في محاضرته الثقافية الخامسة بمناسبة المولد النبوي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات، شعبنا اليمن المسلم العزيز، أمتنا الإسلامية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حديثنا اليوم يتضمن عرضا موجزا جدا عن السيرة النبوية وعن بعض النقاط المتعلقة بطبيعة علاقتنا مع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، مع التنبيه والإشارة إلى أن موضوع السيرة النبوية لم يحظ في الواقع الإسلامي بالاهتمام المطلوب، وكذلك للأسف الشديد فإن الكثير من الكتب والروايات، قد شابها الكثير من الخلل والكثير من الأخطاء وكذلك الخطأ الكبير في المنهجية والنمط الذي اعتمد عليه لدى الكثير في كتابة السيرة النبوية، والحديث عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله هو حديث عن الإسلام وعن الإيمان والعلاقة بالرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله هي علاقة إيمانية، علاقة محبة وإيمان وتعظيم وتوقير واهتداء واتباع واقتداء، ولذلك من المهم لكل مسلم أن يسعى إلى معرفة أكثر عن هذا الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، عن سيرته، بهذا الاعتبار الإيماني وبطبيعة هذه العلاقة الإيمانية، وكلما كانت هذه المعرفة معرفة قوية وصحيحة كان لها أثرها الإيجابي في نفسية الإنسان المؤمن، في الجانب الإيماني نفسه، العلاقة الإيمانية نفسها، كلما ازددت إيمانا وكلما ازددت اهتداء وتأثرا برسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، ويمكن إن شاء الله أن نعقب في كلمة اليوم حول هذا الموضوع بالذات، طبيعة العلاقة مع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
اعتاد المؤرخون وأصحاب السير أن يتحدثوا عن السيرة النبوية وأن يفصلوا المراحل إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى ما قبل البعثة، منذ الولادة إلى حين البعثة، البعثة بالرسالة، المرحلة الثانية منذ البعثة بالرسالة إلى حين الهجرة، وهذا يسمى بالعهد المكي، والمرحلة الثالثة منذ الهجرة إلى حين الوفاة، وهذا يسمى بالعهد المدني، رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله كما أشرنا بالأمس ولد في عام الفيل، وكانت حادثة أصحاب الفيل أول وأكبر الإرهاصات المهمة لهذا القدوم المبارك والميمون، والذي سيحدث الله به أكبر عملية تغيير في الواقع العالمي، ولم تطل الفترة ما بعد حادثة أصحاب الفيل الذين أبادهم الله سبحانه وتعالى كما قص قصتهم في القرآن الكريم حينما قال جل شأنه: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5))، البعض يقدر المدة الزمنية بليلة، البعض بليلتين، البعض بـ40 يوما، مسألة ليست مهمة جدا معرفة متى بالضبط .
من الواضح أنه في بداية ذلك العام لم تكن الفترة الزمنية قد طالت إلى حين ولادة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، رسول الله محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب ابن هاشم من نسل نبي الله إسماعيل ابن إبراهيم خليل الرحمن ونبيه ولد في مكة، في شعب بني هاشم، ولدته أمه آمنة الشريفة وآمنة هذه كانت سيدة نساء قريش ولها منزلتها الكبيرة في ما عرفت به من طهارة وعفة وصلاح، وكذلك أسرتها بني زهرة، حي من أفضل أحياء العرب، ومن خيرة أحياء قريش، فآمنة بنت وهب ولدته كما في كثير من الروايات والأخبار، وكما هو شبه مجمع عليه عند أكبر المؤرخين وأصحاب السير في شهر ربيع الأول، الأكثر على أن ولادته صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله في الـ12 من شهر ربيع، وهذا القول يقول به أكثر المؤرخين أصحاب السير من معظم المذاهب الإسلامية، والبعض منهم ذهبوا إلى أنه ولد يوم الجمعة في السابع عشر من شهر ربيع الأول، كذلك الخلاف حول هذه المسالة ليس مهما.
نحن جرت عادتنا وتوجهنا في بلدنا هذا اليمن على مدى التاريخ، على مدى الزمن الماضي بكله، على الاحتفاء بذكرى المولد النبوي في يوم الـ12 باعتباره التاريخ المعتمد لدينا ولدى علمائنا ومؤرخينا وأصحاب السير لدينا، والعناية بهذه الذكرى في الماضي كانت تشهد نشاطا خيريا يكون فيه اهتمام بالإحسان إلى الناس وصلة الأرحام وما إلى ذلك، وهذه عادة حسنة يجب الاستمرار عليها، إضافة إلى الحديث عن المولد والتذكير بالرسول صلوات الله عليه وعلى آله، والإكثار من الصلاة عليه والعناية أيضا بالحديث عن سيرته، العناية أيضا بالإشادة بذكره والتعظيم لأمره، كل هذا له أهمية وقيمة عظيمة في الإسلام وأهمية كبيرة بالنسبة للإنسان المسلم فيما تعززه من علاقة وروابط قوية بنبي الإسلام، يمكن إن شاء الله أن نشير إلى هذا .
