السعودية و’إسرائيل’ وأمريكا… فشل متبادل للرهانات

 

الثورة/إيهاب شوقي

العلاقات السعودية الإسرائيلية علاقات ممتدة زمنيا رغم كل ما أحاطها من سرية، وممتدة في العمق الاستراتيجي بحيث لا تظهر التسريبات التي تحولت من تسريبات متناثرة ومتباعدة إلى تسريبات متواترة ومكثفة بجميع جوانبها وتنسيقاتها الواقعية.
ورغم التسارع الأخير في تحويلها للعلن إلا أن الأمور يبدو وأنها لا تسير على ما يرام لعدة أسباب منها ما تم إعلانه على هيئة تقارير للأمن القومي الإسرائيلي.
وقبل استعراض بعض الأسباب الواردة في التقارير، يجدر استعراض بعض الأسباب التي عجلت من إعلان التقارب وربما اخفت في طياتها مستويات عالية من التنسيق:
* ربما أهم أسباب إعلان التقارب هي الظروف المتغيرة للإقليم والمتدهورة للقيادة العربية الرسمية تقليديا والمتمثلة في مصر والعراق وسوريا لأسباب متفاوتة، وهو ما مكن السعودية من احتلال مكان قيادي لا تخشى معه معوقات عربية، بل ووضع استثنائي يمكنها من الإملاء على الآخرين ممن ابتعدوا عن المقاومة ومعسكرها.
* الأمر الآخر هو بزوغ نجم محمد بن سلمان والطامح للاستئثار بالحكم، وهو ما يتطلب دعما دوليا استثنائيا، ولا سيما أمريكيا.
* العداء للمقاومة بحكم مصالح المملكة الدائمة والمعتمدة على المعسكر الأمريكي، وقضية العداء لإيران شكّل تبريرا سعوديا للتسارع في الإعلان، أعلن عنه بوضوح وفي صحيفة سعودية في أواخر نوفمبر 2017، عبر رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غادي ايسنكوت في مقابلة مع صحيفة “إيلاف” السعودية، حيث قال أن الرياض مستعدة لتبادل المعلومات مع الإسرائيليين لمواجهة إيران.
كما صرح وزير العدل السعودي السابق محمد بن عبد الكريم عيسى – وهو شريك وثيق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان – لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية أن “هناك أعمال عنف أو إرهاب تحاول التذرع بالإسلام، بما في ذلك في إسرائيل”.
وعلقت وسائل إعلام غربية بالقول ان هذا كان انتقادا نادرا من داخل العالم العربي لهجمات ضد الإسرائيليين.
أما بخصوص التقارير الحديثة والتي تشير إلى ان محمد بن سلمان في طريقه للسقوط وقد يعرض المصالح الإسرائيلية للخطر، رصد مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي مؤشرات فشل ولي العهد السعودي في إدارة الشأن الداخلي وعجزه عن مواجهة التهديدات الخارجية، متوقعا أن يتهاوى استقرار نظام الحكم في السعودية.
وتوقع المركز البحثي، في دراسة صادرة عنه، أعدها كل من مدير المركز، والرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “عاموس يادلين” ومدير وحدة دراسات الخليج في المركز، “يوئيل جوزينسكي”، إلى أن “ما يعزز فرص المس باستقرار نظام الحكم في الرياض، يتمثل في حقيقة أن مظاهر فشل بن سلمان على الصعيد الداخلي، تتزامن مع عجزه عن مواجهة التوسع الإيراني، وعدم قدرته على حسم الحرب المتواصلة في اليمن، التي باتت تهدد العمق السعودي، ناهيك عن المس بمكانة السعودية، جراء فشل الحملة على قطر”.
ورسمت الدراسة سيناريوهات قاتمة لمستقبل نظام الحكم في الرياض، وأوضحت أن ذلك يشكل خطرا على إسرائيل إذا انتقل الحكم هناك الى نظام معاد للسعودية يرث الأموال والأسلحة المكدسة.
هذا التقرير الإسرائيلي عززته شواهد وتحليلات غربية أخرى، وأهمهم ما تزامن مع هذا التقرير مما جاء في مقال الكاتب البريطاني “بيتر أوبورن”، حيث توقع “أوبورن”، في مقال له نشر بموقع “ميدل إيست آي”، أن “بن سلمان” سيسقط تحت وطأة انقلاب يتم تدبيره داخل القصر.. حسب وصفه، مشبها نهايته بأنها ستكون كنهاية شاه إيران.
ولعل هناك سؤال يطرح نفسه، وهو لماذا يبدو ترامب داعما لنظام متهالك تتضافر مؤشرات كثيرة على قرب نهايته؟
ربما الإجابة تبدو سلسة ومفسرة لتناقضات ظاهرة مثل الصمت الأمريكي عن الخلاف القطري السعودي رغم إمكانية إزالته بأمر من ترامب.
ان ترامب يبتز كلا من قطر والسعودية ويستفيد من التناقض، كما ان تصريحات تيلرسون الأخيرة حول توفير الدعم والحماية لقطر وسط احتدام الأزمة تشير إلى أن السعودية تراجعت استراتيجيا في الحسابات الأمريكية، وإنها مجرد بقرة حلوب “كما ورد على لسان ترامب” لامريكا لتقوم بحماية عرشها.
وهناك أسباب غير معلنة في الإعلام العربي، حول موافقة ترامب على الاعتقالات التي يقوم بها محمد بن سلمان، فبخلاف الاستثمارات في الاقتصاد الأمريكي والتي ستدخل الأموال المصادرة من الأمراء فيها، فإن ترامب يستغل هذه المصادرات كجزء من المعركة الداخلية في أمريكا التي تحدث بين النخب!
فكثير من مصادر المال في جبهة كلينتون قائمة على المليارات التي صادرها محمد بن سلمان، إضافة إلى الأسهم في مختلف البنوك الكبرى، وشركات التأمين، ومجموعات النشر، والمجموعات التلفزيونية الأمريكية، وكلها ضد ترامب علنا.
أذن أمريكا تستفيد بعقلية رجل الأعمال من الابتزاز ومن اللعب على التناقضات، ولكنها عمليا تقف عاجزة عن التدخل في تغيير التوازنات الجديدة، ولعل الكاتب فيديريكو بييراتشيني اصاب كثيرا في مقال منشور له على جلوبال ريسيرش، حينما قال انه من المستحيل لواشنطن أن تكون جزءا نشطا في أي صراع في المنطقة، أو تغيير مسار الأحداث بطريقة مجدية. انتهت “نهاية التاريخ” منذ سنوات. نفوذ الولايات المتحدة آخذ في الانخفاض.
وأصاب أكثر عندما قال أن بن سلمان ونتنياهو يواجهان صعوبة في التعامل مع هذه البيئة الجديدة، وإن الوقت ينفد بالنسبة لإسرائيل والسعودية، ويبدو أن المسار الجديد للعالم متعدد الأقطاب، جنبا إلى جنب مع سياسة ترامب الأمريكية الأولى، أصاب بشدة البلدان التي وضعت كل رهاناتها على الهيمنة الاقتصادية والعسكرية المستمرة للولايات المتحدة في المنطقة.
(كاتب عربي من مصر)

قد يعجبك ايضا