الجذور التاريخية للصراع اليمني السعودي 15
عبدالجبار الحاج
في أكتوبر عام 63 اندلعت الثورة اليمنية جنوبا وكانت قد استكملت احد شروطها بقيام ثورة سبتمبر التي واجهت تدخلا حربيا من قبل العدو السعودي التاريخي لليمنيين ولكل قوى الثورة والتحرر والاستقلال …ولم تكن ثورة الجنوب بمنأى عن هذا الدور الذي واجهته هي الأخرى ليس في مجرى مسار الكفاح المسلح جنوبا بل في مجرى العمل الوطني الثوري الواحد في مجرى الدفاع عن ثورة سبتمبر التي وضعته الجبهة القومية احد واهم وسائلها الكفاحية في الميدان .. بل امتد العدوان السعودي ضد أكتوبر في ثلاث مراحل …. في مرحلة الكفاح المسلح أولا وفي التدخل في مرحلة تحقيق الاستقلال ثانيا وثالثا في مرحلة الحرب المباشرة فيما بعد الاستقلال وبعد حركة 22 يونيو التصحيحية بما عرف بمعركة البلق والتي مردها للسعودية ودافعها أمران رئيسان أولهما محاولة وأد النظام الثوري الوليد آنذاك من جهة . ومن جهة أخرى محاولة لانتزاع الوديعة والشرورة بترسيم وحدود رفضها حكومة الثورة وهذا ما ستناوله بتفصيل أوسع عندما أصل إلى تلك المرحلة من الجذور التاريخية للصراع اليمني السعودي ..
ثم إن ثورة أكتوبر أيضا ليست وليدة لحظتها يوم 14 أكتوبر 63 بل هي امتداد لنضالات وانتفاضات ومواجهات شعبية عفوية متصاعدة منذ الخمسينيات في المحميات ولم تكن الشمال بعيدة عنها وكان للإمام احمد ادوار ليست مباشرة وحاسمة ولكنو اتسمت بمستوى الشد وفق طبيعة مستوى الصراع بين الانجليز والإمام وأشكاله .. والذي لم يتخذ طابع الحرب المباشرة بينهما اي بين بريطانيا والإمام احمد …فخلال الخمسينيات وبالذات النصف الثاني من الخمسينات فقد اتخذ الصراع أشكاله في الدفع والتهدئة بأن كانت المواجهات بين الإمام ودعم الإمام للمواجهات تلك بين مواطني المحميات وجنود الانجليز هي الساحة التي يدعمها ويغذيها الإمام وهي ممارسات لم يكن الإمام ينكرها ويدرك الانجليز بدورهم ما ذا يريد الإمام منها حين كانت تتم اللقاءات بينهم او عبر محافظي الإمام وهما احمد السياغي والشامي في محافظتين حدوديتين شماليتين آنذاك كانت تصل إلى إلى اللا اتفاق واللاحرب ..
على الصعيد العربي لهذا الحال جنوبا لم يكن عبد الناصر بعيدا عن تلك المخاضات الشعبية والمواجهات العفوية في المحميات الجنوبية فقد اتسمت العلاقة واتخذت أشكال التنسيق والتواصل بين عبد الناصر والإمام أشكالا ومحطات كان النشاط في الداعم للانتفاضات المسلحة الشعبية في المحميات الجنوبية فقد كانت حرب السويس محطة اقتضت وفرضت حتما في فترات ما قبلها وإثناءها وما بعدها نشاط عبد الناصر الحيوي في ان اليمن وفي الجنوب خاصة جزء من أداء وتحرك الإستراتيجية السياسية والأمن القومي وفيها تعد اليمن جنوبا وشمالا جزءا من ساحتها, ومن هنا كان التلاقي بين عبد الناصر والإمام احمد حول هذه النقطة بين ساحة الجنوب المضطربة والمشتعلة مع المحميات وسياسة الإمام حول بمنية تلك المحميات من جهة ومن جهة أخرى حاجة عبد الناصر لإيجاد شكل يواجه به الانجليز في اليمن وخاصة الجنوب ..مع ان هذا التناغم في الانسجام لم يدم بين ناصر والإمام بحكم تناقضات وخيارات عبدالناصر الاشتراكية لاحقا خلقت هوة كبرت واتسعت ..