الرسول صلوات الله عليه وعلى آله عندما ولد نشأ يتيما، يتيم الأب أولا، توفي والده ،البعض يقولون أثناء الحمل به، والبعض يقولون بعد ولادته بشهرين، ولكن الكل مجمع على أنه نشأ يتيم الأب، وبعد ولادته بشر به جده عبد المطلب، وعبد المطلب كان له شأن كبير، كان له تأثير على مستوى المنطقة العربية بكلها ويُعظم ويحترم، وكذلك في مكة وسيد قريش، وكان على حنيفية إبراهيم كما يؤثر ويروى موحدا لله سبحانه و تعالى، وكان له العناية بحفر بئر زمزم بعد أن كانت قد طميت منذ فترة تاريخية طويلة، واستخراج مائها من جديد، وعناية بالحج ومكة، وما إلى ذلك.
عبد المطلب عندما بشر بهذا المولود الجديد كان على انتظار بهذا الموعد، وكان فيما يبدو في كثير من الأخبار والآثار، كان مؤملا ومستبشرا في هذا المولود باعتبار أن هناك مؤشرات، والبعض كانوا تحدثوا إليه، كانوا يرون فيه علامات تدل على أن من نسله من سيكون له شأن عظيم بأن يجعله الله سبحانه و تعالى خاتم الأنبياء، فلربما كان توقعه إلى هذا المستوى أن يكون هذا المولود هو النبي الموعود، أو بالحد الأدنى أن لهذا المولود شأنا عظيما وكبيرا جدا لاعتبارات وعلامات وإرهاصات وسنة الله جل شأنه مع أنبيائه أن يحيطهم فيما قبل ولادتهم وأثناء ولادتهم وأثناء نشأتهم بوضع خاص وعناية خاصة تهيئ لهم دورهم المستقبلي العظيم والكبير، عندما مثلا نقرأ في القرآن الكريم عن ولادة عيسى عليه السلام، ولادة موسى عليه السلام، نشأة إبراهيم، إلى غير ذلك، الكل أحيط بعناية خاصة، موسى عليه السلام أحيط بعناية خاصة، وأوحى الله إلى والدته في ترتيبات لضمان حمايته من القتل إلى غير ذلك، أعلمت وأخبرت أمه من الله سبحانه و تعالى بأنه مولودها هذا رسول ونبي عظيم، (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، أُخبرت أمه بذلك، أخبرها الله، أوحى إليها، الملائكة أيضا في قصة عيسى عليه السلام، تخاطبت مع والدته مريم الصديقة عليها السلام، كلمتها الملائكة، وحدثتها وبشرتها، بشرتها وبأن الله سيجعل لك هذا الولد معجزة بولادته من غير أب، وسيكون له شأن عظيم وهو رسول من الله وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين يكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين، ابنك هذا هو كذا وكذا وله شأن عظيم، فبالتأكيد يحاطون بعلامات وأحيانا بأكثر من مسألة العلامات كما في قصة موسى وعيسى بوحي مباشر وخطاب صريح وواضح، كما تحدثت الملائكة مع مريم وكما أوحى الله وحيا مؤكدا وحقيقيا إلى أم موسى عليه السلام: (وَأَوْحَيْنَا إلىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ)، فهذه العلامات التي أحيطت بما قبل ولادة النبي وحين ولادته وقالوا أنه لوحظ عدة إرهاصات تسمى بحسب التعبير في السير إرهاصات، يعني علامات ممهدة ومهيئة في الذهنية العامة أن هذا المولود القادم له شأن خاص، له دور مهم، له شأن عظيم، له دور كبير، تهيئ حتى في الذهن، هذه حكمة من الله ورحمة من الله والله أحكم الحاكمين، “ما بتجي” المسألة يرجع يجي بشخص فجأة، يأتي هذا الشخص ليس هناك أي مقدمات ولا اعتبار ولا أي شيء، قال رسول، دفعة وحدة، رسول من الله، لا، تميز، اعتبارات كثيرة تساعد الناس على التقبل وتقيم الحجة عليهم في نفس الوقت.
عبد المطلب ذهب مستبشرا وفرحا وأخذ هذا الطفل المولود، وذهب به إلى الكعبة تبركا وتيمنا وتقربا إلى الله سبحانه و تعالى بالدعاء هناك، وحمد الله، لأن هذه نعمة كبيرة عليه، أن يرزقه الله بحفيد سيكون خاتم الأنبياء وسيكون سيد الرسل، وسيكون أعظم وأكمل وأرقى إنسان وجد في البشرية منذ آدم إلى نهاية البشرية، هذا شرف كبير، حمد الله واستعاذ بالله على هذا المولود من كل الحاقدين والحاسدين في أبيات شعرية تذكر في السير، وعني به جده عبد المطلب عناية كبيرة من حيث التربية والاهتمام والتفقد والرعاية، وهذه أيضا نعمة من الله، من الأشياء المهمة أنه ينبغي أن لا يغيب في الذهنية، ولا في الحديث ربط كل هذه الرعاية التي أحيط بها رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله بالله سبحانه و تعالى، أنها رعاية من الله وأنها رحمة من الله، وأنها كذلك نعمة من الله سبحانه و تعالى (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى)، الله هو الذي آواه، الله هو الذي هيأ له جدا بمثل عبد المطلب فيما كان عليه من رشد ونضج وفكر وسمو وشرف ومنزلة رفيعة واهتمام كبير، يقدر هذا الطفل، يقدر هذا المولود، يدرك عظمة وأهمية هذا المولود، وفعلا التاريخ يحكي كيف كان عبد المطلب يتعامل مع هذا الطفل في طفولته المبكرة، لأن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله حينما بلغ عمره 6 سنين أيضا توفيت والدته، فأصبح يتيما من جهة الأبوين الأب والأم، لكن بقي يحظى بهذه العناية الكبيرة جدا من جده عبد المطلب وقامت أيضا بدور كبير في العناية به في مرحلة طفولته المبكرة فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب، قال عنها صلوات الله عليه وعلى آله: “إنها كأمي أو إنها أمي”، كان يعتبرها كأمه مما أولته من عناية ورعاية واهتمام في طفولته، فالله يهيئ لأنبيائه ورسله رعاية خاصة وعناية كبيرة تساعد على تأهيلهم نفسيا ومعنويا ومن كل الجوانب بالدور الكبير والمسؤولية الكبيرة التي سيتحملونها في المستقبل.
