الثورة /الدين والحياة/خالد عوض/..
جعل فرعون مصر من نفسه صاحب سلطة سياسية ودينية ونصب نفسه وصيا على إيمان وعقول الناس فلا إيمان إلا بإذنه ولا رأي فوق رأيه وادعى الحرص على دين الناس ومعتقدهم، مدعياً أن موسى الكليم صاحب مشروع فساد في الأرض قال تعالى: ” قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ” (123) وقال عز كم قائل: ” وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ”.
فرعون مصر استعلى على الناس ونشر سموم الفرقة بينهم وأفسد حياتهم واستعبدهم بعدة وسائل وأساليب قال تعالى ” بسم الله الرحمن الرحيم :” طسم1/تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ2/نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ3/إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ” وهكذا في كل زمان نجد كثيرا من أصحاب القرار والسلطة السياسية والتوجه الديني المنحرف، نرى نفس التوجه والمشروع وبنظرة متأنية إلى واقع الأمة الإسلامية ندرك أن النموذج الفرعوني والقاروني يتكرر فيها ونجد في هذه الأمة من يسومها سوء العذاب ويمارس بحقها الظلم والفساد السياسي والتضليل باسم الدين وباسم الشعوب ويرفع شعار الحرص على أمن الناس وسكينتهم كما ادعى فرعون قائلا: ” إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ”. هكذا هي شعارات وأكاذيب وأضاليل كل الفراعنة يتخاطبون مع الشعوب بهذا الخطاب ويدغدغون عواطف الجهلة والبسطاء تحت مسمى الحفاظ على أمن المدن من الماكرين والمتآمرين لإقلاق الأمن الداخلي والقومي وهذه اللغة الفرعونية بعناوينها وأساليبها وشعاراتها تبنتها أمريكا في الحرب على أفغانستان ثم على العراق وها هو قرن أمريكا النظام السعودي وخنجر الصهيونية الإمارات وقطر يقومان بذات الدور المضلل للأمم والشعوب ووسيلتهم في ذلك المال والإعلام وكلاب عاوية باسم الدين سيرا على خطى الاستراتيجية الصهيونية الماسونية التي صنعت هذه الانظمة كأداة لها في أمة المليار ونصف المليار مسلم.
لقد استعبد فرعون مصر بني إسرائيل وسامهم سوء العذاب وارتكب بحقهم شتى صنوف التعذيب والتنكيل فانبرى لهذا الفرعون بني الله موسى قال تعالى: ” وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ” فبعد أن ذاقوا ويلات الاستعباد الفرعوني ورزحوا طويلا تحت جبروته ووطأته أذن الله بالنجاة وأمر الله موسى بالذهاب إلى فرعون بالقول اللين (لعله يتذكر أو يخشى) وعرض موسى على فرعون التزكية كمفتاح للهداية والخشية من الله لكنه تكبر وتجبر ولم يقبل أن يكون من المتزكين والمهتدين حتى قاده هواه وكبره إلى محاولة قتل نبي الله موسى فاحتمى وتحصن نبي الله موسى بربه قائلا:” وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ” ورغم وضوح حقيقة فرعون وما هو عليه من كبر وغرور وإفساد وظلم وانسلاخ تام من كل القيم والأخلاق إلا أنه رفع شعار الدين والصلاح ودغدغ عواطف الناس بعناوين جذابة وآسرة لعقول البسطاء كما هو الحال مع فراعنة اليوم وطغاته الذين سنتناول أوجه التقارب والتشابه بينهم وبين فرعون الأمس الذي أوصله ظلمه وطغيانه ليكون للعالمين آية وعبرة قال تعالى:” فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ”.
