عدن .. حرب المليشيا تنتظر الحلول الملغومة
أبو بكر عبدالله
ماراثون الاستقطاب والفرز وإعلان الانشقاقات والتخندق استمر بوتيرة عالية بين مليشيا المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات ومليشيا الفار هادي المدعوم من السعودية في تفاعلات استبقت الحلول الملغومة لتحالف العدوان بانتقال عدواها إلى المحافظات المجاورة لعدن لتتضاءل معها فرص الحل السلمي وسط مخاوف جدية من خطر انزلاق المحافظات الجنوبية كلها في نفق الحرب الأهلية.
كثيرون تحدثوا عن جهود للتهدئة غير أن التداعيات على الأرض اكدت أن لا وجود لأي وساطة من جانب تحالف العدوان السعودي الإماراتي الذي انتهى تدخله ليلة أمس الأول في بالدعوة إلى التهدئة وضبط النفس ليتحول المشهد إلى هدوء ما قبل العاصفة مع تصاعد موجة استقطاب واسعة لمراكز القوة برزت إلى الواجهة في اعلان العديد من التكوينات العسكرية لمليشيا العدوان الانشقاق عن فصيلها وتأييدها الفصيل المناوئ.
ورغم إعلان طرفي الصراع منحهما جهود الوساطة (تحالف العدوان) الفرصة لاحتواء الموقف إلا أنهما اعلنا ذلك فيما العصي خبيئة خلف الظهور، زاد من ذلك استمرار تحالف العدوان في إنتاج معطيات جديدة للصراع التنافسي بين المجلس الانتقالي والفار هادي وحكومته العميلة تنذر كلها بصراع مسلح طويل الأمد.
كل التفاعلات تؤشر إلى ترتيبات ميدانية تسبق جولة قتال ربما ستكون عنيفة، خصوصا مع استمرار مليشيا الفار هادي بالتمترس وتحريكها الوية دبابات وكتائب مرتزقة من محافظات شمالية بالتزامن مع احكام مليشيا المجلس الانتقالي السيطرة على المؤسسات وأكثر مديريات عدن وتقييد حركة انتشار مليشيا الفار هادي وفرضها حصارا على قصر معاشيق ناهيك بإلغائها قرار منع تظاهرة ساحة العروض ودفعها بالمئات من المتظاهرين اليها.
تعكس كل التفاعلات الحاصلة في المشهد الجنوبي المحتقن طبيعة الصراع الخفي المحتدم بين قطبي العدوان (السعودية والإمارات) ما يعني أنهما لن يمنحا الجنوبيين فرصه لالتقاط الانفاس أو الوصول إلى تسويات تحقن الدماء وتجنبهم ويلات الحرب الأهلية.
واستخدام المجلس الانتقالي الطابع السلمي بحشد المتظاهرين من المحافظات الجنوبية إلى ساحة العروض بعدن لم يكن سوى انقلاب ناعم خطط له الغازي الاماراتي للإطاحة بحكومة الفار هادي الذي تورط كثيرا بقراره إقفال الطرق ومنع تنظيم التظاهرة التي دعا اليها المجلس الانتقالي.
يقف طرفا الصراع حاليا في نقطة اللاعودة فالمجلس الانتقالي الجنوبي لديه هدف يريد تحقيقه وهو احداث تغيير يتيح له الحصول على تمثيل حصري لقضية الجنوب في أي مفاوضات أو تسويات قادمة، في حين أن الفار هادي سيبقى متمسكا بحكومته العميلة المفروضة عليه سعوديا سواء في وجود ابن دغر أو سواه.
لقد لخص الرئيس اليمني السابق علي ناصر محمد المشكلة الحاصلة عندما اكد في بيان أنه “لا إسقاط حكومة بن دغر سيحل مشكلة الوطن والمواطن، ولا أي حكومة أخرى ستأتي بعدها يمكنها أن تحل أزمة البلاد والعباد” في إشارة إلى ابتعاد الأطراف المتصارعة عن جوهر المشكلة المتمثل في بقاء المحافظات الجنوبية تحت ربقة احتلال يستخدم أبناء الجنوب أوراقا في معادلة الصراع السعودي الإماراتي.
لم ينصت الجنوبيون في وقت سابق للغة العقل عندما انخرطوا في تحالف العدوان على اليمن وعندما جندوا أبناءهم في صفوف القوات الغازية لاحتلال مناطق شمالية على الشريط الساحلي والمرجح أنهم لن ينصتوا هذه المرة للغة العقل بل أننا سنشهد انخراط الجميع في ماراثون من يفتك بالآخر أولا.
لو غلب هؤلاء لغة العقل هذه المرة وفوتوا الفرصة على العدوان لاشعال اقتتال داخلي في الجنوب فإن لغة التخوين ستبقى حاضرة وستعمل الجيوب ما بوسعها للدفع بالجميع نحو حرب تصفيات واغتيالات تحشر الجنوب كله في موجة اضطرابات أمنية ووضع امني منفلت الكاسب الأول فيه هو قوى العدوان.
لعل أسوأ ما يكمن قراءته في المشهد المحتقن جنوبا هو إمعان التحالف الهمجي في اللعب على وتر التناقضات وإنتاج الحلول الملغوم.. ذلك بدا واضحا في تعاميه عن استعدادات طرفي الصراع لجولة حرب كبيرة ومضيه في تعزيز المليشيا العميلة بشقيها السعودي والإماراتي وتحصينها بالسلاح والعتاد.