(العدوان وحَّدنا) زيف المقولة وخداع الفكرة
إبراهيم محمد الهمداني
حظيت مقولة (العدوان وحَّدنا) برواج واسع وانتشار كبير واحتفاء مبالغ فيه، وتناقلتها وسائل الإعلام المختلفة، وأقلام الكتاب والمبدعين، وأفواه المحللين السياسيين والمهتمين بهذا الشأن من أبناء الشعب، وشاع تداولها على نطاق كبير بين أبناء الوطن جميعاً، على اختلاف مستوياتهم الثقافية والعلمية، وكأنها آخر صيحة في عالم الموضة، أو أحدث نظرية في النقد، أو باكورة نتاج العقل اليمني في مجال الفلسفة، ورغم هذا الرواج الكبير والفضاء المفتوح من التلقي وإعادة الإنتاج، إلاَّ أن هذه المقولة ظلت محتفظة بطابعها الأصلي ومرجعيتها الإيديولوجية، وخصوصية مصدرها، ودلالتها المباشرة عليه لاسواه، وإحالتها المفهومية إليه، بوصفها تعبيراً صريحاً عن تصور ـ صاحب الإمتياز الأول ـ زعيم الفتنة والخيانة، لطبيعة العدوان الصهيوسعوأمريكي على اليمن، وحقيقة موقفه منه، ومن حلفائه على الأرض، مكوِّن أنصار الله والشعب اليمني عموماً، وهي في معناها العميق غير ما تبدو عليه في الظاهر.
تعد هذه المقولة من أكثر المقولات مراوغة وخداعاً وتضليلاً للرأي العام، فهي في معناها السطحي القريب تفيد خبراً تام الفائدة في صورته المجردة وقصديته الحرفية الظاهرة، التي تعكس صورة المجتمع اليمني في صيرورتها إلى الوحدة والإتحاد والتكاتف بين مختلف أطيافه ومكوناته، تلبية لمتطلبات الوضع الحالي والتموضع الراهن، المعُبَّر عنه بصورة مواجهة العدوان الغاشم والعدو المشترك، بحيث لايتجاوز المعنى العام دائرة التصور الإيجابي، الناص على طبيعة الوعي الشعبي بخطورة العدوان، وعبقريته في جعل وحدة الصف والكلمة إستراتيجية للدفاع والمواجهة، رغم ما هنالك من خلافات واختلافات وحسابات شخصية أوحزبية ومصالح فئوية، تم التنازل عنها وتأجيلها إلى ما بعد اندحار وهزيمة العدوان، انطلاقاً من الإيمان بأن الوطن أقدس المقدسات، وحمايته مسئولية الجميع، ومصلحته العامة فوق كل اعتبار أو منظور فردي أو فئوي، وهذا المعنى هو تمام الوطنية ومنتهى الشرف والمجد والشهامة والمروءة والمثالية المطلقة.
غير أن المعنى الخفي ـ المراد ـ غير ذلك، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن هذه المقولة رغم تداولها الواسع وتكرارها اللامتناهي، احتفظت بخصوصيتها المعبرة عن مصدرها، وظلت ثيمة خاصة ولازمة خطابية بزعيم مليشيا الخيانة دالة ـ على عفاش ـ أولاً، وحزب المؤتمر الشعبي العام ـ الذي كان يتزعمه ـ ثانياً، وبذلك تتجاوز المقولة سياقها الإيجابي ومدارها البرئ، لتدل دلالة واضحة على حقيقة موقف عفاش من العدوان ومن شركائه السياسيين والشعب عامة، وهو موقف يخفي في طياته الكثير من الأسرار والمؤامرات والخيانة، وقد تبناه معظم أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام بحكم التبعية والانتماء، غير مدركين أبعاده أو متوغلين في معناه وأعماقه، اما لقلة الوعي أو هروباً من الحقيقة المرة التي ينطوي عليها.
