أوضحت دراسة اقتصادية صحية حديثة صادرة عن شركة إسترازينكا البريطانية للأدوية أن حجم مبيعات الأدوية في العالم بلغ قرابة 1,2 تريليون دولار بنهاية سنة 2016 وتستحوذ الشركات الأمريكية على 30 % منها والشركات الأوروبية على 30 % واليابانية على 21 % فيما تتقاسم باقي شركات العالم نسبة 29 % المُتَبَقِّية، وتتوقع مكاتب دراسات هذه الشركات ارتفاع الطلب على الأدوية، وزيادة مبيعاتها بنحو 370 مليار دولار سنة 2021، لتتجاوز 1,5 تريليون دولار، بزيادة حوالي 33 % بين 2017 و 2021 (رغم توقعات انخفاض نمو الاقتصاد العالمي بنحو 127 مليار دولار)، وقدّرت الدراسات زيادة الحجم الإجمالي للأدوية المستهلكة عالميا بنسبة 3 % سنويا، بين 2017 و 2021، وهي نسبة تفوق متوسط الزيادة المُتوقّعة لسكان العالم خلال نفس الفترة.
يُفَسِّرُ هذا التّوزيع “الجغرافي” لبلد المنشأ لشركات الأدوية (المتوافق مع خارطة الهيمنة الإمبريالية على مقدرات العالم)، عدم اهتمام هذه الشّركات بالبحث عن علاج لبعض الأمراض والأوبئة المنتشرة في البلدان الفقيرة (الملاريا على سبيل المثال) لأن مُستوى مُعدّل الدّخل مُنْخفِض، ولا تستطيع الشركات بيع عقاقيرها بأسْعار مُرتفعة، وتحقيق أقصى نسبة من الأرباح، وتَطْلُبُ أحيانًا من منظمة الصحة العالمية أو من الأمم المتحدة تمويل حَمَلات التّلْقيح أو توزيع الدّواء، بشكل ظَرْفِي.
وقد غَنِمت الشركات الكُبْرى (الأمريكية خُصُوصًا) أرباحًا هامّة، خلال السنوات الأخيرة، بعد اكتشاف أدوية جديدة لعلاج أمراض الكبد والسرطان، وتحاول هذه الشركات عرقلة البحث العلمي في البلدان الفقيرة (كوبا وتنزانيا وكولمبيا…) من أجل ابتكار علاج لبعض أنواع الأورام والمناعة وعلاج السكري وأمراض الكَبِد، لكي تُواصل احتكار السوق، وثبت تشغيل هذه الشركات باحثين مُرْتَزَقَة، للتّشْكِيك في بحوث المختبرات المُسْتَقِلَّة أو نتائج بعض البحوث والتجارب في البلدان الفقيرة، وكثيرًا ما كتب موظفو الشركات هذه التّقارير المُزَيّفَة، لِيُوقِّعَها باحثون حقيقيون ومُرتزقة، مقابل مبالغ مالية هامّة، إمّا لإثبات نجاعة دواء أو لقاح تُنْتِجُهُ الشركة أو لازدراء نتائج بحوث المُنافِسِين والمُنْتَقِدين.
وتُعْتَبر صناعة العقاقير (الأدوية) قِطاعًا استراتيجيا، مثل الأسلحة والتقنيات المتقدّمة، لأنها تتضمن تطوّر مجالات البحث العلمي ومُخْتَبَرات التّحاليل والتّجارب العلمية، وتطوير الصناعات الكيماوية والخبرات والمهارات لمهندسين وأطبّاء وفَنِّيِّين، وتعمل الدول الرأسمالية المتطورة على حَصْر صناعة الأدوية والأمصال والعقاقير فيما بينها، كإحدى أدوات الهيمنة، وتَدْعَمُ حكومات هذه الدّول هذا “القطاع الإستراتيجي” عبر إقرار تشريعات خاصة لحمايته، وعبر الدّعم المادي والفَنِّي (التّقني) وعبر فرض التّلقيح الإجباري لفئات من السّكان، دون مُراجَعَة أو تقييم لفوائد هذا التّلْقِيح في معظم الأحيان، واستفادت شركات المختبرات والعقاقير من التّوسّع العمراني ومن اتساع نطاق الوسط الحَضَرِي، مع الإشارة أن هامش الرّبح مُرتفع في هذا القطاع، مقارنة بأنواع الصناعات الأخرى، رغم طول مُدّة البحث والتّجارب، لأن الشركات تحتكر تصنيع وتسويق العقاقير الجديدة لفترة خمس عشرة سنة في المتوسّط، قبل السّماح لشركات أخرى بتصنيع أدْوِيَة “جنيسة” (مُماثلة، بنفس الخصائص، تحت مُسَمّى آخر)، وعادة ما تُؤَسِّسُ هذه الشركات فُرُوعًا لها لتصنيع أدويتها تحت مُسَمّى مختلف، مما رفع نسبة نمو إيراداتها من معدل 5,5 % إلى حوالي 9 % سنويا.