عندما كان رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله في طفولته ما بعد الست سنوات، كان يعتني به جده عبد المطلب عناية كبيرة جدا وكان من يدنيه ويكرمه لدرجة ملفتة، كان يأتي رسول الله في طفولته المبكرة إلى جده عبد المطلب وهو في فناء الكعبة وقد فرش له هناك، وكان لا يفرش لغيره، لكن لشأنه ومكانته الكبيرة، فيأتي ليجلس مباشرة لجواره أو في حضنه فيذهب أعمامه ليأخذوه، فيقول: “دعوه، دعوا ابني فو الله إن له لشأنا”، نتوسم فيه أن له شأناً عظيماً، كذلك رويت أخبار ورؤى كان يراه عبد المطلب في منامه تبشر بهذا الدور الكبير والعظيم لهذا الطفل الناشئ، توفي جده عبد المطلب وكان يمسي بشيبة الحمد، وكان محط ثناء وإعجاب فيما كان عليه من قيم وشأن كبير في مكة، ولرسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ثمان سنين، ثمان سنوات كان عمر النبي عندما توفي جده عبد المطلب، وعهد عبد المطلب بعد حتى تشاوره مع هذا الطفل الصغير وكفالته إلى أبي طالب، أبو طالب هو عم النبي شقيق والده، لأن عبد المطلب كان له عشرة أبناء أو أحد عشر ابنا في بعض الأخبار والآثار، فهو عبد المطلب كان له هؤلاء الأبناء على أمهات متعددة، فكان أبو طالب وعبد الله شقيقين من أم واحدة كلاهما ابنا عبد المطلب من أم واحدة، عبد الله وأبو طالب، وكان أبو طالب خير أبناء عبد المطلب وأرشدهم وأفضلهم وأكملهم وأعناهم مكانة وقدرا ومنزلة والمؤهل لخلافة والده في الدور والمكانة في مكة المكرمة وفي قريش، وعني أبو طالب أيضا بكل ما يمتلكه من اهتمام ومن تعلق وجداني كبير بهذا المولود المبارك، بهذا الطفل الميمون، عني به عناية كبيرة، بل إنه هو وزوجته فاطمة بنت أسد أوليا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله من الاهتمام الكبير جدا ما يفوق في كل حال عنايتهما بأبنائها، عناية خاصة واهتماماً كبيراً، هناك اهتمام كبير سبق ذلك بتوصيات أساسية ومؤكدة من عبد المطلب نفسه إلى أبي طالب، وهناك أيضا إدراك لأهمية المسألة من أبي طالب، وحاله كحال أبيه عبد المطلب في النظرة المتميزة إلى هذا المولود المبارك، إلى هذا الطفل الميمون وعن دوره المستقبلي العظيم، الذي تشهد له الكثير من الأمارات والدلالات والآيات المهمة جدا، والمؤشرات العظيمة جدا، فعني عناية كبيرة، وكان بينه علاقة حميمية ما بينها وبين ابن أخيه محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، رسول الله نشأ في هذا الجو من الرعاية ومن الاهتمام ومن العناية وهذه ظروف هيأها الله من الله سبحانه و تعالى، أن يهيئ له هذا الجو وأن يحفه بأولئك الذين أولوه كل تلك الرعاية والاهتمام والعاطفة وعوضه عن فقدان أبيه وأمه في يتمه، فكانت رعاية من الله ورحمة من الله ونعمة من الله وتهيئة إلهية من الله سبحانه و تعالى، نشأ نشأة مباركة، أنبته الله نباتا حسنا، ونشأة متميزة فكان سريع النمو، وكان أيضا ذا نضج عجيب، كان ينشأ يكبر، ويكبر معه رشده، فهمه تمييزه حسنه إدراكه، أدبه، وكان ملفتا فيه هذه النشأة المتميزة من حيث النمو السليم والمبارك، بركة في نموه، يكبر “يتبخير”، ينشأ نشأة مميزة، وفي نفس الوقت بنضج كبير وعجيب في الإدراك في الفهم، في حسن التصرف، ولم يكن حاله كحال بقية الصبيان، كحال بقية الصبيان في عبثهم في لهوهم، في نقص الجانب الأخلاقي لديهم مثلا في التعري أو في أي شيء، لا، كان متميزا، كان ملحوظا فيه الحرص على الطهارة، الحرص على صيانة النفس، البعد عن بعض الأشياء التي تنم عن قلة الأدب وعن ضعف الإدراك لدى الصغار والصبيان فكان مبتعدا عن كل الصبيان وعن كل الصغار، نشأة مميزة وتَنُم عن أدب عال وراق وأنه محفوف من الله بتنشئة خاصة، ولديه في نفسه قابلية أودعها الله فيه جل شأنه قابلية عالية، الإمام علي عليه السلام يحكي لنا في نص مهم وعظيم قال: “ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره” فالله سبحانه و تعالى لم يتركه ليكون صنيعة البيئة الجاهلية التي قد تؤثر سلباً في الإنسان، أو كذلك أن يكله إلى تربية الناس بكل ما فيها من القصور تجاه دور ومستقبل كبير وعظيم، تجاه مسؤولية كبيرة وعظيمة جداً تجاه مستوى من المطلوب أن يصل إليه هذا القادم ليكون هو في الذروة بين كل البشر يبلغ إلى حيث لم يبلغ إليه بشر ولم يصل إليه بشر من الكمال الإنساني، فالرسول صلوات الله عليه وعلى آله حظي بهذه الرعاية الإلهية فنشأ نشأة مباركة، وأنبته الله نباتاً حسناً.
