مشاهدات اليوم الثالث في زيارة الحديدة ..

 

عبدالجبار الحاج

علينا أن نتعظ من تجاربنا وفي موضوع الحديدة خاصة فلا نخسر الحديدة من اجل الحديدة ولا نخسر اليمن من اجل الحديدة كما حصل في حرب الثلاثينات ومفاوضاتها …
علينا أن لا نضع الحديدة مرة أخرى في تجارب وحروب التاريخ المتكررة مع سعود فنغلقها على أنفسنا ونسلم مرة أخرى بفرضية الإمام يحيى عندما وقعت الحديدة بيد جيش فيصل في حرب الثلاثينات ، فتستولي علينا هواجس ووساوس ؛ ( الحديدة منفذنا الأخير على العالم وبدونها نكون مقطوعي الصلة بالعالم ) فهذه الفرضية والتسليم بها قد ألقت بظلالها السوداء وحولت الانتصار العسكري الذي حققه ولي العهد احمد إلى هزيمة سياسية ماحقة حين سلم الإمام يحيى بمقايضة سعود نسلم الحديدة مقابل بقاء نجران وجيزان وعسير تحت نفوذنا فأعمته الحديدة حتى انه لم ير في تقدم جيش ابنه احمد الذي وصل إلى قرب الطائف نقطة قوة لا يجوز طرحها وتجاهلها كما جرى .. ولم يستخدم هذه الورقة التي مثلت حالة التوازن أو التعادل العسكري فاحرقها بيده . ليس هذا وحسب فقد قبل برئيس وفده المفاوض عبدالله الوزير أن يبقى رهينة الاحتجاز أثناء التفاوض وبصرف النظر عن سريرة الوزير وما يخفيه في سريرته فقد كان الوزير نفسه هو من يطلب من الإمام يحيى تعيين بدل منه لأنه لايجوز أن يفاوض وهو رهن الاحتجاز وهذا بحسب رسالة الوزير للإمام بل يجب إلغاء التفاوض فور هكذا سلوك مباشرة . وسواء كانت سريرة الوزير صافية أو ملوثة فقد كان تغييره أمرا يقره الإمام يحيى وحده .. لكنه قبل بإهانة وفده وهو مشهد في التفاوض فيه إشارة تقبل فيه اليمني الإهانة .. ويعطي إشارة لآل سعود بالتمادي بمطالب أخرى مهينة .. حتى بلغ تمادي سعود ووصل بعد المقايضة في الحديدة إلى المطالبة بتعويضات عن إخلاء الحديدة بمقابل مئة ألف جنيه سنويا.. وبالحديدة ظل سعود يقايض بها مرات عديدة يحقق بها صفقات تالية كلما نال صفقة سابقة .. وهكذا فيجب أن لا تكون الحديدة اليوم آخر الدنيا أو كل اليمن أو منفذنا الوحيد خاصة وهو المنفذ المغلق منذ العام الأول للعدوان على أن المنافذ الوحيدة هي منافذ البضائع القادمة هي معلبات السعودية ومستوردات منافذها ..مايعني أن الميناء مغلق وليس منفذا …
وحتى لانعيد ترجمة مقولة ماركس الشهيرة القائلة .. في أن حوادث التاريخ إذا تكررت فإنها في الأولى كانت المأساة وفي الثانية تكون المهزلة ..
أعود إلى مشاهداتي في الحديدة وأقدم صورة الوضع في مقارنة بين أداء الجيش واللجان مقابل أداء مسمى قوات الشرعية ونقاط الضعف والقوة لدى كل منهما من خلال الوقوف على خارطة للحديدة تدلنا وتوضح المعركة ومواقعها والمساحات التي تتحرك عليها المواجهات ومآلاتها ..
يتسم أداء الجيش واللجان في معارك الساحل بأنهم ينتشرون أولا بين أوساط السكان في كل منطقة قبل خوض المعركة العسكرية وهذه نقطة قوة لهم بينما يتسم أداء قوات مايسمى بالشرعية والمقاومة التابعة للعدوان بما يلاحظ في تخطيطها وانتقالها من معركة إلى معركة أخرى في خططهم أنهم لايوفرون لأنفسهم موقعا بين السكان فضلا عن أن ارتباطهم وانقيادهم لقوى العدوان والاحتلال يقطع عنهم أسباب صلات الوصل القوية .. بينما يتفوق خطاب القوى المناهضة والمقاومة للعدوان بإمكانية أن يخلقوا رابطة قوبة وبث روح وطنية بخطاب اقرب للوطنية .وهو مايفتقده عنصر ما تسمى قوات الشرعية وهذه نقطة عميقة ودائمة التأثير ..
ثم أن حملات الإعلام التابعة للعدوان على قدراتها الهائلة التي لاتقارن مع القوى المناهضة للعدوان فإن حملاتها الإعلامية التي لاتواكب حقيقة الميدان وتزعم بانتصارات وتقدمات أوسع واكبر بكثير مما يمكن تحقيقه كتلك الحملة التي زعمت أن قواتهم قد وصلت إلى مطار الحديدة والى السيطرة على كامل مديرية الدريهمي ..فسرعان ما ترتد مثل هذه الأكاذيب عكسيا على أصحابها وترتد على معنويات قواتها وتبث فيها روحا انهزامية ساحقة..
