عن الحوار والمشترك الإنساني
محمد ناجي أحمد
يلتقي الليبرالي والاشتراكي في الإيمان بحق الحياة ،وحق التفكير وحق العبادة ،وحق العمل ،وحق الانتقال –مع مقاصد الشريعة الخمسة التي من أجلها وضعت الشريعة ،دفاعا عن الحياة والعقل والدين والكرامة الوطنية والعرض والثروات الوطنية ،وحقوق الشعوب في سيادتها على الأرض والأمر والمال .
فإذا قال ماركس بالصراع الطبقي ،وقال القومي بالصراع القومي ،فقد قال الإسلام بالتدافع بين الناس والشعوب .
وإذا رفضت الماركسية تسلط رأس المال ،وانتصرت للعمل والعامل نفقد أكد الإسلام على تجريم وتحريم الاحتكار “كي لا يكون المال دولة بين الأغنياء منكم “وإذا آمن ودعا الماركسي بالعدالة الاجتماعية فإن الإسلام أكد حق السائل والمحروم ،وشراكته في المال ،فدون ذلك تنهار المجتمعات بترف الأغنياء وحرمان الغالبية من الناس.فالناس شركاء في المال والماء والطاقة والأرض .”الماء والنار والكلأ”. والأمان من الخوف ،والشبع من الجوع حق رباني كأساسيات في بناء المجتمعات .
ينبغي أن نؤمن جميعا بمبدأ الحوار في صياغة المشترك الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي ،وذلك يحتاج إلى إيمان وتصديق داخلي (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ،ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) التسليم هو مبتدأ الحوار ،أن نسلم جميعا بأن العقد الجامع بيننا ،العيش بسلام وكرامة ووحدة وطنية جامعة .
كل حوار ناجح ينطلق من رؤية للآفاق وللذات (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ،حتى يتبين لهم الحق ) (وفي الأرض آيات للموقنين ،وفي أنفسهم أفلا يبصرون ).
من معاني الحوار الرجوع والمراجعة ،والأحور هو العقل ،فالحور هو الرجوع عن الشيء وإلى الشيء .واستحاره استنطقه ،والمحاورة مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة .
هناك فرق بين السجال والحوار ،فالسجال يرمي إلى غلبة الخصم والإجهاز عليه ،والحوار هدفه تكوين حقيقة جديدة من القضايا المشتركة ،والنقاش والتسامح الإيجابي ،فالمحاور معين وليس خصما ،إذا عرَّف الخطأ وأظهر له الحق .
شرط الحوار إعادة فهمنا لممارستنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،والاعتراف بأن دورنا لا يكون إلاَّ بوجود الأطراف كلها ،والابتعاد عن المكابرة .
التاريخ الوطني لليمن تراكم في مواجهة الآخر الغازي ، ومن رغبة التميز عن الآخر الغازي والمعتدي كانت الهوية الوطنية تتشكل عبر التاريخ . فتاريخ الغزاة (يعيد نفسه لأن الجغرافيا لا تتغير ) والهوية ليست شيئا آخر غير رد الفعل ضد “الآخر” ونزوع حالم لتأكيد “الأنا” بصورة أقوى وأرحب ” الغرب المتخيل –محمد نور الدين افاية ،المركز الثقافي العربي ،2000م .
من هنا يتشكل حقدنا ضد العدو التاريخي ،ف”المستقبل لا يعود إلاّ لمن يعرف كيف يحقد “كما يقول هيغل .
الحوار الناجح هو الذي ينطلق من أرضية واقعية ،ويواجه الإشكاليات الإقليمية والدولية التي تعمل على تأبيد الأزمة والشقاق بين الأطراف المحلية دون الانطلاق من أرضية واقعية فإن الفوضى والانفجار الاجتماعي سيستمر .
الحوار الحقيقي هو الذي تكون غايته السيادة والتنمية الحقيقية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا .ويخلق ذاتا فاعلة وقادرة على الفعل والتفاعل مع المتغيرات العالمية والتحديات الاقتصادية والسياسية .
يبدأ الحوار بواقع التعدد الذي يراد له أن يكون عائقا ،بدلا من أن يكون عنصر ثراء للتماسك والوحدة . أي الوطنية اليمنية الجامعة .
الحوار يعني المراجعة والانفتاح العقلي والنفسي بين الأطراف الذين يفترض بهم تقبل الحقائق التي نتجت عن الأزمة والحرب .
ومراجعة الأفكار السابقة ،ومقارنتها بما أنتجته الحرب،ومسار الصراع ،فالمراجعة تعني توليد ما هو مشترك وطني بنزاهة وموضوعية ،على أسس التداول السلمي للسلطة والمشاركة في الحكم ،ونبذ تداول السلطة بغلبة وقوة الخارج !
ومن موجبات الحوار الناجح التسليم والاعتراف بالخطأ وعدم التعنت والمكابرة ،وعدم تحويل التعصب إلى عقيدة معاندة لحقائق الواقع الذي أصبحنا فيه .
هناك فرق بين سجال ما سمي بمؤتمر الحوار ،الذي أسس لعدوان إقليمي ودولي واحتراب يمني يمني ،وعمل على تمزيق اليمن إلى جهات متشظية –وبين حوار ينطلق من تحديد أسباب الأزمة الاقتصادية والسياسية في اليمن ،لنعالج منها جوهر الأزمة اليمنية ،ونحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لجموع الجماهير التي خرجت إلى الساحات في 11فبراير 2011م ؛ باحثة عن الكرامة والعيش بأمان الحرية وأمان الاستقرار والمعيشة ،وأمان العمل والإنتاج للحاضر والمستقبل .