في مرحلة الشباب في بداية الشباب كذلك، كان متميزاً ولم يتأثر بكل تلك البئية الجاهلية في مكة وفي غير مكة، فلم يسجدْ لصنمٍ قط، ولم يدنّس نفسه بأيٍ من دنس الجاهلية، كان الوضع في الجاهلية فوضى، فوضى شاملة، المفاسد الأخلاقية العُريّ التصرفات الباطلة والسيئة البغي التظالم الانحطاط الأخلاقي، سلبيات كثيرة جداً كانت قائمة، حالة من الانفلات وغير الالتزام والانضباط لا لشرع ولا لدين ولا لملة، فوضى قائمة، فكان بعيداً عن التأثر بذلك الجو العام، وقليلٌ من الناس من يكونون على هذا النحو فيتأثر بجو وبيئة عامة وطاغية في بلده في منطقته بين قومه لكنه نشأ نشأة مختلفة، ولوحظ فيه أنه لم يكن منسجماً أبداً مع ذلك الجو العام، كان كثير الخُلوة والاعتزال وقليل الاندماج والاختلاط بالناس في بيئتهم تلك في ظروفهم تلك، سيما المناسبات السيئة التي تشوبها المنكرات، كان كثير الابتعاد أو يبتعد دائماً عنها والابتعاد عن الناس بشكل عام في أكثر ما هم فيه نتيجة لهذا الجو السلبي المشحون والممتلئ بالسلبيات والمنكرات والفساد، وعُرف عنه كثرة التأمل، وعُرف عنه النضج والرشد والحكمة والصواب حتى كانوا ينظرون إليه بأنه الإنسان الحكيم الذي لا نظير له في حكمته وإصابته وإصابة رأيه، عُرف أيضاً بمصداقيته التي لا نظير لها وأمانته التي لا مثيل لها، فكانوا يسمونه بالصادق الأمين وكان له في مكة نفسها هذا التميز الملحوظ، الكل ينظرون إليه بإعجاب وبأنه شخص متميز عن كل الناس فيقولون جاءكم الصادق الأمين له مهابة إذا شاهده الإنسان مقبلاً يشاهد عليه الوقار والهيبة، وإذا جالسه الإنسان أحبه لأخلاقه الراقية، وقار من دون تكبّر وهيبة من دون عُجب أو غرور أو استعلاء على الناس، أبداً، فنشأ نشأة طيبة ومباركة وتنامت فيه كل المؤهلات القيادية، تعززت فيه مكارم الأخلاق، وكان من الواضح فيه ألمه الكبير على الناس على الواقع القائم عدم رضاه وعدم اندماجه وعدم انسجامه مع ذلك الواقع، لأن الكثير من الناس يتأقلم مع أي واقع في أي منطقة أو في أي ظرف يعيش ويندمج معه، يندمج مع أي واقع ويتأقلم، لم يتأقلم رسول الله مع ذلك الواقع الجاهلي ولم ينسجم معه، ولم يذب أو يتلاش في أخلاقه وتصرفاته ضمن ذلك الواقع، بقي يعيش حالة الغربة من هذا الجانب أن يرى المجتمع البشري من حوله المجتمع البشري وهو غارقٌ في ظلمات الجاهلية ورجسها ودنسها، وكان يتعبّد الله على ملة إبراهيم عليه السلام وموحداً لله سبحانه و تعالى.