ومنذ انطلاق ثورة أكتوبر كانت ساحات المعارك التي تخوضها الجبهة القومية لا تحد بزمن ومكان ولكن بما يفرضه الظرف والمكان في تلك المواجهات المباشرة فقد كانت عمليات الهجوم على بيحان حريب في جزء منها هي تعبير حضور الروح الوطنية والثورية اليمنية الواحدة في معركة ضد معسكرات ومرتزقة وخبراء بل كانت بيحان معسكرا ومركز تمويل المال والسلاح السعودي للملكيين ..وقد اشرت إلى تلك المعركة سابقا في سياق وتفصيل مختلف ..
وعن ثورة أكتوبر يقول الشهيد والقائد الوطني عبدالفتاح اسماعيل :
( في مايو 1963م جرى حوار في صنعاء بين حركة القوميين العرب وتنظيمات سياسية سرية أخرى يمكن اعتبارها تنظيمات سرية وعلنية لها علاقة طيبة بالحركة .. وفي هذا اللقاء تم تشكيل الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، على أساس الأخذ بالكفاح المسلح أسلوباً لطرد المستعمرين الانجليز.. وحينها كان الصدام بين تشكيل القبائل أحد فصائل الجبهة القومية والقوات البريطانية قد بدأ يأخذ مجراه الصدامي في ردفان وكان لابد من جعل الانتفاضة المسلحة في ردفان بداية انطلاق ثورة 14 أكتوبر.
(وعن الكيفية والقوى التي شاركت في تنظيم ثورة أكتوبر يقول 🙂 على ضوء كل ذلك كان قرار الكفاح المسلح يعلن عن نفسه مستنداً إلى الظروف الموضوعية والذاتية في المجتمع اليمني بأسره.. وفي البداية كان هدفنا قيام جبهة وطنية تقود الكفاح المسلح، وقد حاولنا في حوارنا مع بقية التنظيمات وبالذات حزب البعث وحزب الشعب الاشتراكي أن تكون القناعة مشتركة حول الكفاح المسلح، لكن يبدو أن مثل هذه التنظيمات لم تكن بعد قد تخلصت من عدم جدوى النضال السلمي، وكانت تعتقد أن الطريق السلمي مازال هو المؤدي للاستقلال الوطني…(من اجل إعطاء صورة اشمل عن ثورة أكتوبر في الجنوب كيف كانت تسفيد من النظام الجمهوري في صنعاء وحالة التايد الشعبي وبالتالي استوعبت في تجربتها خلال فترة الكفاح بحيث تجاوزت كل نقاط الضعف التي أصابت بنية الثورة وظلت تتوسع في جدارها لصالح قوى الثورة المضادة والفريق الجمهوملكي الذي استطاع يتسلل ويتمكن ومن هنا فإن هذه المقتطفات تعطينا صورة عن مسارها الذي اعتمد على العنصر اليمني وبالتالي كيف تخطت الكثير من المثالب التي وقعت فيها ثورة سبتمبر شمالا وهي المثالب والثغرات والأخطاء البنوية في جدار الثورة وتنظيمها وليست الأخطاء الناتجة عن مسارها فطبيعي ان تترافق أخطاء خلف كل ثورة ولكن من نوع الأخطاء الجوهرية البنيوية او التنظيمية او الناتجة عن غياب التنظيم الثوري …
لإيضاح تلك الصورة بين مساري الثورتين بحيث آلت شمالا إلى الانتكاسة واحتفظت بوجهتها الثورية جنوبا من الكفاح المسلح وحتى الاستقلال ومرحلة الحكومة الثورية والانجاز الثوري . ولي ان استشهد بأهم الفقرات من مقالة الشهيد والمناضل عبدالفتاح اسماعيل عن حرب التحرير الوطنية وترابط قضايا الثورة اليمنية وعن واحدية الثورة اليمنية وعن الكفاح المسلح في الجنوب وذلك في مقالة له .. وهي مقتطفات مما كتبه الرئيس الأسبق والأمين العام للتنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية ومؤسس الحزب الاشتراكي وقد نشرت في ملحق العدد 224 من جريدة الثوري الصادرة في يوليو 1974م، حينما كان إسماعيل أميناً عاماً للتنظيم السياسي الجبهة القومية.
