أبوبكر عبدالله.. مقال هكذا اطاحت
أبو بكر عبدالله
لم يكن غريبا هذا القدر الهائل من الحزن والألم الذي كسا اليمنيين بعيد إعلان استشهاد الرئيس صالح الصماد بجريمة اغتيال سياسي استهدفته بثلاث غارات وحشية بمحافظة الحديدة يوم الخميس الماضي، فجريمة بهذا الحجم لم تسع للنيل من رمز وطني كان موضع توافق واجماع، قدر ما سعت للنيل من ارادة اليمنيين وخياراتهم للمضي نحو المستقبل بمشروع ليس فيه مكان لقوى الوصاية الدولية.
سعى العدوان الهمجي بجريمته المروعة للنيل من حال التوافق السياسي الذي شكل الرئيس الصماد محور ارتكازه خلال رئاسته المجلس السياسي الأعلى بما حققته من إنجازات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية قدمت صورة مشرقة عن قدرة اليمنيين في صنع الزعامات الوطنية القادرة على حمل مشروعهم التواق إلى دولة المؤسسات والعدالة والسيادة والسلام.
خلال 20 شهرا من تقلده منصبه في المجلس السياسي تجاوز الشهيد الكثير من المنعطفات والتحديات واستطاع بحسه الوطني وأخلاقه القرآنية أن يكون قريبا من الجميع وأن يحوز ثقتهم في احلك الظروف مستغرقا جهده الوطني دفاعا عن الدستور والقانون والحقوق ودولة المؤسسات .
استطاع إدارة أكثر الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية حساسية وأكثر منها الملفات العسكرية التي أدارها من داخل المواقع العسكرية وورش التصنيع الحربي والخطوط الأمامية في الجبهات حاملا بأمانة وصدق وعزيمة قضية شعبه العادلة وتطلعاته إلى الحرية والسيادة والعدالة.
قياسا بهذه الروح الوطنية المشرقة جاءت جريمة الاغتيال بالغارات التي شنها طيران تحالف العدوان السعودي الإماراتي وأدت إلى استشهاد الرئيس وستة من مرافقيه لتقدم صورة دموية لمرامي وأهداف جرائم الاغتيال السياسي التي أدارتها قوى التخلف والرجعية في هذا البلد منذ عقود بإسناد مخابراتي من داعميها الدوليين وطابور العملاء سعيا لاغتيال المستقبل والمشروع الوطني الجديد.
لم تكن جريمة اغتيال الرئيس الصماد الوحيدة فهذا النوع من الجرائم كان من أهم أدوات الحرب الباردة التي ادارها تحالف العدوان وقوى الوصاية في اليمن منذ سبعينات القرن الماضي مرورا بحقبة الرئيس السابق صالح ووصولا إلى سنوات العدوان التي شهدت سلسلة من جرائم الاغتيال التي طاولت كثيرا من الشخصيات السياسية والعسكرية والاجتماعية التي رفعت مشاريع تنشد المستقبل.
ضمن محاولات عدة نفذها العدو لاغتيال الرئيس الصماد منذ تقلده منصبه قبل نحو عام ونصف نجح الخميس الماضي باغتياله غير أن الارادة اليمنية أطاحت بكل أهداف هذه الجريمة قبل أن تولد.
لم تكن الجريمة القذرة قادرة على توجيه رسائل التفوق والقوة وكل ما في الأمر أنها كانت ضربة حظ التقط فيها المجرمون الخطأ القاتل في الإجراءات الأمنية فرصدت عيونهم سير الموكب وأبلغت غرف التحكم التي تولت عملية الرصد عبر الأقمار الصناعية لتأتي طائرات الاغتيال لتنفيذ بقية المهمة القذرة.
لا شك أن تحالف العدوان أراد بجريمة الاغتيال اتخاذها مطية للهروب من واقع الأزمات التي تعصف بالداخل السعودي وفي الوقت ذاته منح وقود إضافي لمخططاته المتعثرة في الجنوب وجبهات الشمال و الساحل الغربي، غير أن هذه الاهداف سقطت كليا بعدما تمكنت صنعاء من احتواء تداعياتها السياسية لتظهر تداعياتها في المقابل في هيئة اشتباكات مسلحة كان مسرحها أحد القصور الملكية في الرياض قبل أن يتم احتواؤها بتدخل اميركي مباشر.
الحال مع مليشيا العدو في جبهات الحد الشمالي والساحل الغربي حيث تكبدت هزائم قاسية بالتزامن مع اشتعال التظاهرات في المحافظات الجنوبية للمطالبة بطرد قوات العدو الاماراتي ومليشياته العميلة.
لعبة الرهانات الخاسرة للعدو بجريمة اغتيال رمز وطني كبير بحجم الرئيس الصماد ترنحت سريعا وكشفت للمجتمع الدولي الوجه القبيح لهذه العصابات المارقة، في حين أنها أكسبت اليمنيين المزيد من الإرادة للصمود والتحدي والاستعداد للرد الموجع .
نعم كانت خسارتنا كبيرة برحيل هذا الرمز الوطني الذي قدم الكثير من موقعه في رأس هرم السلطة بإدارته الوطنية والنزيهة التي كانت موضع إشادة الموالين والخصوم وإدارته المتوازنة التي مكنته من تجاوز الكثير من المنعطفات والأزمات ومحاصرة تداعياتها في صورة قدمته رغم حداثة تجربته السياسية رجل دولة لديه من الإمكانيات والادوات ما يكفي لمواجهة العواصف وقيادة البلد في أحلك الظروف.
لن ينسى اليمنيون هذه التجربة السياسية الرائدة بعدما قدمت لهم دروسا عميقة في الوطنية والنزاهة والتوافق ونظافة اليد فقد كانت بحق الوجه المشرق والنموذج لمرحلة جديدة ولزمان حتما سيأتي.
رحمة الله تغشاك أيها الشهيد.. لا نامت اعين الجبناء .