هذا ما كان عليه إلى أن ابتعثه الله بالرسالة، في مرحلةٍ معينة من حياته عندما بلغ حسب الروايات سن الخامسة والعشرين من عمره الشريف قرر الزواج وتزوج بالصديقة الطاهرة خديجة رضوان الله عليها، خديجة بنت خويلد كان لها شأن كبير وعظيم عند الله سبحانه و تعالى والزواج بها كذلك وراءه الرعاية الإلهية والاختيار الإلهي وراءه رعاية الله وعنايته بهذا الشاب المبارك، اختار الله له تلك الزوجة لتكون إلى جانبه مؤمنةً به مصدّقةً وسنداً، وليكوّنا معها أول نواة للإسلام وأول أسرةً مؤمنة إلى جانبهم الإمام علي عليه السلام الذي عاش عند رسول الله وتربى عند رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
تحكي السير والروايات والأخبار أن رسول الله اشترك مع خديجة – وكانت ذات ثروة ومال – في نشاط تجاري بالشراكة بالمضاربة، وأن هذا العمل زاد من معرفتها به، فعرفت عن مكارم أخلاقه وشمائله إضافة إلى ماهو معروف به أصلاً، في مكة المكرمة، فقررت الزواج به وكان اقترانها به وهي كذلك مثلما كان هو في الخامسة والعشرين كان على حسب روايات مختلفة مابين الرابعة والعشرين إلى السابعة والعشرين، ما يقارب هذا العمر وليس بصحيح ما تذكره بعض الروايات أنها كانت طاعنة في السن وأن الفارق مابين عمرها وعمره كان كبيراً جداً وأنها توفيت بعد خمسة عشر عاماً وهي في الستين من العمر وهو في نضج الشباب وكماله، هذا غير صحيح أبداً، روايات بعض المخاضيع، لهم فيها مآرب مذهبية، لكن سخيفة يعني بعض المشاكل المذهبية أثرت عليهم لدرجة غير لائقة أبداً، دخلوا في أشياء ومشاكل القضايا الأسرية لرسول الله صلوات الله وعلى آله، يكبّروا نسوان ويصغّروا نسوان يردوهن طفلة يقولوا لك تزوج بخديجة عجوز وعائشة بنت طفلة صغيرة جداً لا تزال تلعب مع البنات فتؤخذ من بينهن وتُزف إلى بيت رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، يعني تفاصيل وأطروحات غير مؤدبة وغير طبيعية حتى في الحالة البشرية والمألوف لدى البشر والشيء الفطري لدى البشر.
رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ما بعد اقترانه بخديجة وزواجه المبارك منها تأمن له استقرار في حياته وهي قدمت نفسها وثروتها وما تملك في خدمة رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وعرفت بفضله وعرفت بمكانته وعرفت بقدره وقيمته وأعزته ولم تتعامل فقط معه كزوج عادي ترتبط به ارتباطا عاديا، لا ،عرفت أن له شأنا عظيما ومنزلة كبيرة ومستقبلا مهما فكان لها إسهام كبير وأمنت للرسول صلوات الله عليه وعلى آله فرصة لأن يكون له أوقات للعبادة وأوقات للخلوة وأوقات للتأمل وكان كثير التأمل تأمل في الكون والعالم ليس ليعرف هل هناك رب وهو الله أم لا هذا كان معروفاً حتى لدى المشركين المشركين كل العرب كانوا يقرون بالله (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خلقهن العزيز العليم) ما كانت مسألة الله مجهولة لدى العرب وكانوا يستغربون إذا قال أحدهم الله فيقولون من هو الله ما هذا الكلام لا، هذا طرح ضعيف جدا لبعض الكتاب والمؤرخين ونشاهده في كثير من المسلسلات التاريخية والسير التي توثق عن السيرة، جهل كبير والبعض يقولون هكذا أن رسول الله أمضى تلك الفترة في البحث هل هناك أحد اسمه الله أو خالق للسموات والأرض لا ، هذه مسألة كانت قائمة في الأساس وموجودة وفطرية ومتوارثة بعد الأنبياء فلم يكن هذا الموضوع هو الهدف الرئيسي لخلواته وتأملاته هذه خلوات وتأملات يزداد فيها ارتقاءً وإيمانا ومعرفة بالله سبحانه و تعالى وليس بأصل وجوده لا يعرف هذا، ثم في الواقع من حوله كيف كان يفكر كثيرا في الواقع البشري والحالة القائمة في أوساط الناس وأهمية تغيير هذا الواقع وما يتطلبه تغيير هذا الواقع ولم يكن هذا غائبا عن نفسيته وعن ذهنيته وعن اهتمامه وهو الممتعض من ذلك الواقع وغير المنسجم معه نهائيا فكان أيضا يجاور بحراء غار كهف هناك أحد الجبال في مكة طيلة شهر رمضان المبارك يجلس بشكل تام طيلة الشهر في ذلك الكهف يجاور لوحده ينفرد بالعبادة يقوم بخدمته في تلك الفترة الإمام علي عليه السلام وهو في مرحلة الطفولة ونشأ عند رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ويستمر على هذا الحال فترة طويلة من الخلوة من التأمل من العبادة من الاهتمام والتعامل والتعاطي في الواقع بحذر يعني لا هو ذلك المنعزل كليا عن هذا الواقع ولا هو الذائب في هذا الواقع والمندمج فيه والمنسجم معه والضائع فيه لا اختلط بالناس بقدر ويبتعد عن كل الظواهر السلبية والمنكرات عنده اهتمام بواقع الناس وأسهم في بناء الكعبة عندما أعيد بناؤها في ذلك العصر كان هو الذي تولى حل المشكلة التي طرأت ما بين قبائل قريش على رفع الحجر الأسود فقدم حلا حكيما حفظ به دمائهم وكانوا وصلوا إلى درجة الاستعداد للحرب والقتال فيما بينهم التنازع على أي قبيلة تتولى هي رفع الحجر الأسود في موضعه بالكعبة فقدم لهم ذلك الحل الصائب والسديد عندما طلب قطعة قماش كبيرة ووضع الحجر فيها وطلب من كل قبيلة أن يأتي زعيمها فيرفع بطرف الثوب فتشترك كل القبائل في رفع الحجر ثم وضعه بيديه الشريفتين في مكانه.
