يحيى الشامي
قبل أن تُقرّر قيادة العدوان في قانية اقتحام السوق وتفجير الأوضاع في المنطقة الآمنة والمؤمَّـنـة منذ بداية العدوان ، كان عليها -أولاً- أن تُخاطر بانتهاك المنظومة الأخلاقية الحاكمة للقبيلة (العُرفُ القبلي) ، وهي خطوة تتجاوز بخطورتها وتداعياتها الآثار المترتبة من تفجير الوضع عسكرياً إلى التعدي على الموروث الأخلاقي للقبيلة اليمنية.
القاعدة وداعش شركاء العدوان
قبل الدخول في تفاصيل المستجدات وحيثيات انفجار الوضع في قانية ننوه إلى أن الملموس في جبهات البيضاء أنها أكثر نقاط المواجهات تواجداً لعناصر القاعدة وداعش، التنظيمان التكفيريان المعروفان بقتالهما في صفوف العدوان والمنضويان تحت مسمى الجيش الوطني، ويحظى التنظيمان بدعم وإسناد واضح من قبل دول العدوان التي تخصص له عتاداً عسكريا ضخما ومتطوراً، بالإضافة إلى انفراده بمناطق واسعة يخضعها لسيطرته الكاملة مقابل قتاله قواتنا في الجيش واللجان الشعبية ، واللافت في هذا الخصوص هو أسلوب التعامل الرسمي الندَّي الذي يضبط العلاقة بين قيادة تحالف العدوان من جهة وتنظيمي القاعدة وداعش، ويصل هذا التنسيق والتبني أعلى مستوياته بتسخير سلاح الجو التابع للعدوان لتغطية وإسناد زحوفات ومعارك داعش والقاعدة ضد الجيش واللجان الشعبية في صورة نادرة من صور الإرهاب الدولي ، ويحاول العدوان جاهدا في هذه البيضاء إعادة داعش إلى تلك المناطق التي كانت قواتنا في الجيش واللجان الشعبية قد أخرجته منها إبان مواجهات العام 2014م حيث كان التنظيمان يحظيان بنفس واسع مكنهما من إقامة دولتيهما وفق نظام الولايات التي تتبع الدولة المركزية التي يتزعمها البغدادي /داعش والظواهري /القاعدة، ولعل الكثير يتذكرون مخازن المتفجرات والأحزمة الناسفة التي عثرت عليها اللجان الشعبية في منطقتي “المناسح” و”خبزة” في قيفة رداع والتي كان داعش قد أطلق عليها “ولاية رداع”.
وبالإضافة إلى انفراد التنظيمين بجهات ومناطق كاملة يتواجد مقاتلون لهم في صفوف مرتزقة حزب الإصلاح وبقية المنافقين المقاتلين في صفوف العدوان ضد قوات الجيش واللجان الشعبية كما هو الحال في جبهة قانية.
اتفاق “قانية”.. جدارة حكم القبيلة
ظلت قانية خلال أكثر من ثلاثة أعوام بعيدة عن المواجهات محكومة باتفاق قبلي نجح في تأمينها وإبعاد نيران المعارك عنها، باعتبارها سبيلاً عاماً ومنفعة يستفيد منها اليمنيون سواء من سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة الغزاة والمحتلّين، أو من سكان المناطق التي تُديرها حكومة الإنقاذ الوطني ، استمرّت قانية هكذا لثلاث سنوات وأكثر وهو الوضع الذي تماشى معه الجيش واللجان الشعبية بل وقدّموا للقبائل فيها كل الدعم في حدود ما يضمن إنجاح الاتفاق والحفاظ على تأمين المنطقة تاركين للقبيلة – خاصة مراد ذات التواجد الأكثر في المنطقة الحدودية بين البيضاء ومارب- حرية التصرف عسكريّاً وأمنياً في حدود إنجاح الاتفاق وملتزمين بكل ما يطلبُهُ أعيان القبيلة رعاة الصلح، وفجأة في مطلع شهر شعبان الماضي قام قادة منافقون بوضع أعيان قانية بين خيارين ترغيب وترهيب، ونجحوا- بعد جهود كبيرة بدعم من قيادة العدوان في السعودية والإمارات أو على الأرجح بطلب منهم – في اختراق جبهة القبيلة وشق صفّها وإجبارهم في الحد الأدنى من التزام الصمت والحياد وبالتالي التنصّل من الاتفاق الذي قدّم دليلاً قويّاً على قُدرة القبيلة على الحفاظ وتأمين مصالح اليمنيين في لحظة احتدام المواجهات في عشرات الجبهات، الأخبار المنقولة من سكان قانية أشارت إلى تعرّض مشايخ المنطقة لضغوط كبيرة من قبل قادة عسكريين في صفوف العدوان لتسهيل دخول الأخير إلى المنطقة والسيطرة عليه ، مؤكدة أن الضغوطات بلغت حد التهديد باستهداف المنازل من قبل الطيران، وفي لقاء المسيرة مع الشيخ اللواء صالح الوهبي أكد بذله جهوداً كبيرة في محاولة لوقف انهيار اتفاق قانية وإجرائه عشرات الاتصالات مع مشايخ قانية، غير أن الوضع حد وصفه خرج عن سيطرة الأخيرين وأصبح مطلباً يُصرُّ عليه تحالف العدوان ، معتبراً أن هذا لا يُعفيهم عن الالتزام بالاتفاق وتجنيب المنطقة الصراع الذي قد يُهدد انقطاع الخط الدولي الرئيسي الرابط بين صنعاء ومارب، وعدة محافظات أخرى، وبالتالي تضرّر آلاف اليمنيين وانقطاع سبلهم وتوقف مصالحهم ومفاقمة الوضع السيئ أصلاً.