وبهذا تتخذ هذه المقولة مدارا دلاليا آخر، تبعا لسياقها الحقيقي وتموضعاتها الرؤيوية والواقعية، لتفصح عن قدر كبير من الخيانة للشعب والوطن، وقدر أكبر من الكراهية والحقد على الشريك السياسي الجديد – أنصار الله – الذي تعامل مع عفاش كزعيم حزب وشريك سياسي فاعل، بمنتهى المروءة وغاية الأخلاق والتسامح، رغم كل ما ألحقه بهم من أذى بالغ فيما عرف بالحروب الست وما تلاها، ولعل هذا المستوى من الرقي الأخلاقي وسمو المعاملة، هو ما أوغر صدره وجعله أكثر حقدا عليهم، وحدا به إلى تبني هذه المقولة رؤية وموقفا، يرى الفضل في وحدة صفنا وكلمتنا عائد للعدوان، بل هو مكرمة من مكرماته وإحسانه وجميل صنائعه، ولستم أنتم يا أنصار الله بما تملكون من أخلاق وقيم ومبادئ وأساليب تعامل راقية، وليس كل ما قدمتموه لزعيم المؤتمر من تنازلات وما منحتموه من مكانة وإعادة اعتبار، بعد أن كان هو وحزبه عرضا مهملا، يرتاد مدارات الفراغ، خارج نطاق التغطية السياسية والحياتية عامة، ورغم ذلك لا فضل لأنصار الله في شيئ، ولا تعدو الوحدة معهم كونها فعل المجبر المكره، الذي يرى نفسه – من منظور عقدة الأنا – أكبر من أن يتحالف مع الآخر أو يتحد به، وإن كان من فضل في ذلك فهو للعدوان، الذي ارغمنا على الاتحاد بكم لسبب معين وأجل مسمى، وأنه لولا وجود العدوان لما كان هناك اتفاق واتحاد، ولكان موقف عفاش – الذي كان يقود الحزب منفردا – وحزبه من أنصار الله غير هذا الموقف.
وهنا نتساءل: ألم يكن الوطن – أرضا وإنسانا- بكل صور معاناته والمؤمرات والمخاطر التي أحاطت به و….. و…… الخ، سببا مقنعا وكافيا لدى زعيم الخيانة، لتحقيق وحدة حقيقية مع مكون أنصار الله في مواجهة العدوان، تحت أي مسمى سواء أكان دينيا أم وطنيا أم قوميا أو حتى إنسانيا؟؟!!
ألم يكن هذا الوطن – الذي طالما استغله الزعيم وأمعن في إهداره – وهذا الإنسان – الذي طالما أحب الزعيم وأمعن الزعيم في إذلاله – يستحق بعضا من الوفاء ومقابلة جميله بأقل الجميل ؟!
هل كان من المفترض أن يظل قدر ومصير هذا الشعب رهنا لرغبات ونزوات وطيش زعيم الفتنة والخيانة الذي ينتهج مبدأ “أنا ومن بعدي الطوفان” ، وهو مرتهن أساسا لقوى استعمارية إقليمية وعالمية ؟!
طالما تغنى عفاش بمقولته ” العدوان وحدنا ” وليس حب الوطن أو الدفاع عن الوطن، وطالما غازل قوى العدوان في خطاباته، ونظر إلى العملاء والخونة – الذين ارسلهم إلى الرياض من أجل الفلوس حسب قوله – بإعجاب ومحبة وإدلال، وطالما ساند قوى العدوان في تنفيذ مخططاتها بأفعاله، التي ليس أقلها تعطيل الشراكة السياسية، وتأزيم الأوضاع الاقتصادية ورعاية الفساد المالي والإداري، والنكوص عن رفد الجبهات بالمال والرجال، وتحريض الشارع اليمني ضد الحكومة التي يمثل هو وشركاؤه حوالي ثلثيها، وصولا إلى التخابر والتنسيق مع دول العدوان ضد الشعب، ومن ثمَّ الإقدام علناً على فعل الخيانة والتمرد والانقلاب على الشراكة والدعوة إلى الفوضى والاقتتال بين أبناء الشعب، ومد يده لمصافحة دول العدوان، داعياً إلى فتح صفحة جديدة، في انتهاك صريح لتضحيات ودماء وأشلاء الضحايا والشهداء، وصمود واستبسال وصبر هذا الشعب الأبي العزيز، غير عابئ بجنايته الجسيمة بحق الشعب، وبتجنيه الأحمق بحق الشرفاء من حزب المؤتمر، الذين صدموا بموقفه الخياني، ورفضوا أوامره والانسياق وراء جنونه وعمالته وخيانة الوطن، مهما كانت المبررات والذرائع، فاستحقوا بذلك كل الشكر والتقدير والعرفان، على هذا الموقف المشرف، ووقاهم الله خاتمة السوء والعبرة بالخواتيم.
لا فضل لقبح الرذيلة على من يتمسك بجلال الفضيلة، ولا فضل لخبث الباطل في سيادة نقاء الحق، ولا كرامة لمعتدي قاتل في ظهور ملاحم البطولة والفداء، ولا فضل لتحالف العدوان الإجرامي، في وحدة صف وكلمة أبناء هذا الشعب المقاوم.
ترى هل سنسمع مجددا نغمة ” العدوان وحدنا”؟!!!