على العموم كان رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله في تلك الفترة في هذا الحال من البناء الإلهي والإعداد الإلهي محفوفا بملائكة الله مؤمنا له كل أسباب الرعاية مطهرا ومصونا من أي مؤثرات في ذلك الواقع القائم الذي قد طغى في كل الأرض ومن ذلك في واقع مكة وصل إلى مكة كل شيء الوثنية والأصنام والبغي والظلم والفساد والمنكرات والفواحش ووأد البنات وقتل الأبناء كل المصائب وصلت إلى هناك وغير هناك ، عاش مصونا حتى أذن الله بابتعاثه بالرسالة.
بابتعاثه بالرسالة الله سبحانه و تعالى بلا شك كان قد هيأه لذلك ببعض أو بكثير من المقدمات أي لم تكن المسالة فجأة بشكل صادم لرسول الله هكذا دفعة واحدة بدا عليه جبريل وفاجأه وخرجه من الكهف رسول لا، لابد أن هناك مقدمات يعني المسألة طبيعية فالله هو الحكيم وأحكم الحاكمين في التهيئة لرسول الله وهذا ما ورد في السير والأخبار بمنامات بهتافات من الملائكة بتسليم عليه من الملائكة بإشارات كثيرة بأمور كثيرة لايسع الوقت للحديث عنها والدخول في تفاصيلها، غير أنه يمكن أن يكون من الأهمية أن نشير إلى أنه لا صحة أبدا لبعض الروايات التي قدمت صورة فظيعة وحشية خالية من القداسة عن بدء الوحي على رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله لظنون في روايات غير صحيحة نجزم ونقطع بأنها غير صحيحة لأنه فوجئ رسول الله بالظهور المباغت والهجوم المفاجئ لجبريل عليه السلام عليه إلى داخل الغار فجأة ليظهر أمامه ويقول له دفعة واحدة إقرأ هكذا يعني هجوم مباشر ومفاجئ وبدون مقدمة إقرأ فيقول ما أنا بقارئ يعني أنا لم أتعلم ماعندي ما أقرؤه فيهجم عليه هجوما مباشر ويغطه في بعض التعبيرات يخنقه في بعضها أخذ بخنقه حتى كاد أن يلفظ أنفاسه ثم تركه ويقول له إقرأ فيقول ما أنا بقارئ ثم يشن عليه الهجوم مرة أخرى هذه رواية عجيبة جدا يعني شيء عجيب البعض كيف يستسيغون أن يتحدثوا عن جبريل بهذه الطريقة أي معلم في واقعنا البشري يتصرف بهذه الطريقة لتعرض لانتقادات كبيرة أما في بعض المناطق لتعرض للطرد من المدرسة يعني كيف تتعامل مع الطلاب على هذا النحو فغطه مرة ثانية حتى أيس من نفسه في بعض التعبيرات يعني ظن أنه سيموت من ذلك الهجوم الشديد والعنيف جدا الذي خنقه فيه حتى كاد أن يموت ثم تركه ليستعيد نفسه بعد أن كاد أن يموت يعني حالة رهيبة وفظيعة ثم يقول له اقرأ باسم ربك الذي خلق.
هذه الرواية وهذه الطريقة لبدء الوحي ليست صحيحة أبدا وفيها إساءة واستفاد منها أولئك المشككون والمرتدون والمستشرقون منها ومن أمثالها من الروايات التي تقدم عملية الوحي عملية غريبة جدا خالية من كل تلك الأجواء المقدسة التي عرضها لنا القرآن في وحي الله على موسى عليه السلام ولا فيها خنق ولا فيها غطه حتى كاد أن يلفظ أنفاسه ولا فيها أي شيء من هذه الإجراءات التي تأتي بغتة من دون مقدمات كيف كانت عملية الوحي إلى موسى عليه السلام؟
أولا يرى نارا هناك تلفت نظره ليذهب إليها لوحده يقترب فيرى نارا غير محرقة يرى نارا نورانية تتوقد بالنور في الشجرة يخاطب بخطاب مقدس يرحب به يرشد إلى قداسة هذا المكان ويوجه بخلع نعليه يتقدم وهو يعرف من يخاطبه والجهة التي تتخاطب معه و يرى الملائكة حافين بذلك النور وهكذا يعني عملية كلها قداسة كلها اطمئنان كلها رحمة وحفت بالطمأنة له أن لا يخاف وأن يطمئن وأن خطابه من الله إلى آخرة.. بالتأكيد لم تكن عملية التخاطب مع رسول الله بتلك الوحشية بتلك الطريقة الغريبة والفظة والتي فيها غط وخنق وما شابه ، كانت بطريقة مختلف، رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم لم تكن رؤيته لجبريل كما يبدو من خلال القرآن الكريم في الغار هذا أولا لقد رأه خارج الغار ورأه في أفق السماء القادمة يعني ما تجي الفجأة عليه إلى داخل الغار ما انتبه والبدية (الظهور) عليه كذا