لا تزال السعودية تتعرض للنقد الغربي على المستويين السياسي والإعلامي؛ على خلفية ، حربها على اليمن وانتهاكات حقوق الإنسان هناك، الأمر الذي لا يقابل بالتفهم من الجانب السعودي، خصوصاً تلك القادمة من الجانب الألماني.
فألمانيا ومنذ بدء الأزمة الخليجية تحذر من تداعياتها على الأمن الإقليمي والدولي وترى فيها “مغامرة” لا مبرر لها، وأدى تصريح لوزير الخارجية، ريغماز غابريل، وصف فيها السياسة السعودية بـ”روح المغامرة” لأزمة دبلوماسية بين البلدين لا تزال مستمرة منذ ثلاثة أشهر حتى الآن.
ولا بوادر لحل هذه الأزمة بين برلين والرياض خاصة أن ريغماز حاول لاحقاً، في ديسمبر الماضي، تخفيف لهجته بتأكيده أن بلاده تريد منطقة مستقرة يُساهم فيها الجميع على نحو بنّاء، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، والتي نُشرت الثلاثاء 21 فبراير 2018، مؤكداً عدم عودة السفير السعودي قبل تشكيل حكومة جديدة في ألمانيا التي تشير التوقعات إلى أن ريغماز سيكون خارجها.
وقال الجبير: “يمكنني أن أقول لكم إننا لسنا سعداء بالتصريحات التي صدرت مؤخراً من الحكومة الألمانية، نريد ضمان أن السعودية لا يتم معاملتها مثل كرة قدم”.
شك وتنبؤات متباينة
حالة من الشك والغموض يعيشها الساسة الألمان من تصرفات الرياض الإقليمية والدولية، خاصة مع صعود محمد بن سلمان لولاية العهد وهيمنته على السياسة السعودية.
الأمير الشاب الذي نحّى ابن عمه الأمير محمد بن نايف عن ولاية العهد، لم يلبث أن أطاح بغالبية الأمراء وذوي النفوذ من حوله تقريباً، فاعتقل 11 أميراً و31 وزيراً في ساعة واحدة، ليبسط بذلك سطوته على المال والسلاح والحكم في البلاد، غير أن هذه الخطوات قد تقوده إلى الانهيار لا إلى الاستقرار، كما يقول محللون غربيون وسلسلة من المقالات الأجنبية التي ضجت بالتعليق والحديث عما يحصل من تحركات صادمة داخل المملكة العربية السعودية.
ويبدو موقف الوزير الألماني متسقاً مع التقرير الذي أصدرته الاستخبارات الخارجية الألمانية عقب حرب اليمن عام 2015، وحذرت فيه مما دعته سياسة “الاندفاع والتسرع” للقيادة السعودية الجديدة.
سباستيان زونس، الخبير في العلاقات الألمانية السعودية، عزز هذه الفكرة بالقول: “هناك إجماع واضح على نقد العمليات العسكرية السعودية في اليمن. في المقابل، لا يسود اتفاق ورأي واحد فيما إذا كانت المملكة عامل استقرار أو عامل زعزعة استقرار في المنطقة، وهنا تكمن المشكلة”.
ولفت في حديث له لوكالة الأنباء الألمانية إلى أن برلين لا تملك سياسة موحدة تجاه السعودية “تمكننا من صياغة مصالح واضحة معها، والبحث عن تسويات معها، وتقوية العلاقات مع الفاعلين السياسيين والثقافيين والاقتصاديين فيها، وكل ما سبق ضروري لبناء علاقات بناءة مع المملكة ومواكبة التحول السياسي فيها”.
الغضب السعودي من التصريحات والمواقف الألمانية وصل إلى حد التهديد بفرض عقوبات على برلين، وهو ما لم يستبعده رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى السعودي، زهير الحارثي.
لكن “زونس” لا يعتقد أن الأمور ستصل لذلك الحد مع السعودية التي تمر بمرحلة تحول على الصعيد الاقتصادي، مبيناً أن “محمد بن سلمان يعتزم جعل الاقتصاد غير معتمد على النفط، ولتحقيق ذلك فهو بحاجة لمستثمرين أجانب، ومن بينهم الألمانيون. يجب تبديد عدم الثقة التي نشأت، وأخذ المخاوف والاحتياجات السعودية بجدية، فالجهل والغطرسة ليسا مفيدين هنا”.
مأزق الترجيح
وكان الموقف الألماني من الأزمة الخليجية لافتاً إذ سارع الوزير زيغماز بعد ساعات من إعلان حصار قطر، في 6 يونيو 2017، إلى تأكيد تضامنه مع قطر، وفي نفس الوقت اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإثارة التوتر في منطقة الخليج.
لكن هناك من يذهب إلى أنه ورغم المواقف المؤيدة لقطر في الأزمة الخليجية، لكن العامل الأهم في ذلك هو طغيان المصالح الاقتصادية كما الحال بالنسبة للعلاقات مع السعودية، وهو ما جعل برلين تحاول مسك العصا من المنتصف، وأداء دور “المصلح” قدر الإمكان.
وهنا يقول “زونس” إن السياسة الخارجية لبرلين “فشلت في صياغة خط واضح ومتماسك للتعامل مع القطريين والسعوديين بشكل متوازن”، مبيناً أن “هذا الأمر يحتاج لتعديل وآمل أن تعيد الحكومة الجديدة، وبشكل مستدام وواضح، تموضعها تجاه هذه المسألة”.
ويصف المحلل الألماني موقف بلاده من الطرفين بـ “المتحفظ”، فهو يراها في مأزق “خاصة أن الوقوف التام إلى جانب الدوحة سيؤدي بالتأكيد إلى مزيد من الاضطرابات في العلاقات مع الرياض”.
وأشار إلى أن ثمة “استثمارات كبيرة من القطريين والسعوديين في ألمانيا، لذلك فإنّ من مصلحة برلين إيجاد تعاون بين هاتين الدولتين”.
وتسببت الأزمة الخليجية بتشتيت آلاف العوائل بفعل قرار دول حصار قطر بسحب مواطنيها من الدوحة، ومعاقبة المتعاملين أو المتعاطفين معها، وهو ما أطلق انتقادات دولية عديدة، فضلاً عن إضرار الأزمة باقتصاد وأمن المنطقة.