المقتطفات التي تتحدث عن خلفية الكفاح المسلح الذي انطلقت شرارته في 14 أكتوبر 1963، وأجبرت الاحتلال البريطاني على الجلاء من جنوب اليمن في 30 نوفمبر 1967، ودور النظام الجمهوري في شمال اليمن في دعم الكفاح المسلح.
وفيها يقول عبد الفتاح اسماعيل :
) على امتداد سنوات الخمسينيات وبداية الستينيات كان الشعب قد تمرس على أساليب النضال الوطني، وخاض مختلف طرق النضال السلمي من أجل تحرره الوطني من الاستعمار البريطاني.
في البداية الأولى للستينيات بدأت تغزو بعض التنظيمات السياسية، أفكار الكفاح المسلح، وكانت في الواقع تجسيداً لجوهر رفضها للوجود الاستعماري في البلاد.
وكانت في نفس الوقت ملجأها الأخير بعد أن أثبتت تجربة النضال السلمي فشلها وعدم جدواها في الاضطلاع بالمهام الحقيقية للتحرر الوطني بفعل الطبيعة الاستعمارية الامبريالية البريطانية بل الطبيعة التي تلازم عادة كل المستعمرين في عصرنا الراهن.
وكانت حركة القوميين العرب من بين التنظيمات الأخرى، التي تبنت أسلوب الكفاح المسلح طريقاً للتحرر الوطني.
لكن كان تقييمنا لهذه المسألة، أننا لا نستطيع أن نبدأ بالكفاح المسلح، قبل إسقاط النظام الأمامي الكهنوتي في صنعاء.
وقد كان تقييمنا لهذه المسألة صحيحاً فبعد فترة بسيطة لترسخ القناعة بضرورة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني، قامت ثورة 26 سبتمبر وتم إسقاط النظام الإمامي …….، وقام النظام الجمهوري، وولدت ظروف ملائمة في صنعاء، تمهد لانتقال الكفاح المسلح من حيز الإيمان النظري إلى حيز التطبيق العملي.. وفي هذا الاتجاه، برز عاملان أساسيان حتما البدء في الكفاح المسلح.
إن الخلفية المساندة لأي كفاح مسلح في الشطر الجنوبي المستعمر من قبل المستعمرين الانجليز، أصبحت موجودة، وهذا يعني أن النظام الجمهوري في صنعاء غدا تلك الخلفية التي يمكن أن تلعب الدور الوطني اليمني لدعم الكفاح المسلح ضد بريطانيا الاستعمارية من اجل تحرير جنوب إقليم الوطن اليمني.. الجانب الآخر في المسألة هو، أن مجرى النضال الوطني للشعب اليمني دفاعاً عن جمهورية سبتمبر كان يضع أمام الحركة الوطنية في الشطر الجنوبي من الإقليم مهام الاضطلاع بدور حماية هذه الجمهورية، فقد هب الآلاف من كل الحواضر والألوية والمناطق اليمنية، للانخراط في صفوف الحرس الوطني من اجل الدفاع عن جمهورية سبتمبر.
كانت أمام الحركة الوطنية للشطر الجنوبي من الوطن مهمتان: مهمة الدفاع عن جمهورية سبتمبر بعرقلة التخريب البريطاني والملكي القادم من الجنوب، ومهمة الاستفادة من الظرف التاريخي الذي ولدته ثورة سبتمبر، من أجل السير في النضال الوطني التحرري ضد المستعمرين الانجليز، لكي يتم تحرير جنوب اليمن.
على ضوء كل ذلك كان قرار الكفاح المسلح يعلن عن نفسه مستنداً إلى الظروف الموضوعية والذاتية في المجتمع اليمني بأسره.. وفي البداية كان هدفنا قيام جبهة وطنية تقود الكفاح المسلح، وقد حاولنا في حوارنا مع بقية التنظيمات وبالذات حزب البعث وحزب الشعب الاشتراكي أن تكون القناعة مشتركة حول الكفاح المسلح، لكن يبدو أن مثل هذه التنظيمات لم تكن بعد قد تخلصت من عدم جدوى النضال السلمي، وكانت تعتقد أن الطريق السلمي مازال هو المؤدي للاستقلال الوطني.