فجأة، ففاجأه بظهوره داخل الكهف لا، الله يقول ولقد رأه بالأفق المبين بالأفق في جو السماء نازلا إليه وفي جو لا لبس فيه ولا ارتياب ولا شكوك جو واضح ورأه رؤية العين ورؤية الفؤاد وعرف المسألة بوضوح كثيرا الأخبار والراويات الصحيحة ذكرت كيف أنه رآه نازلاً بالأفق المبين الواضح وصل إليه وسلم عليه وعرفه عن نفسه أنه جبريل وأنه نازل بالوحي عليه وأقرأه السلام من الله وجلس إلى جانبه في جو ليس فيه غط ولا خنق ولا أي هجوم وحشي لا ليست حلبة مصارعه لا جو مقدس وجو عظيم وجو راقي فتحدث معه وأقرأه ألسلام من الله وأخبره آيات ودلائل حتى يطمئن نفس رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، وأبلغه الابتعاد بالرسالة طبعا نحن أيضا نذهب إلى أنه ليس أول ما نزل من القرآن سورة إقرأ باسم ربك الذي خلق ونذهب إلى ما روي عن الإمام علي عليه السلام وعن كثير من أئمة أهل البيت عليهم السلام وكثير من مفسري الأمة وعلمائها إلى أن أول سورة نزلت من القرآن الكريم هي سورة الفاتحة سورة الحمد فاتحة الكتاب وأم الكتاب هي أول سورة نزلت من القرآن حتى مضمونها هي أشبه بعناوين عامة تشمل محتوى القرآن ثم يأتي القرآن الكريم كتفاصيل لهذه العناوين وهي أعظم سورة حسب المعروف بين الأمة عن رسولها ونبيها صلوات الله عليه وعلى آله, أعظم سورة في القرآن والسورة الجامعة التي محتواها كل ما ورد في القرآن من تفاصيل ولهذا فرضت علينا قرأتها في الصلاة ولا تصح الصلاة إلا بتلاوتها على العكس من بقية السور القرآنية يمكن أن تقرا ما تيسر من القرآن من أي سورة.
أول ما نزل من القرآن الكريم هو سورة الفاتحة وليس بالضرورة أن تكون عملية نزول القرآن في أول لقاء وفي أول رؤية مع جبريل وحالة الرسالة هي حكيمة ومتدرجة ومنظمة إلى أخره. ونزول القرآن الكريم كان في شهر رمضان بالنسبة للبعثة البعض يقولون في شهر رجب كانت البعثة والبعض يقولون في شهر رمضان والبعض لهم أقوال أخرى ولكن من المؤكد يقينا أن نزول القرآن ابتدأ في شهر رمضان الكريم لأن الله قال “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن” وقال “إنا أنزلناه في ليلة القدر” فنزول القرآن لم يكن في غير شهر رمضان ابتداؤه أما فيما بعد فكان ينزل في فترات وفي أوقات متعددة بحسب اعتبارات كثيرة منها اعتبارات عملية ومنها غير، فابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان المبارك كما يؤكده القرآن هذا أمر لا التباس فيه.
بعد ابتعاث الرسول بالرسالة بدأ نشاطه بالرسالة من محيطه الأقرب دعوته هي دعوة عامة ودين للعالمين وهو رسول للعالمين وحركته بالرسالة هي حركة منظمة تبدأ بمراحل مرحلة إثر مرحلة بطريقة حكيمة وبنائه وعظيمة وناجحة بدأ بمحيطه الأقرب أول نواة في الإسلام وأول نواة للرسالة الإلهية إيمانا بها وتصديقا بها والتزاما بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوجته خديجة وعلي بن أبي طالب الذي كان باقيا عنده ويعيش لديه ويتربى عنده، كان أول بيت إسلامي وأول نواة للإسلام هي هذه النواة واستمرت لسنوات هذه النواة ووردت في أخبار كثيرة ثم امتدت إلى المحيط العشائري القريب من الرسول، قال الله سبحانه و تعالى للرسول “وأنذر عشيرتك الأقربين” فبدأ بعشيرته الأقربين لأن الإسلام دين لا بد له من أمة تحمله ولا بد له من نواة تتحرك به وتؤمن به وتحمله كمشروع لها فلوحظ هذا تأسيس نواة لهذا الدين منذ اللحظة الأولى منذ بداية المشوار فكانت عشيرته الأقربين بنو هاشم وبنو المطلب ثم بعد ذلك توسعت هذه الدائرة في بقية مكة ووصل إلى مرحلة الصدع بالرسالة بين قريش بكلها “فأصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين. إنا كفيناك المستهزئين” بعد سنوات البعض يقدرها بثلاث سنوات بدأت هذه المرحلة مرحلة تعميم الدعوة وسط قريش وبالتالي تصل أرجاؤها إلى كل المنطقة العربية.
