ذكرى الشهيد وثقافة التضحية
محمد حمود الحباري
ثلاثة أعوام من القتال الضاري وبذل الغالي والنفيس ومواجهة مختلف الصعاب ولاتزال اليمن صامدة أمام أعتى القوى والأنظمة الاستعمارية والحركات الإرهابية بإرادة صلبة, وعزيمة راسخة, وثبات أسطوري, بفضل تضحيات ودماء الشهداء حيث قدموا أنفسهم وكل ما يملكون فداء للوطن, فسطروا أسمى صور البطولة والإيثار وكتبوا تاريخ اليمن بأحرف من عزة وكرامة وقف العالم مدهوشا أمام صلابتهم وصبرهم وثباتهم واستبسالهم وإيمانهم بعدالة قضيتهم وسيبقون كذلك حتى يتحقق النصر العظيم.
نعم إنهم شهداؤنا من مقاتلينا الميامين الذين تحركوا التحرك الجاد والشاق والرباط والقتال وثبتوا أمام مواجهة الخوف والجوع والضيق والأسر والدماء والأشلاء والبتر والكسر والفقد والتربص والتعب. كل هذه المتاعب يقفون أمامها بكل ثبات وصبر إذ لايتمكن مجتمع من كسر جبروت الطغاة ما لم يحمل الاستعداد للتضحية فثقافة الاستعداد للتضحية هي التي تحمي الأمة وعاقبة التضحية والصمود هي النصر المبين، وهنا لا يسعنا إلا أن نقول لشهدائنا العظماء :
إن النصر منكم ولكم وإليكم وأنتم أهله وأصحابه فهنيئاً لكم به، وهنيئاً لشعبكم بكم، وبوركتم وبوركت تلك السواعد الكريمة التي قاتلتم بها وبوركت تلك الحجور الطاهرة التي تربّيتم فيها، أنتم فخرنا وعزّنا ومن نباهي بكم سائر الأمم “ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون”.
إننا اليوم نستذكر بمزيد من الخشوع والإجلال شهداءنا الأبرار الذين رووا ارض الوطن بفيض دمائهم الزكية، فكانوا نماذج عظيمة للتضحية والفداء.
ونستذكر معهم عوائلهم الكريمة: آباءهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأولادهم وإخوتهم وأخواتهم، أولئك الأعزة الذين فجعوا بأحبتهم فغدوا يقابلون ألم الفراق بمزيد من الصبر والتحمل.
ونستذكر بعزة وشموخ أعزاءنا الجرحى ولا سيما من أصيبوا بالإعاقة الدائمة وهم الشهداء الأحياء الذين شاء الله تعالى أن يبقوا بيننا شهوداً على بطولة شعب واجه أشرار العالم فانتصر عليهم بتضحيات أبنائه.
ونستذكر بإكبار وامتنان جميع المواطنين الكرام الذين ساهموا في رفد الجبهات بأبنائهم المقاتلين وبكل ما يعزز صمودهم، حيث كانوا خير نصير وظهير لهم، في واحدة من أروع صور تلاحم شعب بكافة شرائحه ومكوناته في الدفاع عن عزته وكرامته، باستثناء أولئك الذين سقطوا في مستنقعات العمالة والارتزاق, ونستذكر بالشكر والتقدير كل الذين كان لهم دور فاعل ومساند في هذه الملحمة الكبرى من المفكرين والمثقفين والأطباء والشعراء والكتّاب والإعلاميين وغيرهم من أباة الضيم وطلاب الحرية أن أحرارنا من الشهداء لم يشاركوا في هذه المعركة المقدسة لدنيا ينالونها أو مواقع يحظون بها، فقد هبّوا إلى جبهات القتال استجابة لنداء القيادة السياسية وأداء للواجب الديني حسب قوله (انفروا خفافا وثقالا) واستجابة للدافع والوطني، دفعهم إليه حبهم لليمن واليمنيين وغيرتهم على أعراض وحرمات شعب الإيمان والحكمة من أن تنتهك بأيدي دواعش العصر وحرصهم على صيانة مايجب أن يصان من أن ينالها الإرهابيون بسوء، فكانت نواياهم خالصة من أي مكاسب دنيوية، ومن هنا حظوا باحترام بالغ في نفوس الجميع وأصبح لهم مكانة سامية في مختلف الأوساط الشعبية لا تدانيها مكانة أي حزب أو تيار سياسي، كيف لا . وهم السابقون السابقون .
واجبنا كشعب وحكومة نحوهم :
إن الشهداء الأبرار الذين سقوا أرض اليمن بدمائهم الزكية وارتقوا إلى جنان الخلد مضرجين بها لفي غنىً عنا جميعاً، فهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، ولكن من أدنى درجات الوفاء لهم هو العناية بعوائلهم من الأرامل واليتامى وغيرهم، أن رعاية هؤلاء وتوفير الحياة الكريمة لهم من حيث السكن والصحة والتعليم والنفقات المعيشية وغيرها واجب وطني وأخلاقي وحق لازم في أعناقنا جميعاً، ولن تفلح أمة لا ترعى عوائل شهدائها الذين ضحوا بحياتهم وبذلوا أرواحهم في سبيل عزتها وكرامتها، وهذه المهمة هي بالدرجة الأولى واجب الحكومة ومجلس النواب بأن يوفرا مخصصات مالية وافية لتأمين العيش الكريم لعوائل شهداء العدوان التحالفي بالخصوص، مقدماً على كثير من البنود الأخرى للميزانية العامة.
ما أسعد اليمن وما أسعدنا بكم لقد استرخصتم أرواحكم وبذلتم مهجكم في سبيل بلدكم وشعبكم ومقدساتكم، إننا نعجز عن أن نوفيكم بعض حقكم ولكن الله تعالى سيوفيكم الجزاء الأوفى، وليس لنا إلا ندعوه بأن يزيد في بركاته عليكم ويجزيكم خير جزاء المحسنين.