علماء السوء ودعاة الفتنة وتعبيد الناس للظلمة
من الغايات الكبرى والأسس الهامة لبعثة الأنبياء والرسل هو تعبيد الناس لرب الناس وربط الأمم والشعوب بالله رب العالمين وغرس حقيقة العبودية في حياة الأفراد والمجتمعات وتربيتهم بعد العبودية الكاملة لله على اجتناب الطاغوت والكفر به، وهذه الغاية أكد عليها القرآن الكريم كثيرا ووصف المتحررين من الطاغوت بأنهم أولو العقول والألباب قال تعالى :” وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ”. (الزمر:17،18) وفي بيان آخر لحكمة بعثة الرسل يقول تعالى :” وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ”. معناه: كل داعي ضلالة وطغيان من شياطين الجن والإنس ويقول الإمام القاسم بن إبراهيم: الطاغوت: كل من أطغى وأضل عن الحق، واجتنابه يعني عدم القرب منه أو الاستماع له والانصياع لأوامره والرضا بحكمه وإلباسه قميص الشرعية وولاية الأمر تحت أي ظرف أو اعتبار وعنوان ديني أو سياسي أو أممي.
إن كل متكبر يجب أن تحذره الشعوب وتدرك خطره وتستعيذ بالله منه اقتداء بنبي الله موسى، وكل فرعون أو متفرعن هو طاغوت أو طاغية يمارس الضلال كما كان فرعون قديماً وكما هو حال فراعنة عصرنا من ملوك وأنظمة وحكام يدَّعون الإسلام ويظهرون أو يتمظهرون بمظهر الحرص على الدين كما كان فرعون الذي ادعى حرصه واهتمامه بالدين والصلاح ومواجهة الفساد والمفسدين، يقصد بذلك موسى عليه السلام قال تعالى:” وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ”.
إن العاقبة لعدم اجتناب الطواغيت والظلمة والطغاة ومواجهتهم وامتثال أمر الله بمقاطعتهم هو التيهان والضياع والضلال والتبعية المذلة في الدنيا والعذاب الأليم والخزي الدائم في الآخرة كما أخبر بذلك القرآن، قال تعالى: “وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى” (طه:79) وقال تعالى: ” يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ”.
وبين تعالى أن الاعتصام به والكفر بالطاغوت سبيل وسبب للتوفيق واستحقاق الألطاف من الله وحسن الرعاية والهداية إلى الصراط المستقيم قال تعالى :” فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (البقرة) فالكفر بطغيان الطواغيت ورفض فرعنة الفراعنة من البشر برهان على الإيمان الصحيح والعبودية الخالصة والكاملة لله رب العالمين.
هكذا يريد الله من كل فرد ومجتمع وأمة، يريد منهم ويوجب عليهم أن يكونوا له عابدين وبه مستعينين ولهدايته طالبين وفي مرضاته راغبين وفي سبيله مجاهدين ولجنته عاشقين لا تهوي بهم الأهواء في مهاوي العبودية للهوى ولا تتحكم فيهم النزوات والنزعات الشيطانية ولا يسكتون أو يحايدون أمام استخفاف الفراعنة والطواغيت لأن عاقبة الصمت واللامبالاة أمام استغفال أو استحقار واستحمار الأنظمة الحاكمة للشعوب هو الانتقام والمؤاخذة الإلهية بحق الجميع، وهذا ما قصه القرآن الكريم على المؤمنين الواعين بقوله تعالى:” فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ”.
لكن علماء السوء ودعاة البلاد دجنوا الشعوب وجعلوها شعوبا مغلوبة مقهورة ليس لها من معنى العبودية إلا الصورة الشكلية والعبادة الصورية، عبودية تقتصر على أداء الشعائر التعبدية ولا تكترث أو تهتم بغيرها كالكفر بالطاغوت ومواجهة الظلمة والفجرة والفساق الذين يمارسون كل صنوف الفساد والإفساد في الأرض حتى وصلت الجرأة والوقاحة بأحد دعاة الفتنة من الوهابية أن يبرر بذخ وترف الملوك واستئثارهم بمال الله قائلا:فلو أن ولاة الأمور سكنوا القصور الفخمة وركبوا السيارات المريحة ولبسوا أحسن الثياب وتزوجوا وصار عندهم الإماء وتنعموا في الدنيا أكبر تنعم والناس سواهم في بؤس وشقاء وجوع فعليهم السمع والطاعة لأننا لنا شيء والولاة لهم شيء آخر .شرح رياض الصاحين لمحمد بن صالح عثيمين المجلد الثالث صفحة 659 طبعة عام 1425هـ، ويقول هذا في شرحه للعقيدة الوسطية في المجلد الثاني ص 336 الطبعة السادسة جمادى الأولى 1421 هجري دار ابن الجوزي، يقول بن عثيمين : فأهل السنة رحمهم الله يخالفون أهل البدع تماماً فيرون إقامة الحج مع الأمير وإن كان من أفسق عباد الله .. فهم يرون إقامة الحج مع الأمراء وإن كانوا فساقا حتى وإن كانوا يشربون الخمر في الحج لا يقولون :هذا إمام فاجر لا نقبل إمامته لأنهم يرون أن طاعة ولي الأمر واجبة وإن كان فاسقا .
