاريخ القديمة لظهور المسرحية عند اليونان وحاول أن يبين مراد بعض الشعوب وفلسفتها في اختيار مواضيع المسرحية ومن هؤلاء الإغريق الذين اهتموا بهذا الفن الرائع.
أما نقد المقالة عند الأديب بامطرف فيشير المؤلف إلى أنه ارتبط حديثه بالصحافة والكتابة لها وما ينبغي أن تكون عليه المقالة الصحفية، فها هو يعبر عن نظرته نحو الصحافة وما يمثلها كتابها قائلاً: إن الصحافة سلاح ذو حدين يستعمله المصلح لغايات شريفة يروم تحقيقها، كما أنها سلاح هدم في يد ذوي الأغراض الدنيئة والآراء الهدامة، وبقدر ما الصحافة صوت حق في خدمة الأهداف القومية والعلاقات الدولية والسلام العالمي فإنها تهبط إلى مستوى التضليل والغواية حينما تجنح إلى تملق أولي الشوكة والتستر على عيوبهم، وأن على الصحفي التزام المصداقية فيما يكتب مع عدم الاخلال بفنية العرض والتشويق الذي لا يؤدي إلى زخرفة المغالطات، وأن المقالة الصحفية الجيدة لا تختلق الأحداث ولكنها تعرضها بطريقتها الفنية الخاصة.
معارك بامطرف النقدية
أما الفصل الثالث فقد حمل عنوان “معارك بامطرف النقدية” وتطرق فيه إلى ثلاث معارك أو خصومات أدبية نقدية دارت في بعض الصحف في عدن وحضرموت وتم توزيع هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث، لكل معركة مبحث يخصها، الأول عن معركة الاستجواب الأدبي في صحيفة فتاة الجزيرة العدنية، أما الثاني فتناول معركة قصيدة حسين البار الرثائية التي نشرت خلال عشرين عدداً من صحيفة الطليعة الحضرمية بداية الستينيات.
وتحدث في المبحث الثالث عن معركة غسقية الألوان وهو عنوان قصيدة للشاعر عبدالله باسودان نشرها بمقدمة تكشف عن نهجها الجديد الذي مثل تحدياً للمزاج النقدي لبامطرف فكانت المساجلة النقدية بين الناقد والشاعر في صحيفة الرائد الحضرمية.
ويأمل الباحث من خلال هذا أن يكون قد أسهم في إبراز جانباً مضيئاً من حركة الأدب والنقد في حضرموت يضيء حياتنا الثقافية المعاصرة من أجل التمكن من اتمام المسيرة نحو سبيل نقدي وأدبي ناضج ومتألق، كما يأمل أن يعتبر هذا العمل خطوة في التاريخ الأدبي والنقدي لأعلامنا الحضارمة واليمنيين لإبراز مكانتهم في الحركة الأدبية والنقدية العامة في اليمن والوطن العربي عموماً.