كتب | منذر المقطري
“استثمرنا في المساجد والمدارس لنشر الوهابية بطلب من حلفاءنا لمواجهة الاتحاد السوفييتي”..
بهذه العبارات رد وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان على تساؤل الصحفي في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية عن سبب الانتشار الواسع للمذهب الوهابي المتشدد والذي تتبناه المملكة.
قائلاً إن الرياض امتثلت لطلب حلفائها في استخدام مواردها المالية في منع تمدد السوفييت للدول الإسلامية.
ففي ثمانينيات القرن الماضي قامت المملكة العربية السعودية بتمويل واستنفار الشبان العرب والأفغان للجهاد في أفغانستان “نصرة للمسلمين” فيما عُرف لاحقاً بـ “الجهاد الأفغاني”، وبمباركة أمريكية وترحيب وتسهيل دولي لوصول “المجاهدين” والمقاتلين.
تقول وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون: “بمباركة الرئيس ريغان وبموافقة الكونغرس بقيادة الحزب الديمقراطي قمنا بالتعامل مع المخابرات الباكستانية ودعمنا تجنيد هؤلاء المجاهدين من السعودية وأماكن أُخْرَى.. لقد استوردنا العلامة الوهابية للإسلام للإجهاز على الاتحاد السوفييتي”.
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 90م كان من الصعوبة بمكان كبح جماح هذا الحماس الإسلامي الممول سعودياً وبمباركة أمريكية، فالمعركة بالنسبة اليهم كان أكبر من أفغانستان.
فالسعوديون عملوا على تفجير طاقات هائلة جنّدوا لها الكثير من القدرات العسكرية والمالية الضخمة مسنودة بفتاوى الجهاد المعدة حسب الطلب، سَرعانَ من ارتدت آثاره عليها تقول في ذلك الوزيرة السابقة كلينتون: “في النهاية انسحب السوفييت.. لم يكن استثماراً سيئاً، فقد اسقطنا الاتحاد السوفييتي ولكن علينا أن نوقن أن ما نزرعه فسوف نحصده”.
لا يخفى على أحد مخرجات الفكر الوهابي التكفيري وَآثاره الكارثية على المنطقة تكفيراً وذبحاً وقتلاً وتفجيراً في شوارع سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها.
ليس ذلك فحسب، فالسعودية استطاعت في ذلك الوقت أن تحرف بوصلة الصراع الرئيسية للأُمَّـة العربية والإسلامية عن عدوها الأزلي “إسرائيل” محولة إياه إلى أفغانستان، فقد كان الأجدر بهذه الامكانات العسكرية والمالية الهائلة المسخرة خدمةً للأمريكي أن توجه إلى فلسطين من أجل قضيتنا الأولى.
اللافتُ للانتباه أن الرياض اتّجهت بعد عدوانها على بلادنا إلى تأسيس تحالف عربي “سُني” لمحاربة ما يسمى بالإرهاب ضم كلاً من مصر، تركيا، وباكستان يعبر عن بُعدها الأيديولوجي في المرحلة القادمة، ويوحي كذلك بطبيعة الصراع الذي سيأخذ شكلاً مذهبياً، فالسعوديّةُ تتبنى خطاباً يشتغلُّ على الفَرْز الطائفي للأُمَّـة، بحيث تتحول معادلة الصراع العربي الإسرائيلي كتناقض تأريخي وأزلي؛ ليحل محلها معادلة الصراع السني الشيعي ويحل بذلك الخطر الإيراني مكان الخطر الإسرائيلي في سلم اولويات الأُمَّـة وليصبح المحتل ليس الكيان الصهيوني بل الاخر المختلف طائفياً.
لذلك أَصْبَــح من الرائج أن نسمعَ بـ”الاحتلال الحوثي الإيراني” وأن يتم تسخير المليارات من الدولارات وجلب جيوش من المرتزقة المحليين والأجانب لتحرير البلد من هذا “الاحتلال”.
فيما يطفو على السطح ملامح تقارب سعودي إسرائيلي عبر عنه الزيارات واللقاءات المتبادلة بين المسؤولين السعوديين والإسرائيليين، تجلّى عنه عرض رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية غادي ايزنكوت تبادل المعلومات العسكرية حول إيران (العدو المشترك)، حد تعبير المسؤول الإسرائيلي.
كذلك تصريح وزير الأمن الإسرائيلي السابق موشيه يعالون: “ليس من الصدفة أن نسمعَ الجبير يتحدث بالعربية ما نقوله نحن بالعبرية”.
يتمُّ في نفس التوقيت التطبيع بشكل علني مع الكيان الصهيوني الغاصب أمام وسائل الإعلام جهاراً نهاراً دونما أدنى استنكار على المستويين الرسمي والشعبي.
إنَّ الدورَ الذي يقومُ به السعودي في المنطقة دور مشبوه يخدم الأجندة الأمريكية الإسرائيلية ومطامعها الاستعمارية عبر خلق صراع طائفي تنشغل بها الأُمَّـة عن عدوها الرئيسي وقضيتها المركزية.
إن المعركة اليوم هي معركة وعي قبل أن تكونَ معركةَ البنادق والصواريخ.
يقولُ السيد حسين بدرالدين الحوثي: “إذَا كان ولا بد كما هو الحال بالنسبة لواقعنا والأُمَّـة في مواجهة صريحة مع اليهود والنصارى مع أمريكا وإسرائيل ونحن في زمن التضليل فيه بلغ ذروته في أساليبه الماكرة في وسائله الخبيثة في خداعه الشديد فإنَّ المواجهة تتطلب جُنْداً يكونون على مستوىً عالٍ من الوعي”.