وأمام ما تعانيه وتقاسيه الأمة الإسلامية والعربية من مشاريع الفراعنة ووصاية الطواغيت وسطوتهم وما يمارسونه من سياسة ظالمة وينفذونه من حكم جائر وتحاكم إلى الطاغوت وقتال في سبيله وتحت رايته- كما هو الحال مع الأنظمة الخليجية وفي مقدمتها نظام قرن الشيطان الفرعوني القاروني الذي يمارس الظلم السياسي والاقتصادي وينشر الفساد الأخلاقي في الأرض في شتى مجالات ونواحي الحياة، لابد من عودة الوعي بمفاهيم القرآن والرجوع إليه كمنقذ ومخلص ومشروع حياة ومفتاح كرامة للمؤمنين المستضعفين ومصدر الهام لهم للخروج من ظلمات الجهل والقهر والاستبداد وسياسة الفراعنة القائمة على التفرقة والفتنة بين الشعوب والتي تستمد بقاءها وديمومتها من انتهاج سياسة التضليل على الشعوب ورفع شعارات وعناوين ظاهرها الرحمة والخير والعدل والمساواة وباطنها القسوة والظلم.
إن المسلم لو رتل وتدبر الآيات القرآنية التي تتكلم عن فرعون ووقف عندها وقفة تفهم واستبصار لعلم وأيقن أن هذه الآيات التي تتكلم عن فرعون تتكرر في أكثر من سورة إنها ليست مجرد سرد قصصي خال من الدلالات والرسائل والمفاهيم الحية التي تجعل الأفراد والمجتمعات المسلمة في حصانة ومناعة من تسليط الظلمة والمفسدين على رقاب الأمة مهما كانت العناوين والشعارات المرفوعة.
إن المؤمنين الأحرار والمصلحين الأخيار من آل محمد وغيرهم عندما تحركوا رافضين للظلم منابذين للفجار والفسقة رماهم خصومهم بتهمة حب السلطة والرغبة في الملك والحكم، وهذه التهمة هي التي يستخدمها ملوك الخليج وتياراتهم الدينية عبر مراحل التاريخ حتى وصلت الجرأة بابن تيمية أن يتهم الإمام عليا بذات التهمة وكذلك يزيد بن معاوية فرعون عصره ادعى وافترى على الإمام الحسين بأنه خرج طلبا للرئاسة والحكم، وهكذا يفتري الإخوانيون الوهابيون والتيارات السلفية المرتبطة بالأنظمة الخليجية يتهمون الصالحين المصلحين والباذلين مهجهم في سبيل الحق والعدل بأنهم طلاب دنيا وكرسي، وهكذا هي العقلية الفرعونية في كل زمان قال تعالى:” فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ”.
فهذه هي التهم والمزاعم ذاتها تتكرر ويتهم بها أزهد عباد الله وأتقاهم وأزكاهم من آل بيت النبوة ومحبوهم والسائرون على خطاهم وفي دربهم، فعلى كل مسلم يريد النجاة ويسعى للكرامة والحرية أن يتدبر القرآن وأن يدرك خطورة أساليب الفراعنة الطواغيت في هذا الزمن الذي يستوجب من كل مسلم البصيرة والوعي والتأمل جيداً في ممارسات ومخططات ومشاريع الأعراب الذين يظهرون بمظهر موسى في القول والتنظير لكنهم يمارسون ممارسة فرعون وقارون وهامان وبلعام بن باعوراء ومعاوية ويزيد.
ويزيد اليمن هو الدنبوع هادي وقارون العصر هم آل سعود وفرعونه هي أمريكا.