الأسباب وانعكاساتها على الحياة
محمد أحمد المؤيد
لكل شيء سبب تسبب في وجوده أو زواله، فلا شيء يصير على هذا الكون الفسيح إلا وله سبب مباشر وغير مباشر في وقوعه وانعدامه، فالحياة على الأرض وما يحدث لها من متغيرات وتقلبات على مدار لحظات الحياة – إن لم نقل في الدقيقة أو الثانية أو الساعة أو اليوم -، ولكن على مدار أقل من اللحظة التي هي أسرع من لحظ أو لمح العين الخاطفة، ففي أقل من اللحظة يحصل في الكون متغيرات عجيبة لايدركها إلا الله سبحانه، وخاصة الأرض منها – كونها مفعمة بالحياة التي لا يستقر لها قرار -، فالمتغيرات تملأ كل لحظات الحياة بلا توقف “ سبحان الله “، ولكن السؤال هنا; هل هذه المتغيرات تصير عشوائيا أم بأسباب ومسببات سببتها وتسببت في حدوثها؟ الجواب : طبعا بأسباب، فكل شيء يحدث على الأرض و الكون الفسيح، له سبب وجود أو حدوث.
ومادام أن كل شيء له سبب حدوث ووجود، فإن له أيضا سبب زوال واندثار أو انعدام، فالشمس أوجدها الله كسراج لتحقيق الرؤية في واقع الأرض، كي يتسنى للمخلوقات العيش عليها، وهي من تمد الأرض بالحياة عبر المادة “ الخضره “، التي لاتنتجها إلا الشمس، فتعمل على اخضرار الأشجار التي بدورها تبعث على الأمل بحياة رغيدة ومتجددة ومستمرة، ومن هنا فالضوء شيء ملموس ومحسوس في واقع الأرض، وسبب هذا الضوء هو الشمس، وكذا الظلام في الليل شيء محسوس وملموس على الأرض، ولكن الشمس جاءت كسبب للضوء على الأرض فلماذا الظلام وهناك سبب للضوء؟ نقول هنا الضوء شيء وسببه الشمس، والظلام شيء سببه انعدام السبب للضوء، أي وجود سبب أثر على وجود السبب للضوء، فبسببه زال سبب آخر أدى إلى الظلام وانعدام الضوء، وهذا دليل قاطع على حدوث ووجود الشيء بسبب، فالهدف في الجول أدخله اللاعب، والحارس أو التسلل هو من دحض الهدف وعطله أو أدى إلى عدم احتسابه كهدف، وكلها أسباب أدت إلى حدوث ووقوع أشياء تباعاً للأسباب المستخدمة.
السبب قد يوجد شيئاً أو يمحو سبباً، ويوجد شيئاً بدل ذلك الشيء، فالحرب سببها ذنوب وغفلة ومعاص وهو بلاء من الله، ورفع هذه الحرب هو ببذل الأسباب التي تدفع أسباب حدوث البلاء، واستبداله بنصر وتمكين من الله، فالتجرد عن المسؤولية الدينية والركون إلى الدنيا وملذاتها وعصيان الله، أوجب حدوث البلاء والامتحان وكالب العدو علينا، وإعداد العدة والرجوع إلى الله والتجرد عن الدنيا وحب الآخرة هو الدافع للبلاء، والسبب المدحض لسبب البلاء ومحدث النصر المبين بفضل الله.
ولذا فكثيرة هي الأمم التي بذلت السبب للنجاح فتوفقت به، بعد أن كانت في خسران وفشل دائمين، فالصين كانت دولة لا تقوم بتمليك أي مواطن من مواطنيها شيئاً، فكل شيء يشتغل فيه الناس، ولكن ليس لهم وإنما للدولة، مقابل توفيرها لهم متطلبات العيش، واستمر الوضع سنين وبقيت الدولة الصينية متأخرة رغم التطورات العالمية المتسارعة، حتى عجزت عن توفير سبل العيش الكريم لمواطنيها وصارت الأزمات تستفحل في أوساط الناس، ولكن من دون جدوى أو حل، فاقترح أحدهم على البرلمان فكرة أن تعيد الدولة للناس أملاكهم وحقوقهم المسجلة بأسمائهم وأسرهم السابقة والفانية، ورفضوا مبدئياً الفكرة وبعد سنين عادوا وناقشوا الموضوع كون الوضع في البلاد وحالة الناس لا تستحمل أكثر من ذلك، ولكن قرروا البدء بولاية صينية واحدة، كعينة يتم تطبيق الفكرة واقعياً عليها، ثم التعميم على كامل البلاد، فنجحت الفكرة نجاحا كبيرا شكل طفرة انتشلت البلاد الصينية إلى ما نراه اليوم فيها كدولة صينية اقتصادية عظمى.
حدثني أحد الزائرين لها، فذهلت لما تسبب به ذلك السبب من فكرة عظيمة، دحضت سبباً سقيماً من تجمد في رأي، وهكذا الأسباب تعمل بالأمم وخاصة مع تقوى ورجوع إلى الله دائمين، وليس كما هو اليوم حادث لأبناء وبنات العرب والمسلمين من التحري والتدقيق على أمور أتفه من أن تذكر لمجرد ذكر فقط ، كما هو حاصل هذه الأيام من ضجة إعلامية عربية على إحدى الساقطات التي أثرت في قلوب الملايين بأسلوب وحركات بارعة ومتقنة ليس لها مثيل وزاد من الفتنة التي أسرت القلوب تلك الموسيقى التي لو سمعها أحدهم من دون حركات ساقطة وكذا غمزتها وجمالها لأثرت في الحمار أو أي دابة لا تفقه الموسيقى (فهي حركات وموسيقى)، ما بالكم والهايمين كثير “البنت أبو غمزة “ وما يعمله الملايين من الشباب العربي المسلم من البحث عن أدق وأعمق الأسباب عن حقيقة تلك الفتاة الهندية السامجة، ومن هي؟ وما لقبها؟ وما المكياج الذي استخدمته؟ ومن الممكيج؟ ومن تحب؟ ومن حبيبها؟ وكيف غمزت؟ ويوثقون في كل الوسائل الإعلامية كل هذه التفاصيل الأكثر من دقيقة، وبالصوت والصورة والفيديو ولكل شيء عنها، الأمر الذي لو عملوا فيه بالبحث والتدقيق عن سبب البلاء على الأمة العربية خاصة والإسلامية عامة، لوصلنا لحلول تحل بفضل الله كل مشاكلنا, وفي أسرع من البرق اللامع “ولا حول ولا قوة إلا بالله”.
تبقى أسباب النصر والتمكين ببذل العدة والعتاد، والبذل والعطاء بلا حدود، من أجل دحض وطمس أسباب البلاء، قال جل شأنه: ﴿وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِباطِ الخَيلِ تُرهِبونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرينَ مِن دونِهِم لا تَعلَمونَهُمُ اللَّهُ يَعلَمُهُم وَما تُنفِقوا مِن شَيءٍ في سَبيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لا تُظلَمونَ﴾ وقال سبحانه : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدامَكُم﴾ وقال جل وعلا: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾ صدق الله العظيم، فنحن أمة فاشلة لسبب ما، ونحن بإذن الله أمة ناجحة وفالحة بسبب وهو الذي سيدحض سبب الفشل.
ولله عاقبة الأمور