الأضداد و معركة القيم
أشواق مهدي دومان
في الفترات الأخيرة وبعد مشاهدة الأفلام والمسلسلات التاريخية التي تنتجها إيران ،في طرحها الفلسفي العميق المخاطب للرّوح خطابا قويّا وفي نفس الوقت مرنا ،عميقا ولكنّه قريب من النّاس ، فالفن لديهم رسالة عظيمة توجيهيّة تربويّة تقويميّة..
رأيت من أفلامهم ما يخاطب الرّوح فـ(ـوداعا صديقي بأجزائها الثّلاثة) أثرت روحي و أثّرت بها فقد نقلتني إلى عالم فيه روح الشّهيد تشتاق منزلتها وتختار عيشتها في السماء ، وكأنّ مهمة الفن لديهم الارتقاء و الابتعاد عن الغريزة، وترك الروح تناجي الله في هدوء كالهمس يرعاه التّأمل ، ويمنح من به غلظة طباع ،وجفوة مشاعر من مرونة وليونة ورهافة الحس ما يمنح ،كما يمنح الجاحد الماديّ جرعةّ تجعله يعيد النّظر في نظرته الجسديّة الماديّة لمفردات الحياة ويربطها ويوازنها بعالم الرّوح المتلهفة للمعرفة والعلم حين كانت الرّوح من أمر ربّي وقد أوتينا من العلم قليلا…
في الطّرف المقابل يتواجد الطّرح العربيّ للمسلسلات التي تركّز وتخاطب الجسد وتؤثر الغريزة ، وقد أصبحت مستهجنة مستنسخة مستوردة مستقاة من المسلسلات التّركيّة وما أدراك ما التّركيّة من حرب ناعمة بكلّ ما تعنيه الكلمة بل انتصار واضح لنواهي الله وجحود كامل بأوامر الله فعشق ممنوع بين من يوثق بهم ،يعقبه قتل نفس محرمة انتحارا من أجل حبيب، فشرب خمر للهروب من مأساويّة واقع، فعقوق والدين وهروب بطل المسلسل والبطلة انتصارا لعواطفهما مخترقين كلّ فضيلة ورميها في غيابة جب يوسف الذي رمى الرذيلة في غياهب الظّالمين بداية بإخوته الذين رموه في بئر ليلتقطه بعض السيارة انتقاما من حبّ الأب النبي الملهم والمعلوم لديه أنّ يوسف أيقونة الجمال والطّهر ،ذلك الجمال الملائكي الذي سجنه بكيد امرأة محاولا إحراق روح أبت أن تصبو للنّواعم فتحرق أجمل سنين عمره في سجنه انتقاما من الفضيلة التي عاش مترعرعا بين جنباتها نبيا صدّيقا نبيلا مخلصا لله ، وقد قدّم الشخوص لتلك القيم التي خاطبت أرواحنا وأنفسنا بأقوى وأجمل وأكمل مايكون لمسلسل تاريخي لا يهتم فيه باستعراض ملكات الجمال وماكياجهن وأزيائهن كما في فوازير المصريين ومسلسلات الخليجيين وما بقية العرب ببعيد، ففي باب الحارة (مثلا) طرح مقاوم بدأ ولكنّه لا يخلو من الاستعراض وقد تكرّر بما لم يعد مقبولا لدى المشاهد …
لنعد للإنتاج الإيراني الذي يطرح طرحا شجاعا قويّا معالجا حتى قضايا العشق الذي تخصصت به المنتجات العربيّة فيعالجه بحذر شديد ويصون فيه الفضيلة ولا يخدش المبادئ ولا يقدّم إلا حلولا منطقيّة شرعيّة تبعد عن روح زليخا ( قبل توبتها ) التي يقنع أكثر مخرجي مسلسلات رمضان المشاهد ويحاولون صقل روحها في روح كل امرأة ويضعون مواجها لها غير يوسف العفيف النبيل .
هكذا وجدنا العرب سياسيّا كما وجدناهم في لغتهم العامّة في فنّهم يتمسّكون بالقشور كما يفتي مفتٍ وهابي بحرمة قيادة سيارة لامرأة ويبيح زواج المثليين ..
كما يحرّمون رفع صوت مكبر آذان المساجد خشية إزعاج النّاس ويفتون بذبح البشر وقتلهم إن خالفوهم الفكر والعقيدة والمذهب والرأي ..
كما يحرّمون الثّورات الحقيقيّة الخارجة عن الإرادة الأمريكية ويمجّدون كلّ فوضى تشرف عليها أمريكا ..
كما يحرّمون على اليماني الحج والعمرة ويبيحون للإسرائيلي تدنيس المساجد الحرام.
كما ينفقون على سوبر ستار ومسابقات الغناء وينفقون على صواريخ تدمر شعبا و أرضا في اليمن .
كما يبيعون الأقصى والقضيّة الأمّ للإسلام ويوجهون عدائيتهم لمن يريد استرداد فلسطين والقدس والمسرى ..
