إغلاق هرمز
فهمي اليوسفي
تتصاعد المعركة الإعلامية بين طهران من جهة وواشنطن والرياض من جهة أخرى على ذمة قضية النفط وفقا لما تروجه القنوات الإمبريالية والرجعية.
استفزاز ترامب لإيران بشطحاته الخارجة عن الآداب والقيم الدولية هي في حقيقة الأمر تحمل طابعاً استهدافياً لاقتصاديات العديد من الدول النفطية المضادة للسياسة الأمريكية وإسرائيل، منها دولة إيران الإسلامية.
تلك التهديدات وَلدّت موقفاً مضاداً من قبل إيران التي بدورها أعلنت التحدي والتصدي، وهددت بصريح العبارة بإغلاق مضيق هرمز، وهذا حق مشروع لمواجهة الغطرسة الأمريكية.
هذه المعركة الإعلامية تتزامن مع برنامج إسرائيل في عملية الإعداد والتحضير لشق قناة بديلة أو موازية لقناة السويس وبموافقة “سي سي” مصر الذي يشعر أن الأمريكان هم من أوصلوه لكرسي العرش والذي لم يكن حباً في “السي سي” أو بمصر بل لانتزاع جزيرتي تيران وصنافير لإسرائيل بغطاء سعودي وقد يكون ذلك جزءاً من التمهيد لنقل ملكية الجزيرتين لإسرائيل مقابل ضمان حكم “سي سي” مع تحنيط نظام الحكم السعودي حصرياً على عائلة سلمان.
المشاريع التوسعية لإسرائيل متعددة في المنطقة منها المتعلقة بطموحاتها إلى شق قناة من إيلات مرتبط بتلك الجزر، ويعد ضمن المشاريع قيد الإعداد والتحضير وظل قائما لأكثر من نصف قرن بعد أن تعثر تنفيذه خلال الفترة الماضية لعدة أسباب منها وجود توازن دولي بتلك الفترة بين الروس والغرب خلال الحرب الباردة.
تنظر إسرائيل أن الإسراع بنقل هذا المشروع إلى حيز التنفيذ أصبح أمراً بالغ الأهمية طالما ودول المنطقة منهكة بصرعات داخلية ويتطلب من وجهة نظر صهيونية الاستمرار باستحداث قضايا بالكم تضخها لدول الشرق الأوسط تحاشياً لأي ردود فعل مضادة تجاه هذا المشروع منها إيران واليمن، وبحيث لا يتكرر ما حدث عام 73م عندما تم إغلاق مضيق المندب في وجه البوارج الإسرائيلية من قبل اليمن الجنوبي وإثيوبيا والصومال ومصر بعد أن اشترك الملك فيصل بقطع النفط على الغرب ويُعد أفضل موقف لفيصل ابن عبدالعزيز ولم يحدث مثل هذا الموقف من ملوك آل سعود قبل وبعد اغتياله، توجت المعركة بانسحاب إسرائيل من تلك الجزر بعد أن كانت مغتصبة من عام 67م.
على ضوئه مارس اللوبي الصهيوني أعمالاً انتقامية ضد العديد من دول وشعوب المنطقة التي وقفت ضدها في 73م ولم تسلم حتى التيارات غير المتصهينة من صلف وحقد اليهود وكيان سعود بل نالت ما نالت .
….. نموذج لمشاريع انتقامية لإسرائيل ضد دول وشعوب دول المنطقة……
هندسة تصفية الملك فيصل وتغذية الصراعات السياسية في الجنوب اليمني منها أحداث 13 يناير 86م والتنكيل بقوى يسارية بالسعودية من ضمن عناصرها الشهيد المناضل ناصر السعيد عام 79م.
تمكنت من استهداف السودان والتيارات السياسية السودانية على رأسها قوى اليسار من خلال دعمها لانقلاب البشير واغتصاب السلطة ومن ثم تشطيره إلى كيانيين ولا يزال مرشحاً لمزيد من الفوضى وعاملا لتقسيم المقسم.
– تمكنت من تصفية حساباتها مع اثيوبيا بدءاً من استهداف النظام الشوعي وتشطيرها إلى دولتين ولا يزال برنامج الفوضى والتقسيم يقول “هل من مزيد”.
– انتقلت للصومال وأطاحت بمحمد سياد بري ونكلت بقوى اليسار وحولت ذاك البلد إلى فوضى وإرهاب ولم يشهد أي استقرار حتى اليوم بل صنعت نظاماً مؤمركاً حتى النخاع، ومتسعوداً حتى النخاع يدار بالريمونت كنترول من غرف مشتركة سعودية امريكية .
– أقحمت العراق بحرب مع إيران لمدة 8 سنوات ثم أطاحت بحليفها صدام وأوصلت أرض الرافدين إلى هذا المنعطف البالغ الخطورة والتعقيد ولا يزال مشروع الاستهداف قائماً وتفوح رائحته بين الحين والآخر بدخول تركيا في استخدام سلاح الماء (دجلة والفرات)، أو من خلال كردستان العراق، فضلاً عن تطعيمه بدواعش من مختلف أنحاء العالم خلال الأعوام المنصرمة.
تمكنت من تدمير سوريا ولا يزال البرنامج الاستهدافي مستمراً من خلال “الربيع العبري”.
– دمرت ليبيا ولا يزال نزيفها مستمراً بعد أن بسط الأمريكان على نفط ليبيا، وأصبح محرماً على أي مواطن ليبي الاقتراب من النفط.