وفي مايو 1963م جرى حوار في صنعاء بين حركة القوميين العرب وتنظيمات سياسية سرية أخرى يمكن اعتبارها تنظيمات سرية وعلنية لها علاقة طيبة بالحركة.. وفي هذا اللقاء تم تشكيل الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، على أساس الأخذ بالكفاح المسلح أسلوباً لطرد المستعمرين الانجليز.. وحينها كان الصدام بين تشكيل القبائل أحد فصائل الجبهة القومية والقوات البريطانية قد بدأ يأخذ مجراه الصدامي في ردفان وكان لابد من جعل الانتفاضة المسلحة في ردفان بداية انطلاق ثورة 14 أكتوبر.
وهكذا تم تشكيل الجبهة القومية في صنعاء، وفي هذه الفترة كانت القوات العربية قد وصلت إلى صنعاء للمشاركة في الدفاع عن ثورة سبتمبر أمام الهجوم الملكي.. والاعتداءات العسكرية الانجليزية من الجنوب.. حينها كانت العلاقة داخل الحركة الوطنية مشوبة بالخلافات والمشاحنات العدائية.. فقد كانت العلاقة بين الناصرية والبعث قد وصلت إلى درجة كبيرة من التوتر، وكانت العلاقة بين حركة القوميين العرب والرئيس الراحل عبدالناصر علاقة جيدة.
وبسبب العلاقة الجيدة بين الحركة وعبدالناصر، وبسبب الإخطار المحيطة بجمهورية سبتمبر، إضافة إلى نضج الظروف الداخلية للقيام بالكفاح استطاعت حركة القوميين العرب أن تلتقط مؤشرات النضال التحرري في الساحة وتدفع به خطوات إلى الأمام.. كان الصدام العسكري بين القوات المصرية والبريطانية على (الحدود) بين اليمن الجمهورية (الشمال) واليمن المستعمرة (الجنوب) وبالذات (منطقة بيحان) يمهد لتجسيد العلاقة الجيدة بين الحركة وعبدالناصر، بتدعيم العمل المسلح في الجنوب بالسلاح ولذلك فقد أيد عبدالناصر تبني حركة القوميين العرب للكفاح المسلح، وعبر عن استعداده لتقديم السلاح للجبهة القومية، من خلال وجود القوات العربية في صنعاء وتعز.
وعلى إثر توافر الشروط المهيئة للسير في طريق الكفاح المسلح قمنا بالتحضير السياسي العسكري الواسع للكفاح المسلح.. بدأنا بتدريب العناصر التي ستتحمل مسؤولية العمل العسكري والفدائي، فقد كنا نرسل هذه العناصر سراً للتدريب في معسكرات الجبهة في تعز وصنعاء، على مختلف الأسلحة وأساليب العمل الفدائي.. وكان التدريب يأخذ فترة قصيرة في معسكرات الجبهة القومية في الشمال.. إلى جانب ذلك كنا قد بدأنا بإدخال السلاح وخزنه في أماكن سرية، وبدأنا بتشكيل الفرق الصغيرة التي ستكون مهمتها القيام بالعمليات الفدائية.
وفي الجانب السياسي، فقد كنا دوماً نحاول أن نجر القوى الوطنية الأخرى للانخراط في عملية الكفاح المسلح.. لكن يبدو أن الخلافات الحزبية والتناقضات الذاتية كانت أقوى من أن تغلب لصالح النضال الوطني والكفاح المسلح، خاصة وأن الحركة التي كانت تقود الكفاح المسلح، تعيش خلافاً مع التنظيمات الأخرى التي ترتبط بصلات حزبية بتنظيماتها القومية.
في البداية كان تركيزنا على تثبيت أركان الكفاح المسلح وانتشاره في ماكانت تسمى بالمحميات وعدن المستعمرة.. وفي السنتين الأوليين من عمر الثورة أصبح الكفاح المسلح أبرز وأوسع أشكال النضال الوطني قدرة على التأثير في مجرى الحياة السياسية وأصبح يستقطب حوله كل القوى الاجتماعية المؤمنة بالتحرر الوطني لبلادها.
