أكذوبة حظر النفط والبطولات السعودية الوهمية

إيهاب شوقي *
في كل محطة تحاول المملكة السعودية انتزاع لقب زعيمة العرب والأمة الإسلامية!
ورغم كل الممارسات المخزية بداية من الحرب على قوى التحرر الوطني وصولا للحرب على المقاومة وقيادة التفريط في القضايا المركزية وعلى رأسها القدس، تحاول المملكة الإيحاء بأنها نصيرة العرب والفلسطينيين!
ومن الأكاذيب الكبرى والتي بكل أسف ترددها بعض المنابر المحسوبة على التحرر الوطني والمنحازة للمقاومة، أكذوبة حظر البترول ودور السعودية والملك فيصل في هذا باعتبارها نقطة بيضاء في ثوب أسود.
إلا أن الحقيقة هو أن الثوب أسود بالكامل، وأن هذه الأكذوبة كشفت الوثائق ومعها الشواهد أنها كانت أكبر خدمة لأمريكا وأنها مؤامرة دبرت في ليل!
شهادات
يقول وليام انجدال في كتاب قرن من الحرب: سياسات النفط الانجلو الأمريكية والنظام العالمي الجديد:
“وعقدت الخزانة الأمريكية سرا مع مؤسسة النقد العربي السعودي اتفاقا يتم بموجبه استثمار جزء كبير من عائدات إرباح البترول الناتجة عن الأزمة في تمويل العجز الاقتصادي للحكومة الأمريكية. وتم إرسال أحد كبار المصرفيين لإعطاء النصح لمؤسسة النقد السعودية لتوجيه الأموال لبنوك نيويورك ولندن.”
وفي فقرة أخرى:
هذه الضربة العبقرية لم تكن فقط ذات فائدة ضخمة للمصالح المصرفية الأمريكية والبريطانية بل للأخوات السبع أو شركات النفط العملاقة البريطانية والأمريكية (اكسون – تكساكو – موبيل – شيفرون – جلف – بريتيش بتروليوم – رويال دتش – شيل
تقرير بلومبرج للكاتب سيومبرج:
“في تموز (يوليو) 1974 قام ويليام سيمون، وزير الخزانة الأمريكي المعين حديثًا، ونائبه جيري بارسكي، برحلة استمرت أسبوعين وصفت بأنها جولة في الدبلوماسية الاقتصادية في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط ، مليئة بالاجتماعات واللقاءات المعتادة والمآدب المسائية. لكن المهمة الحقيقية، التي بقيت على ثقة تامة داخل الدائرة الداخلية للرئيس ريتشارد نيكسون، ستتم خلال توقف لمدة أربعة أيام في مدينة جدة الساحلية، بالمملكة العربية السعودية.
الهدف: تحييد النفط الخام كسلاح اقتصادي وإيجاد طريقة لإقناع مملكة معادية بتمويل العجز المتزايد في أمريكا بثروتها البتر ودولار المكتشفة حديثا. وطبقاً لبارسكي، فقد أوضح نيكسون أنه لم يكن هناك أي احتمال للفشل في المهمة وانه غير مسموح بذلك، فلن يعرقل الفشل صحة الولايات المتحدة المالية فحسب، بل يمكن أن يمنح الاتحاد السوفياتي فرصة لفتح المزيد من التقدم في العالم العربي.
وقال بارسكي (73 عاما) وهو أحد المسؤولين القلائل مع سيمون خلال المحادثات السعودية “لم يكن الأمر يتعلق بما إذا كان يمكن القيام بذلك أم لا يمكن القيام به.”
كان الإطار الأساسي بسيطا بشكل لافت، سوف تشتري الولايات المتحدة النفط من السعودية وتزود المملكة بالمساعدة العسكرية والمعدات. وبالمقابل، فإن السعوديين سيجنون مليارات من عائداتهم من البترودولار مرة أخرى في سندات الخزانة ويمولون الإنفاق الأمريكي.