– تسوق وتحرش بحزب الله بشكل دائم باعتبار نشاطه ووجوده في المنطقة عظماً بحنجرة إسرائيل.
– مارست وتمارس كل الضغوطات على إيران تارة باسم البرنامج النووي، وتارة بكيل اتهامات وهمية بأنها تدعم أنصار الله.
أما اليمن بصماتها شاهدة عيان فحدث ولا حرج، بل لا يزال يدفع الفاتورة حتى هذه اللحظات.
تمكنت من صناعة أنظمة متصهينة في المنطقة إضافة للسابقة وتحمل ماركة صهيونية فضلا على تغذية ودعم التيارات التكفيرية وأحزاب مؤمركة، واختراق أحزاب اليسار و…إلخ، وتقف اليوم تستهدف القوى المناهضة للعدوان على رأسها أنصار الله.
اليوم أصبح عليها جزء من المهام لبرنامج التنفيذ كما هو الحال نظام مصر والسعودية مع الإمارات مع مواصلة الزج باليمن في إطار هذا البرنامج من خلال النظام الذي صنعته مع بقية ألوان الطيف السياسي المساند للعدوان.
كل ذلك جعلها تضخ قضايا بالكم لدول وشعوب المنطقة تكفل إبقاءها منهكة مشلولة ومشغولة بقضايا داخلية بحيث لا تنظر لما هو أخطر وتحديدا التي تتولى تنفيذه أمريكا وإسرائيل بالتعاون مع دول الغرب وبجانبها الإمارات والسعودية، إضافة لمصر والسودان والهدف وضع حجر الأساس لشق قناة لإسرائيل على حساب دولة المنطقة والسيطرة على حقول النفط في الساحة اليمنية مع مد أنبوب من بحر الخليج إلى سواحل حضرموت والمهرة بحيث تتجاوز خطر مضيق هرمز في حالة أقدمت إيران على إغلاقه بعد أن بدأت تضع الاتفاقات قبل صيف 94م واعترف بذلك حيدر العطاس وما تشهده محافظة المهرة هذه الأيام من تسارع سعودي يحمل في طياته نفس الهدف بل يسعى للبدء في تنفيذ المشروع وتتجلى موافقة الرئيس الفار عبدربه منصور وبلا شك تعد عملية القبض والبسط للسعودية في المهرة وحضرموت غير شرعية في ظل الأوضاع التي تشهدها اليمن.
يعني اغتصاب السيادة اليمنية جهاراً نهاراً، ولم يقتصر الاغتصاب فقط على وضع أنبوب نفطي بل سيكون مصادرة لجزء من الجغرافية اليمنية، ومن الطبيعي أن تغذي الصراعات الداخلية في العمق اليمني بحيث لا يتوحد اليمنيون ضد سلمان ومشاريع دبه الداشر، وهذا سيكون محور الارتكاز لاستكمال تصعيد الفوضى في البلدان المطلة على البحر الأحمر وما حولها والاستحواذ على حقول نفطية واعدة منها اوجدين إثيوبيا وربطها مع حقول الربع الخالي كما وضحه المتصهين أنور عشقي وبحيث تفضي إلى مزيد من الفوضى بهذه الدول على اعتبار أن تمزيق المجتمعات وتعميق الأزمات هو المدخل لتقسيمها جغرافيا ويُمَكِنُ الصهاينة من الوصول لبنك أهدافهم المرسومة على المدى البعيد والقريب بحيث يتحقق حلم أي صهيون المختزل بعبارة إسرائيلية شهيرة تنص “أن أرضها من الفرات إلى النيل”.
من هذا المنطلق، طبيعة الأهداف واضحة ويستطيع القارئ الحصيف معرفتها إذا تمكن من تصويب الأسباب وقياس الأبعاد التي دفعت ترامب لتهويد القدس وتهديد بعض الدول النفطية المضادة لسياسة البيت الأبيض منها إيران.
إذاً تهديد إيران هو مقلق للغرب ومصدر رعب لأبناء زايد وسلمان، لكن الإسراع بإغلاق هرمز مع وضع تدابير أخرى دون تردد مهما كانت درجة التحديات التي ستواجهها في حال أغلقت المضيق سيكون عاملاً لإفشال المخططات الإسرائيلية برمتها وجزءاً من الإنقاذ للعديد من دول المنطقة ومنها اليمن مع تبخر تلك المشاريع الاستهدافية، بل ستكون لطمات قوية للقوى الإمبريالية والرجعية وعاملاً لتمدد ثقافة المقاومة لدى الأنظمة والتيارات الرافضة لسياسة الغرب (الكيان الصهيوسعودي والانجلوأمريكي).
هنا سنجد أنور عشقي حاضرا بمجرى الأحداث في المنطقة مع أن تهديد ترامب وما حدث باليمن والعديد من دول المنطقة هو جزء من صفقة القرن الترامبية 100 % بعد أن أعلن تهويد القدس وجدد وعد بلفور.
إذاً، التهديد الإيراني قبل يومين بإغلاق مضيق هرمز حق مشروع وإحدى وسائل التصدي لمطامع إسرائيل والرد على شطحات ترامب.
سبق وإن تناولت هذا الموضوع في العامين المنصرمين عبر وسائل الإعلام المختلفة وفقاً لبعض المعطيات المتوفرة من خلال تحليل بعض الملامح الأولية العابرة للمشروع بعد أن نبهنا لذلك وحذرنا من خطورته.
وها هي الأيام برهنت بذلك.