هـؤلاء هم مهرجو العصر من حكام الحجاز والخليج وفراعنة العصر : هؤلاء باعوجاجهم وتلوثهم وقبحهم ينتقدون إيران ويتوجهون إليها بتكفير وزندقة وتمجيس فقط لأنّها لم تستظل تحت عباءتهم ، كما يقتلون اليمن وسوريا ولبنان والعراق من كلّ العرب لحريتهم وإبائهم الرافض لبس جلبابهم العميل الخائن الجبان الارتزاقي ومن الارتزاق تنوعت الفصائل المرتزقة وهم كثر وأخصّ هنا اليمنيين وأمر لحدث اليوم وهو تصريح السّفير السّعودي بأنّه أخرج جنرالا يمنيا تهريبا كزوجة له ..
تألمتُ في البداية من نقص كرامة رجل مسن أولا وثانيا كان له مقام في بلده لو تخلص من نرجسيته وعقده التكفيرية وحقده المزمن على الأنصار والفكر الزيدي ..
كان مكرما سيحيا لو آب وتاب وصدق اعترافه بالخطأ والجريمة التي ارتكبها مع عفاش في حروب صعدة وقبلها حرب الانفصال ، وعلم أن الرجل يعرف بقدرته على وفاء العهود، ففي 2011 يعترف بخطئه وجرمه على صعدة معتذرا لكنّه يعود لخط الارتزاق ليعيد تاريخ إجرامه كمن يحنّ لوطنه ؛
نعم : كانت الخيانة الكبرى في فراره خيانة ليس لأنصار الله ؛ فقد خان رجولته في لبسه اللبس النّسائي وعلى يد من؟
على يد أشباه الرجال وكان في مقدوره أن يتخلص من مرض الارتزاق ويتخذها فرصة للتخلص من عبوديته للسعوديّة مستظلا برجال الله الذين كانوا لن يعاقبوه و لن يطاردوه ولن يهينوه رغم جرائمه ؛ لأنّهم المعتنقون كتم الغيظ والعفو عند المقدرة والإحسان بثقافتهم النابعة والمنطلقة من القرآن ومن محمد بن عبدالله لا محمد بن سلمان ولا محمد بن زايد ولا ترامب ولا نتنياهو ؛ لكنّها سوء الخاتمة نتاج حياة طاغية …
تألمت بداية أن يهان يمني على يد مسخ سعودي بعد هذا العمر كلّه يباهي السعودي في رخص حروفه و التي سبقه إليها سفير آخر كان يظن أنه يتهكم بأهل اليمن حين قال أو بمعنى قوله :
لن نمنع قصفنا لليمنيين وهل يمتنع الرجل عن ضرب زوجته ؛ ليتأكد للعالم محط فكر السعودي الوهابي أين يقع ؟
فمنطق الوهابيين واحد ، فكونهم حول النواعم و إلى النواعم وهم النواعم في شكل رجال ؛ ولكن ما كان ينبغي أن يهينوا مرتزقتهم كل هذه الإهانة التي لم تشفِ غليلنا كأنصار الله ، كأحرار اليمن في شخصيّة إرهابيّة عميلة لهم أهلكت الحرث والنسل في اليمن ثم غادرت اليمن لتشارك في نفس مسلسلات الدم التي تعوّدها التاريخ منهم بما يؤكد أنّنا لم نتشفَ في أسير عجوز وإن تألمنا على شيبته التي لم يحسب هو لها حساباً حين كان من المفترض أن ينهي حياته كرجل وبوقار ليأتي مسخ حجازي و يضعه موضع الزوجة لزوجها في تصريح لحدث قد مضى وبقصد إهانة هذا الجنرال الطّاغية …
إجحافات وانزلاقات في ألسنة الوهابيّين الإخوانجيين توحي بأنّهم يتمثّلون ثقافة مسلسلات وطن أردوغان التي خلقت فيهم العشق الممنوع فأرخصت رجالهم تحت نعال مومس وكأس خمر فتناسوا قضاياهم وعقيدتهم وعروبتهم ويمنهم و قدسهم وعراقهم وشامهم وركعوا لبنت ترامب ..
وفي نهاية المطاف ينتقدون إيران التي لم تنتقص من رجولة رجل ولم تختزل العالم في نفس زليخا بل إنها تقدّم رجولة الرجال في يوسف ..
يوسف الصديق ذلك المسلسل الإيراني الرافضي المجوسي الذي عمّق فيّ وأوضح لي وشرح لي آيات الله وعزّز لديّ قيمة العفاف التي ارتويت بها من أبي وأمي فما عشقت ممنوعا ولا طعنت في عرض عجوز مسن ولا هتكت فيها حجب ستر وحياء ، فالحياء والإيمان مقرونان ولكنّي عدتُ مؤمنة بأنّها حرب الفضيلة ضدّ الرذيلة كما عدتُ مؤمنة بــأنّ:
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميّت إيلام
و كلّ يضع نفسه حيث يشاء .
و السّلام