وقال بارسكي إن الأمر استغرق عدة اجتماعات متابعة سرية لتصفية كل التفاصيل. لكن في نهاية شهور من المفاوضات، بقيت هناك نقطة صغيرة، لكنها حاسمة، حيث طالب الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود بإبقاء شراء وزارة الخزانة “سرياً تماماً” ، وفقاً لوثيقة دبلوماسية حصلت عليها بلومبرغ من قاعدة بيانات المحفوظات الوطنية.
في عام 1974، كان تأسيس هذه العلاقة السرية، وفقاً لبارسكي، الذي يشغل الآن منصب رئيس مجموعة أورورا كابيتال، وهي شركة أسهم خاصة في لوس أنجلوس.
والعديد من حلفاء أمريكا، بما في ذلك المملكة المتحدة واليابان، كانوا يعتمدون بشكل كبير على النفط السعودي ويتسابقون بهدوء على المملكة لإعادة استثمار الأموال في اقتصاداتهم.
تقرير سبوتنيك
في فترة وجيزة من انهيار معيار بريتون وودز الذهبي في أوائل السبعينات، عندما تخلت الولايات المتحدة من جانب واحد عن معيار الذهب الذي ربط قيمة الدولار بسعر الذهب، وجعلت جميع العملات الأخرى مربوطة بالدولار، اتفقت الولايات المتحدة على التعامل مع المملكة العربية السعودية لتوحيد أسعار النفط بالدولار.
تذكر الصحيفة التركية المحافظة يني شفق أن وزير الخارجية هنري كيسنجر، قام بزيارة سرية للمملكة العربية السعودية في وقت مبكر من عام 1972، لإصلاح وتحديد ما أصبح في وقت لاحق يسمى “نظام البترودولار وإعادة تدوير البترودولار”.
وربما يكون كيسنجر قد أبرم صفقة تقبل بموجبها المملكة العربية السعودية رسمياً جعل الدولارات فقط مقابل كل مبيعاتها النفطية، وسوف تمارس سلطتها على المنطقة العربية لضمان قيام المصدرين الخليجيين الآخرين بالشيء ذاته.
وستقوم المملكة العربية السعودية حينئذ بإتاحة ووضع “فائض السيولة”، في نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بدءاً من البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.
وبالتالي، فإن نظام إعادة تدوير البترودولار رفع الدولار الأمريكي إلى العملة الاحتياطية الأولى في العالم وحقق مزايا هائلة للولايات المتحدة.
في جميع أنحاء العالم، فإن أي مشتر ومستورد للنفط العربي سيحتاج أولاً لشراء الدولارات، مما يضمن الطلب العالمي القوي على العملة الأمريكية.
وثانيا، فإن الفائض أو المبالغ غير المنفقة التي ستراكمها كل ولاية في خزينة الدولة يجب أن “يعاد تدويرها”.
وينفق هذا الفائض من الدولارات على الاستهلاك المحلي، والإقراض في الخارج لتلبية ميزان مدفوعات الدول النامية، أو الاستثمار في الأصول المقومة بالدولار الأمريكي.
هذه النقطة الأخيرة، هي الأكثر فائدة للدولار الأمريكي. ومع عودة البترودولارات إلى الولايات المتحدة، يتم استخدام هذه الدولارات المعاد تدويرها لشراء الأوراق المالية الأمريكية (مثل سندات الخزانة)، ما يخلق سيولة في الأسواق المالية، ويبقي أسعار الفائدة منخفضة ويشجع النمو غير التضخمي.