لم تُفلح محاولات التهدئة ومضى منافقو العدوان في تفجير الوضع على حين غرّة ، من جانبهم حاول مجاهدو الجيش واللجان الشعبية إفساح المجال لأعيان القبيلة ووجهائها لأخذ دورهم ووقف التداعي، مكتفية بتشكيل خطوط دفاعية للحد من توسعهم، فيما استغل المنافقون محاولات الجيش واللجان الشعبية تجنيب السوق والممر الدولي المواجهات للتوسع أكثر وإحداث مزيد من الاختراقات.
بني وهب تحذر من مغبة الخرق
قبيلة بني وهب إحدى قبائل مراد القاطنة جغرافياً في النطاق الإداري لمحافظة البيضاء رفضت كل الإغراءات ولم تنصع للتهديدات وقامت بإسناد من الجيش واللجان الشعبية بتأمين محيطها، وهو الموقف الذي أعلنت القبيلة في إحدى وقفاتها المسلحة أنه الطبيعي والواجب بعد أن أسقط العدوان ومرتزقته اتفاق قانية، معلنة استحالة أن تتجوّل مناطقهم إلى ممر للغزاة والمحتلين أو تصبح ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتهم، محذرة في الوقت ذاته من أن تنساق القبائل في تلك المناطق إلى مخططات العدوان الهادفة لإشعال حرب أهلية بين القبائل، بعد تمكنها من القضاء على اتفاق قانية في خرق قبلي يمثل سابقة في تاريخ القبيلة اليمنية ويُعرف بـ ” العيب الأسود”.
الزحف المنهك وخباياه
في زحوفاتهم على قانية يُحاول المنافقون تحقيق خرق ميداني يُلبي ضغوطات قيادة العدوان التي تسعى لاستغلال ما تظنه انشغال الجيش واللجان الشعبية في معارك الساحل الغربي خاصة إذا ما تبين أن من يقود المعارك في البيضاء هو حزب الإصلاح إلى جانب مقاتلي القاعدة و داعش، في غضون الفترة التي احتدمت فيها المواجهات حاول مجاهدو الجيش واللجان الشعبية تجنب الطريق الدولي قدر الإمكان والسوق، في مقابل إمعان الطرف الآخر في التمترس على الطريق ومباني القرية والسوق دون أي اكتراث لأرواح السكان والمسافرين.
ويلاحظ في مسار الزحوفات العسكرية التي يشنها المنافقون حالة إرباك كبير تعتري قواتهم بالإضافة إلى الصعوبة المتعلّقة بتوفير المقاتلين المرتزقة، وهو الأمر الذي يُعد فيصلاً لديهم حيث أن أي عملية هجومية يشنها المنافقون تستهلك مئات المرتزقة وهي الاستراتيجية الهجومية التي يعتمدها المنافقون في حروبهم ضد الجيش واللجان الشعبية، وتؤكد أرقام قتلى المرتزقة ومعدلات خسائرهم البشرية في جبهة قانية هذه الحقيقة التي يتهرّبُ منها إعلام العدوان إلى افتعال بروباغندا مضادة تتحدث عن تقدمات وانتصارات مزيّفة للتخفيف من وطأة الخسائر البشرية المهولة، كما أن نظرة في لوائح القتلى وأسمائهم وأوزانهم تبيّن حجم الإنهاك القاتل الذي يتعرّض له المنافقون ويطال كبار قاداتهم ونخبهم العسكرية.