انحراف الثقافة واستراتيجية التصحيح
د. إسماعيل المحاقري
أرتنا هذه الحرب العدوانية النقيضين في وقت واحد.. فقد أرتنا أولا قوة إيمان شعبنا وقوة ارتباطه بهويته وثقافته وقيمه وأرضه، فتلك الملاحم البطولية التي يصدرها والعزة والكرامه التي يحملها والصبر والجلد التي يبديها تكشف لنا مدى اتصال هذا الشعب بماضيه ورموزه الدينية والجهادية ممن سطروا نفس الملاحم للدفاع عن أوطانهم وقيمهم ولمواجهة رموز الظلم والطغيان.
ومن الناحية الاخرى أرتنا هذه الحرب فئة من أبناء هذا الوطن تحمل قيما وثقافة منسلخة عن تاريخنا وثقافتنا، ثقافة اضاعتهم عن الطريق، وغرست في نفوسهم ثقافة الخسة والعمالة والارتزاق، وعكست طباعا شيطانية منحطة، فقد استدعت العدو وشاركته احتلال أرضها وقتل أبنائها وتدمير مقدراتها وساعدته على تفكيك دولتها واستقدام الجماعات الإرهابية لمصادرة امن الوطن ووحدته واستقراره.
وأمام هذه الحالة نتساءل عن الاسباب التي أوجدت مثل هذا التناقض، وكيفية مواجهة هذه الظاهرة ومنع انتشارها في وعي شبابنا وخصوصا في هذا الظرف الحساس.
الحقيقة إن تلك الثقافة كانت صنيعة عمل دؤوب وممنهج لاعداء الامة في الفترة السابقة عندما ترك الوطن مسرحا لانشطتها مع غياب كامل للثقافة الوطنية والدينية الجادة والصحيحة، فهي نتاج النشاط التضليلي لوعي الامة من قبل الفكر الوهابي، ونتاج الثقافة الرأسمالية المغتنية بالقيم النفعية المتمحورة حول الذات الأنانية اللاهثة وراء اللذة والمصلحة كهدف للحياة، هذه الثقافة الاتية عبر الأطلنطي تحت عنوان (العولمة) وتحت ستار القيم الديمقراطية الزائفة المفرغة من كل مضمون وتحت دعاوى الحقوق المدنية، فقد استطاع العدو بهذه الثقافة ان يفرغ من قلوبنا وذهنيتنا قيم العزة والكرامة وروح الانتماء واستطاع تحت ستار حرية الرأي والتعبير إن يشوه تاريخنا ويحول المعتقدات النضالية إلى مهزلة،ويمس رموزنا وثوابتنا وان يعمل على تطوير العصبيات القبلية والمذهبية …الخ.
كما ان تلك الحالة المؤسفة كانت نتاج ثقافة شيطانية شاركنا نحن في صناعتها تتمثل في ثقافة الفوضى والعشوائية في طريقة إدارتنا للشئون العامة ثقافة تشجيع المسلكيات الانتهازية والتبرير لها، والاعلاء من شأن من يمارسها ثقافة “احمر عين” وكذلك ثقافة القفز على قيم العدالة والمساواة وعدم احترام القواعد والخطط والنظم القانونية التي نضعها.
إستراتيجية التصحيح
تتطلب هذه الظاهرة معالجة سريعة نستنقذ بها شبابنا ونستعيد وعيهم وثقافتهم الأصيلة، ووسيلتنا في ذلك هي الثقافة القرآنية بما تمثله من منهجية فكرية مبنية على أسس دينية وعقلية ومنطقية كفيلة بالقيام بهذا الدور المغيب لفترة طويلة، وكذلك يجب الاهتمام بالثقافة الوطنية لإعادة ربط الشباب بوطنهم وتاريخهم ورموزهم النضالية مع التعريف بحقيقة الافكار والرؤى الوافدة ومنطلقاتها الفلسفية.
والمدخل لهذه المعالجة من وجهة نظرنا هو الاهتمام بالجامعات الاهتمام الجاد والمسئول الذي يرتقي إلى مستوى الضرورة والعمل الجهادي فالجامعات تمثل البوابة للوصول إلى جميع فئات المجتمع. يجب علينا عدم الاكتفاء بالدور الثقافي التي تضطلع به الأجهزة الاعلامية لان غالبية الشباب ليسوا على اتصال كافٍ بهذه الوسائل بل يجب وضع استراتيجية متكاملة لعمليه ثقافيه واسعة داخل الجامعات. بالإضافة إلى تنفيذ خطة اصطلاحية للعملية التعليمية ومراجعة المناهج.
وقد يقول قائل: إن الجامعات سبق لها إن حظيت بعملية إصلاحية منذ بداية الثورة بفضل جهود قيادة التعليم العالي ومن تعاون معها من قيادات الجامعات ولكننا نقول إن آذاننا سمعت مثلكم بهذه الجهود ولكن عيوننا لم تشاهد الا شيئاً أخر يتمثل في تهليل إعلامي وتصرفات تمثل مصادرة للمطلوب وتجسد قيم الفوضى ومع إننا لاننكر أن الجامعات قامت بتنفيذ عدة ندوات وفعاليات أسبوعية الا إننا بحاجة إلى تنفيذ خطه ثقافية واسعة يتم الاعداد لها سلفا انطلاقا من الثقافة القرآنية بعيدا عن الاجتهادات الارتجالية في الطرح ويتم تنفيذها عبر محاضرات ودورات دورية ومنتظمة على إن يتولى تنفيذها جهة معنية بهذا كما هو الحال في العملية التثقيفية التي تنفذها الهيئة النسائية، ويجب إلى جانب ذلك إن يتم تنفيذ عدد من الانشطه الثقافية كالامسيات والصباحيات الشعرية والخطابية وإعداد المسرحيات وعرض المشاهد البطولية التي يرسمها الابطال في ميدان المعارك، على إن يتم ذلك بالتعاون مع الإعلام الحربي والامني.
ومن ناحية ثانية يجب أن يرافق ذلك القيام بعمليه إصلاحية للمناهج ومراجعة مفردات المواد ومعالجة مشاكل الطلاب المزمنة كمشكلة غلاء الكتاب الجامعي وما يقوم به بعض أعضاء هيئة التدريس من المتاجرة فيما يقرره من الكتب على الطلاب وضبط مواعيد الدراسة والامتحانات والتصحيح وإعادة توزيع رسوم الموازي وغيرها من الرسوم التي يدفعها الطالب بما يخدم العملية التعليمية على إن يراعى أهمية أن يتم استخدام رسوم الانشطه الطلابية وهي كثيرة لصالح تنفيذ الانشطة الثقافية وغيرها .
والله من وراء القصد