مشاورات السادات وكيسنجر تكشف زيف الصراع
1. كشفت وثيقة أمريكية تعود لأبريل عام 1973 نشرتها جريدة الوطن المصرية، أن الرئيس محمد أنور السادات أرسل وزير خارجيته الدكتور محمد حسن الزيات قبيل هذا التاريخ بقليل ليطلب من شاه إيران أن يتوسط لدى الرئيس الأمريكي وقتها ريتشارد نيكسون ليقوم بمبادرة للتسوية السلمية بين مصر وإسرائيل تجنباً للخيار العسكري. وطبقاً للوثيقة -وهى خطاب سرى من السفير الأمريكي في طهران ريتشارد هيلمز إلى مستشار الأمن القومي وقتها هنري كيسنجر- فإن “الزيات” بدا متلهفا على الوساطة الأمريكية نظرا لرغبة السادات في تجنب الحرب التي لا يستطيع تأجيلها أكثر من ذلك خوفا من سيطرة جماعة الإخوان على الجيش.. وطبقا للوثيقة -التي أفرجت عنها الخارجية الأمريكية في عام 2008 ولم تنشر باللغة العربية- فإن الشاه بدا متعاطفا مع المأزق المصري رغم التنافس الإقليمي بين الدولتين على قيادة المنطقة، ولكنه حذر القيادة المصرية من أي محاولة متهورة لعبور القناة لأن ذلك سيكون انتحارا للمصريين.
2. يرصد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه أكتوبر 73 السلاح والسياسة، محاولتين للسادات للتواصل مع الأمريكان، أولاهما عبر القناة السعودية، متمثلة في لقاء جمعه مع كمال أدهم، رئيس المخابرات السعودية، وصلة الوصل بين المملكة وبين المخابرات المركزية الأمريكية. وانتهى اللقاء دون أن يحقق السادات المرجو منه، لأن أدهم قال له ما ملخصه “إن الأمريكيين منزعجون من الوجود السوفياتي في مصر، وأن أي اقتراب لهم من أزمة الشرق الأوسط سوف يظل محكوما بهذا الانزعاج”.
المنافع السعودية والأمريكية
أحسن الكاتب هشام الهاشمي الإيجاز والتلخيص للمنافع السعودية من الحظر كما يلي:
بمجرد اندلاع حرب أكتوبر 1973 وبدء الحظر، تم رفع أسعار النفط من 3 إلى 12 دولارًا للبرميل، وشكلت تلك الطفرة للسعودية والخليج بداية تكوين ثروات واسعة.
تم تتويج الملك فيصل على عرش الزعامة العربية بادعاء أنه قد استطاع مواجهة أقوى دولة في العالم وتركيعها كما صور الإعلام، وهو ما سعى إليه فيصل بمواجهة عبد الناصر، وسانده الأمريكان للوصول إلى تلك المكانة ولكنهم فشلوا في ظل وجود عبد الناصر، وتحقق لهم ذلك بعد وفاته.
التقليل من شأن النصر الذي تحقق بسواعد ودماء المصريين والسوريين، بادعاء أن النصر تحقق بالنفط لا بالدم، كعنصر سيكولوجي كان يجب تحطيمه لصالح العقدة السعودية بأنهم يجب أن يكونوا الأقوى والأهم.
أثبتت السعودية للأمريكيين أنها حليف يمكن الاعتماد عليه.
ويفضي ما سبق من شواهد ووثائق إلى رؤية مفادها أن حظر النفط ليس عملًا عربيًّا أو سعوديًّا خالصًا، بل إن شواهده تنبئ بأن هذا العمل كان مدفوعًا بالتحريض الأمريكي على رفع الأسعار لتحقيق المصالح الأمريكية، وخلق الحالة التي تسمح بإبطال قوانين البيئة المعوقة لإنتاج الطاقة ولضرب الاقتصاديات الأوروبية واليابانية لصالح إنعاش الاقتصاد الأمريكي، ومما انبنى عليه كذلك أن السعودية كانت منفذًا لخطة أمريكية حازت منها على كثيرٍ من الفوائد، وحاز فيصل على إثرها لقب زعيم العرب وقائد معركة البترول.
*كاتب مصري

قد يعجبك ايضا