¶ معبدا برآن وأوام.. تاريخ مشترك يمتزج فيه الحاكم والمحكوم
الثورة / عبدالباسط النوعة
نتذكر بحرقة وحنين عندما يبدأ الحديث عن تاريخ مدينة مارب ومعالمها الأثرية فهو حديث طويل وشيق لا ينتهي ممزوج بالألم لما حل بالكثير من المواقع والمعالم الأثرية في هذه المحافظة العريقة جراء قصف طائرات العدوان للعديد من المواقع الأثرية الهامة منها مارب الأثرية والسد الأثري وعدد من المعابد القديمة ؛ ومع هذا فنحن أمام واحدة من أقدم المواقع التي احتضنت أعرق حضارة بشهادة علماء التاريخ المعاصر وأساتذته مملكة سبأ وملكتها الأشهر على الإطلاق بلقيس خلفت كنوزا أثرية عظيمة جدا اكتشف الكثير منها ولكن يجزم الكثير من المهتمين والمختصين أن باطن الأرض لا يزال يحوي أسرارا كبيرة عن هذه المملكة في حاضرتها وعاصمتها مارب.
وقبل سنوات تشرفنا بزيارة هذه المحافظة ذات الثراء التاريخي والآثاري الكبير وكانت مواطن زيارتنا طبعا لعدد من أشهر المعالم الآثارية المكتشفة (مدينة مارب القديمة, معبد برآن, معبد أوام, السد القديم) وحقيقة هذه المواقع ورغم ثرائها إلا أنها تعد غيضا من فيض ما تملكه مارب من مواقع التاريخ والحضارة.
معبد عظيم يحيطه الإهمال
عندما استرجعت بنا الذاكرة تفاصيل تلك الرحلة الجميلة وتجزيئاتها الرائعة التي كانت برفقة المعالم الأثرية تراءت بين أعيننا تلك المناظر التي يختلط فيها السلب مع الإيجاب والعظمة مع الأسى في معبد يعد من أرقى وأعظم الاكتشافات الأثرية في اليمن فمعبد برآن الذي ارتبط بواحدة من أشهر النساء اللواتي حكمن ممالك كبيرة وصل صيتها إلى أرجاء المعمورة، هذا المعبد الذي يسمى أيضا عرش بلقيس وجدنا فيه الكثير من الشواهد العظيمة لحضارة عريقة كانت أرقى حضارات الأرض في زمانها ولكن وجدناها تعامل بما لا يليق بها، فالقطع الأثرية من نقوش وأفاريز مرمية من موقع المعبد بشكل لا يليق كما أن السور الذي يفترض أن يكون حامياٍ للمعبد عبارة عن أسلاك هشة من الحديد يسهل اختراقها بسهولة ربما توفر الحماية للمعبد من الحيوانات الأليفة لم نر تلك الإرشادات والتعليمات والتعاريف المفترضة للزوار لكن كل تلك السلبيات لم تثننا عن الاندهاش والإعجاب بتلك المآثر العظيمة في هذا المعبد الرائع.
معبدا برآن وأوام تاريخ مشترك
وما يبعث على الحزن أن الكثيرين لا يستطيعون التفريق بين معبد أوام “معبد الإله المقة” ومعبد برآن عرش بلقيس وتجدهم يخلطون بين المعبدين معبد برآن هو ذلك المعبد الملكي الذي يحوي أربعة أعمدة وعموداٍ خامساٍ مكسوراٍ وتحت هذه الأعمدة توجد سلالم تفضي إلى ساحة المعبد بينما معبد أوام والذي يحوي ستة أعمدة تحيطه الكثبان الرملية بشكل كبير.
ولمعرفة الكثير عن الفروق بين المعبدين التقينا الأخ مهند السياني رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف والذي أوضح أن المعبدين لا يقلان في الأهمية الآثارية عن بعض فكلاهما يمثل قيمة آثارية عظيمة فمعبد برآن ارتبط بالملكة وكبار قيادة دولتها والمعبد الآخر ربما يكون ارتبط بالعامة أكثر وكلاهما قريب من بعض إلى درجة كبيرة جداٍ.
معبد الملكة
ويضيف نائب مدير عام حماية الآثار الأخ عبدالكريم البركاني أن معبد أوام يسمى علميا المعبد البيضاوي لأنه وبحسب الصور الجوية للمعبد يتضح أنه معبد بيضاوي غير منتظم الشكل وغير دائري ولذلك أطلقت عليه البعثة الأمريكية التابعة للمؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان والتي عملت في هذا المعبد لسنوات عديدة بينما معبد برآن الملكي فهو معبد خاص بالملكة بلقيس وعرشها وفيه كانت تجلس ووزراؤها الذين كانوا يجتمعون حولها في الباحة الأمامية للمعبد لتسيير أمور الدولة ولازالت الكراسي الخاصة بالوزراء موجودة في وضعها الطبيعي حتى الآن بالإضافة إلى الملحقات الخاصة بالمعبد سواء تلك المرتبطة بقاعات العرش أو الخاصة بالكهنة وخدام المعبد أو ما يسمى بالساطب وهي أماكن خاصة لوضع التماثيل الحيوانية الكبيرة وأيضاٍ التماثيل الآدمية.
أثناء تجولنا في المعبد وجدنا في ساحة أو باحة المعبد بئر ماء وإلى جوارها مكان كان مخصصاٍ للذبح وتقديم القرابين والنذر.
نقوش عظيمة متروكة في العراء
وحول السلبيات التي وجدناها في المعبد لا سيما ما يتعلق فيها بالنقوش المرمية على الأرض بصورة غير لائقة وكذا السور أكد الأخ مهند السياني أن بعض القطع والنقوش تركت في مواقعها كما هي حتى يجدها الزائر بالشكل الذي كانت عليه وفي وضعها الطبيعي، وأما ما يتعلق بالسور فمن غير الممكن عمل سور حجري أو بناء استحداث في هذا المعبد أو في محيطه والشبك تفي بالغرض والمطلوب صيانتها باستمرار والمفروض أن يتم تشجير المنطقة التي تحيط بالمعبد، من كافة الاتجاهات لأن الأشجار تحافظ على المعبد من زحف الكثبان الرملية إلى المعبد مشيراٍ إلى أن أعمال التنقيب والترميم انتهت في المعبد منذ حوالي أربع سنوات ولكن للأسف الشديد لم تتمكن الهيئة من تجهيز المعبد وإعداده لاستقبال الزوار بالشكل اللائق بسبب عدم توفر الإمكانيات المادية لدى الهيئة.
ويضيف عبدالكريم البركاني إن نقوشاٍ متكاملة وكبيرة وجدت مجزأة تم وضعها بترتيبها الصحيح كما هي في المعبد حتى تكون متاحة للزوار باعتبارها جزءاٍ من المعبد ولأنها كبيرة الأفضل أن تظل في المعبد بدلا من نقلها إلى المتحف كون المعبد محمياٍ بشكل جيد ويقوم عليه حراس يتبعون الهيئة وموظفون رسميون فيها.
أما ما يتعلق بالسور، فقد أكد البركاني أن المفروض أن يكون قوياٍ بما فيه الكفاية فبدلا عن الأسلاك الضعيفة لماذا لا يتم عمل سياج حديدي مدعم وقوي لا يمكن كسره أو اختراقه بسهولة.