وإلى جانب أسلوب الكفاح المسلح، استخدمنا أساليب النضال الوطني الأخرى، مثل تنظيم المظاهرات الشعبية والإضرابات العمالية وإثارة القضية الوطنية في المحافل والمؤتمرات العالمية وهيئة الأمم المتحدة والجامعة العربية.
واحتلت المنظمات الجماهيرية والاجتماعية اهتمامنا في عملية تنظيم وتعبئة الجماهير في مرحلة التحرر الوطني، وتركز اهتمامنا أكثر بالحركة العمالية، حيث استطاعت الجبهة القومية مد نفوذها واستقطاب العديد من النقابات إلى صفها، ومازلنا نتذكر الدور الذي لعبته النقابات الست في عملية النضال الوطني.
وكما تمكنا من السيطرة على الحركة العمالية خلال عملية النضال الوطني، استطعنا كذلك التغلغل داخل المنظمات الجماهيرية مثل اتحاد الطلبة والمرأة والحركة الرياضية، وقد لعبت هذه المنظمات دوراً مهماً في النضال الوطني.. مثلاً كانت المرأة تقوم بتوزيع المنشورات ونقل الرسائل والتعميمات الداخلية أو المشاركة في المظاهرات.
وفي الريف شاركت في حمل السلاح وتزويد المقاتلين بالطعام كما أن الطلبة قاموا مرات كثيرة بالإضراب من الدراسة ومقاومة السياسة التعليمية الاستعمارية.
بعد اتخاذ قرار الأخذ بالكفاح المسلح طريقاً لنيل التحرر الوطني، بعد الانتفاضة المسلحة في ردفان، كان علينا أن نتوسع في تدريب الكوادر العسكرية، ونعدها إعداداً سليماً.. وبسبب ظروف العمل السري كنا نختار أصلب العناصر وأكثرها نضجاً في الوعي السياسي.. ولها أيضاً خبرة تنظيمية طويلة.
وبعد أن استكملنا تجهيز العناصر الفدائية.. بدأنا نفكر في نقل العمل الفدائي إلى المدن وبالذات المستعمرة عدن.. لم يكن الكفاح المسلح يشغلنا في الأرياف فقد كانت الظروف هناك ملائمة للسير فيه بحكم الطبيعة الجغرافية والجبلية.. وكانت بريطانيا لا تكترث لخطورة الكفاح المسلح في الريف، فهي مستعدة لمقاومته سنوات طالما أنه لن يمتد إلى عدن.
لم يكن فدائيونا قد مروا بالتجربة بالملموس ونفذوا عمليات على أهداف مباشرة تابعة للعدو، ولذلك فقد كانت البداية صعبة بالنسبة لهم، فقد كان الاعتقاد ان المخابرات البريطانية تراقبهم وأنهم سينكشفون في الحال وكانوا في الواقع يحتاجون إلى الهزة الأولى قبل أن يتعودوا على ممارسة العمليات المباشرة مع العدو.
هذا الإحساس يعود إلى الطبيعة الجغرافية لعدن فهي شبه جزيرة صغيرة وكعنق الزجاجة يسهل إغلاقها والسيطرة عليها بقوة محدودة وفي عدة دقائق أيضاً، يضاف إلى ذلك أن العناصر الفدائية لم تكن قد تدربت أو تعلمت شيئاً عن حرب العصابات داخل المدن لكنها تعرف مدينة عدن وشوارعها وأزقتها وجبالها.
وبرغم الصعوبات والمشاق إلا أننا كنا مهتمين بنقل الكفاح المسلح( أسلوب حرب العصابات) إلى عدن، ومن أجل ذلك هيأنا كل شيء ووفرنا شروط تفجيره، وتمكنا من إدخال السلاح إلى عدن تارة مغامرة بالسيارات وتارة أخرى على الجمال التي كانت تنقل القصب والأعلاف والخضروات من المزارع إلى سوق عدن، وفي داخل المدينة كنا نقوم بصنع القنابل البلاستيكية من بعض المواد الكيماوية.