القرصنة الأمريكية الصهيونية 1-2
محمد ناجي احمد
يروي القديس أغسطين حكاية قرصان وقع بين يدي الاسكندر العظيم ،وحين سأله الاسكندر : كيف تجرؤ على ممارسة المضايقات في البحر ؟ أجاب القرصان : كيف تجرؤ على مضايقة العالم بأسره ؟
لأنني أفعلها بسفينة صغيرة ،يقال بأنني لص ،وحين تفعلها بأسطول كبير يقال بأنك إمبراطور !
هذه هي حكاية الولايات المتحدة الأمريكية كما يرويها لنا المفكر وعالم اللغة(ناعوم تشومسكي ) في كتابه ( قراصنة وأباطرة ).بترجمة محمود برهوم –المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1991م.
تمارس الولايات المتحدة الأمريكية إرهابا دوليا ،وتدعي أنها تحارب إرهابا صغيرا هنا أو هناك ،هو من صنعها وذرائعها للسيطرة والتدمير ،كما هو حالها مع إرهاب القاعدة وداعش !
يتم عمل أحلاف دولية لمحاربة إرهاب جزئي ،وهي في حقيقتها تحالف مع الإرهاب الإمبراطوري الأمريكي .
يدعم الإرهاب الإمبراطوري الأمريكي كيانا إرهابيا ،هو الكيان الصهيوني ،ويقف بخططه من أجل تفكيك العالم العربي ،وجعله شعوبا محتربة مذهبيا وطائفيا ،وينتصر لمشروع ” الشرق الأوسط الكبير ” الذي بشر به شمعون بيريز رئيس وزراء إسرائيل السابق ،في كتاب له نشر بذات العنوان بداية تسعينيات القرن العشرين . وهو شرق يضم حسب طموحاته كلاً من إسرائيل والدول العربية وإيران وتركيا . وفي ذات الوقت يقف هذا الكيان مصرحا ضد أي شكل من أشكال الوحدة العربية . فلقد ” صرح شمعون بيريز أن كل وحدة عربية هي معادية لإسرائيل ،لقد عارض الكيان الصهيوني قيام الجمهورية العربية المتحدة ،ورحب بانفصالها ،ووقف ضد جميع أشكال التعاون العربي ،فعارض مجلس التعاون العربي بين العراق ومصر والأردن واليمن في 16/2/1989م،وعارض اتحاد المغرب العربي ،وعارض الوحدة بين شطري اليمن في 30/11/1989م . وكبديل لمشروع الوحدة العربية كانت إسرائيل سباقة في تقديم مشروع الشرق الأوسط” ص32-مشروع الوحدة العربية –ما العمل –د/سعدون حمادي –مركز دراسات الوحدة العربية 2006م.
وأصبحت السياسة التقليدية للاستعمار الغربي (فرق تسد ) هي المبدأ الذي تسير عليه الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني .
يقول غابريل بيو ،المفوض السامي الفرنسي في بيروت ،في مذكراته ” لقد تشبعنا من خلال تربيتنا بمبدأ (فرق تسد ) أن تقسيم الطوائف والتنافس على المصالح الشخصية يبدوان للفرنسي العادي فرصة ثمينة لحكم البلاد بسهولة ويسر . كان كثيرون من معاونيّ والعسكريون منهم بخاصة يعتقدون في ذلك ،وكنت أعرف منهم المكيافيلي الذي لا يتورع عن إذكاء نار الفتنة والأحقاد بين الأقليات ” ص36- المرجع السابق .
تنكث الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالمعاهدات متى ما وجدتا أن هذه المعاهدات والاتفاقيات تقيد مصالحهما وأهدافهما التوسعية.
فالولايات المتحدة الأمريكية تلغي معاهدة السلام المتعلقة بفيتنام (معاهدة سلام باريس 1973م) وترفض الالتزام بها “فالحقيقة أن الولايات المتحدة أعلنت على الفور أنها سترفض كل بند في قطعة الورق التي اضطرت إلى التوقيع عليها ،ومضت في فعل ذلك ،بينما تقبلت وسائل الإعلام بطريقة تجاوزت كل المعايير رواية الولايات المتحدة للمعاهدة ” التي انتهكت كل عنصر رئيسي فيها بشكل جعل الانتهاكات الأمريكية “تتفق ” مع المعاهدة ،بينما صورت وسائل الإعلام ردة الفعل الشيوعية لهذه الانتهاكات بأنها خيانة “ص114-قراصنة وأباطرة .
وتستمر الولايات المتحدة على ذات النهج بنقض وإلغاء الرئيس ترامب للاتفاق النووي الموقع مع إيران ،ويتم تصوير إيران إعلاميا بأنها الطرف الذي ينتهك ويخون المعاهدات !
كانت الولايات المتحدة الأمريكية وهي تواجه ما سمته إدارة ريغان (إمبراطورية الشر) أي الاتحاد السوفيتي سابقا ،توجه إرهابها لدول صغيرة كليبيا أو نيكاراجوا أو فلاحي السلفادور فهذه أهداف سهلة ،وها هي اليوم تحاصر وتحارب إيران اقتصاديا لكنها تشن حروبها ضد دول صغيرة مثل سوريا ولبنان واليمن !
توقع أمريكا وإسرائيل الاتفاقيات ثم تنقضها ،وعلينا في كل مرة أن نقبل الاتفاقيات ونقبل نقضهما لها ،لكننا لا نرفض ،ولا نملك الشجاعة لرفض الإملاءات . هذا هو حال السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ،ومملكة الأردن في الضفة الشرقية ،والتي يراد لها أن تكون وطنا بديلا وحلا لمشكلة العودة ،بما يتعارض مع الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل معها !
يقول توماس فريدمان مراسل التايمز ” إن المتطرفين هم الفضل في استخدام وسائل الإعلام . وهو مصيب تماما في ذلك ،فقد أظهرت إسرائيل والولايات المتحدة تفوقا لا يضاهى في هذا الفن . مثلما تشير مقالاته وتقاريره الإخبارية –التي تجعل البعض يتساءلون لماذا لا يسمى مراسل ” إسرائيل تايمز ” ” ص29-المرجع السابق.
فمراسل النيويورك تايمز ،توماس فريدمان يصف الهجمات التي تشنها المقاومة الوطنية في جنوب لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي في بداية الثمانينات بأنها “عمليات قصف إرهابية ” و “إرهاب انتحاري ” وغزو إسرائيل للبنان عام 1982م تم من أجل حماية السكان المدنيين في إسرائيل من المسلحين الفلسطينيين . ص72-المرجع السابق.
لن تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية عما سماه كسينجر “خلق المآزق” طالما لم تسق كل الأنظمة العربية وشعوبها للتخلي عن فلسطين .
وما تمثله إيران هو الخطر الذي يسمونها “تهديد المثال الجيد “في المنطقة ،في ما يتعلق بموقفها الداعم لتحرير فلسطين،وموقفها السيادي على أرضها وثرواتها ،وفي ما يخص تجربتها الانتخابية التي تعبر عن أصوات غالبية إرادة الإيرانيين ،وهو ما تفتقده دول الجوار الخليجية ،فلا سيادة لها ولا إرادة شعبية ،وتنهج موقفا مطبعا مع الكيان الصهيوني ، وتعتمد على أمريكا وبريطانيا كمافيا إمبراطورية لحمايتها !