المتتبع لوقائع المعارك منذ انضمام طارق إلى قواتهم فإن الرجل قد أضاف نقاط ضعف بالغة الضر والضرر إذ تسبب انضمامه ونجم عنه استياء وسخط ورفض واسع وانشقاقات لا دواء لها … وهكذا فإن الانقسام الذي دب في أوساط هذا الفريق وضباطه وجنوده من الطبيعي انه قد خلق انقسامات لا حد لها وتأثيرها بالغ السوء في المعركة عليهم .
ضف إلى ذلك أن خططهم الهجومية تتسم بالتهور وغياب كامل لتأمين متطلبات المعركة من علاقة بسكان لا يتصل ولا يتصلون به وسكان غير مرحب بهم .. وفي غياب لتامين المقدمة والمؤخرة لقواتهم التي تتولى الهجوم وهذه كانت نقطة ضعفهم التي أودت بكتائب اللواء الخامس … إن تنجح في الاختراق نعم .. لكنها وصلت وتصل إلى ساحات مكشوفة مقطوعة الاتصال لتقع في الكماشات في مواقع معزولة عن بعضها ومجردة تماما من أي غطاء ..عدا الغطاء الجوي الذي هو الأخر يفشل في تتبع مجموعات قليلة تخوض معارك متحركة وليست ثابتة عبر أفراد قليلين لا يحتاجون سوى لبضعة كيلو مترات يسيرون فيها على الاقدام وينفذون عملياتهم اليومية السريعة ويعودون متفرقين إلى مخابئهم لا يقوى الطيران على تتبعهم ..
هذه الصورة ترسم لنا كيف أنهم هم من يمنحون قوات الجيش واللجان نقاط قوة إضافية بدونها ربما … أقول ربما كان الميزان مختلفا عما هو عليه الآن …
هكذا مثلا حينما زرنا الحسينية وتوجهنا منها غربا باتجاه الجاح فوجدنا على بعد خمسة عشر كيلو مترا من الحسينية مدرعة وطقما محترقين كأننا أمام خطة لهم فحواها الاختراق فحسب ولا ظهر لها أو مؤخرة مأمونة وبلا مقدمة ولا حتى بكشاف يستطلع …
وحينما جمعنا معلومات مرافقينا الذين زاروا الفازة في اليوم الأخير لزيارتنا للحديدة واكتفينا بزيارتهم وعلى أن الصورة التي سينقلونها كافية ولاتضيف زيارتنا شيئا يزيد عليها .. ولدواعي تقليل المخاطر على مجموعتنا الإعلامية الزائرة أن لا نقع جميعنا في خطر الغارات الجوية التي تعرضت فيها الفازة وحدها ذلك اليوم يوم الأحد الماضي لأكثر من عشرين غارة وهي منطقة صغيرة في مديرية هي من المديريات الصغيرة في جنوب الحديدة الواقعة على الساحل الغربي .. فإن كتائب اللواء الخامس هناك قد قادت نفسها إلى وضع معزول كما شرحنا أعلاه وبسبب من نفس الخطط المتهورة باتت الكتائب تلك عرضة للإبادة وقد نشرت أسماء ممن قتلوا واستسلموا خلال اليومين الماضيين بسبب من وضعهم بين أسنان الكماشة …
وحتى نضع القارئ أمام جغرافيا الحديدة سريعا فإن مديرية التحيتا والتي تقع فيها الفازة هي من ضمن أربع مديريات إلى جانب الخوخة وحيس وجبل رأس تقع تماما في أقصى جنوب المحافظة المحاذية والمحاددة تماما لمحافظة تعز وفيها تتواجد قوات الشرعية وتدور عليها معارك وتتواجد هذه القوات في الجراحي حيث يتواجد طارق فيها لكنها ليست تحت سيطرتهم كاملة .. واعتقد أن وجود طارق فيها ليس من موقع قيادة المعركة ولكن من باب الفصل بين الأعداء المتحالفين في إطار قواتهم ..فقد حدثت مشادة حادة بين طارق وقائد اللواء الخامس مؤخرا قبل اختراق مناطق الجيش واللجان ووقوعه في كماشتها ..
لو نظرنا إلى خارطة الحديدة فإن هذه المديريات الخمس الخوخة التحيتة وحيس وجبل رأس والجراحي لاتشكل من مساحة الحديدة ما يساوي نصف مديرية باجل وحدها..
تتكون محافظة الحديدة من 26 مديرية والمديريات الواقعة على البحر الأحمر هي الخوخة التحيتا بيت الفقيه الدريهمي ومديريات المدينة الثلاث وباجل والصليف .وتتبع هذه المديريات الجزر اليمنية المقابلة لها على البحر الأحمر ..
ونظرا لمساحتها الكبيرة فإنها تفتقر إلى الكثافة السكانية التي يفترض أن تكون وبكونها ذات أودية زراعية واسعة وخصبة .. ..
هذا وتعد الحديدة ثاني اكبر المحافظات سكانا بعد تعز .. والجدير ذكره هنا أن مديريات ساحل محافظة تعز نادرة السكان حتى أن نصف مساحة تعز ساحلية غير أن سكان ساحلها اقل من 7% من سكان تعز … وهذه هي الثغرة الهائلة والهدف الغائب في السياسات السكانية التي صنعت وتصنع الخاصرة الرخوة في طول الساحل اليمني…
غدا سأنقل مشاهدات زيارتنا لليوم الرابع في الحديدة

قد يعجبك ايضا