كان من حكمة الله سبحانه و تعالى أن تكون أول منطقة تحتضن هذا النشاط الرسالي وحركة الرسول بالرسالة هي مكة هذا عامل مهم جدا في وصول صوت الإسلام وصدى الإسلام إلى كل أنحاء الجزيرة العربية وأبعد من ذلك وأبعد من الجزيرة العربية ذلك لأن العرب والوفود كانت تأتي إلى مكة من كل صوب وبالتالي عند أي خبر مهم انتشر في مكة ستتناقله تلك الوفود إلى مناطقها ويصل إلى الناس, هذا يمهد فيما بعد لقابلية الإسلام آنذاك لا قنوات فضائية ولا إذاعات تنتشر الأخبار بطريقة النقل الشفوي والنقل البشري ينقل الإنسان ويسمع وينقل إلى بلده ما بش وسائل نشر آنذاك.
فكانت مكة خير مكان وأنسب مكان ومنطقة تبدأ فيها حركة الإسلام ليصل صداه وصوته حتى عندما تأتي الظروف العملية والملائمة في انتشار هذا الإسلام عمليا يكون قد وصل صداه والمعرفة عنه وبطبيعة هذا المشروع الإلهي عناوينه مميزاته خلاصة دعوته إلى أرجاء العرب كافة وأبعد من العرب.
خلال هذه الفترة أسلم القليل في مكة وكانت الدعوة إلى الله وكانت هذه الرسالة بدعوتها للتوحيد خروجا في نظرهم عن كل ما هو سائد ليهم من عقائد وتقاليد وثقافات هم متمسكون بها ومصرون عليها ومقدسون لها يعني كانت تمثل بالنسبة لهم صدمة ومشكلة كبيرة جدا ثم تشكل في نظر الملاء والمستكبرين منهم خطرا على نفوذهم القائم على أساس تلك الضلالات والانحرافات والمستفيد منها هذه مشكلة هذا ربما من أكبر ما صعب الأمور وعقد الأوضاع أن كثيرا من الزعامات آنذاك بنت زعاماتها ونفوذها وسلطتها وهيمنتها على المجتمع بناء على ذلك الواقع، تمارس التسلط تمارس الظلم تمارس الطغيان تمارس النهب تمارس المكر سلوكيات كلها تصطدم مع الإسلام وتدخل في مشكلة مع الإسلام الذي لن يقبل بها أبدا واستفادت حتى من الوثنية وما فيها من خرافات كله جو يساعدهم على تعزيز السلطة ووفرة المال والحصول على الثروة فكانت هذه البيئة العامة التي رأت في هذه الدعوة وهذه الرسالة أمرا متناقضا معها أناس أشداء الواقع العربي نفسه كان العرب فيه شديدون جدا والمجتمع القرشي نفسه مجتمع شديد وعنيد ومتعنت وخصم مشكليين يشتو (يريدون) مشاكل على طول لجوجين جدليين معاندين يعني بيئة مليئة بالجو المناقض لهذه الرسالة ومشحونة وشديدة وليست بيئة سهلة البيئة لم تكن بيئة سهلة أبدا، وهذا يلفت نظرنا إلى مسألة مهمة جدا جدا وهي ما كان عليه رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله أولاً من الإيمان العظيم بالله والثقة العجيبة بالله سبحانه و تعالى فهو لم يستوحش أنه سيقدم بهذه الرسالة في هذا العالم ويحمل لواءها ويتحرك بها في عالم كله من حوله ممتلئ بالظلمات والباطل والكيانات الكثيرة المتكتلة حول هذا الباطل وحول هذا الضلال والقوى المتعددة في الساحة التي ترعى وتحمي هذا الضلال والباطل يعني ذلكم الضلال وذلكم الباطل المنتشر في أرجاء هذه الأرض والطاغي في الواقع العربي وكذلك المسيطر في الوضع في مكة لم يكن بدون رعاة ولم يكن بدون حماة ولم يكن بدون من يحمله يروج له يحميه لا.. كيانات زعامات قوى لها قدرتها العسكرية قدرتها المادية نفوذها بين أوساط المجتمع قابليتها العالية بين أوساط المجتمع فمعنى أن يتحرك بهذه الرسالة أنه سيدخل في خصومة ومشاكل لا أول لها ولا أخر بداء من محيطه القريب في مكة من قومه من قريش الذين سيصطدمون بهذه الرسالة ويكذبون ويتعنتون ويحاربونها بكل ما يستطيعون امتدادا إلى بقية الواقع العربي وامتدادا إلى غير الواقع العربي الكيانات والدول الكبيرة القائمة آنذاك أمثال الروم وأمثال فارس.
كذلك الانتماءات المللية اليهود هناك النصارى هناك في ملتهم ، اليهود هناك في ملتهم، الوثنيون هناك في ملتهم، الكل يرى في هذه الرسالة تناقضا معه واختلافا معه، وكذلك خطورة على ما بنى عليه واقعه المظلم والظالم والفاسد.
فالكل سيحتك والكل سيدخل في إشكال كبير تجاه هذه الرسالة ، الرسول كان مستأنسا بالله ومتوكلا على الله واثقا بالله و تحرك غير مكترث بهذا الواقع الكبير من حوله وبطريقة حكيمة وصحيحة حظي بحركة بحماية كبيرة من عمه أبي طالب وقبل ذلك هي حماية الله وكذلك من أسرته بني هاشم وهذا ساعده في الجو المكي في الوضع القرشي هناك ثم كذلك في مرحلة معينة بدأت حالة الإسلام والإقبال على الإسلام لا بأس ولكن واجهت قريش هذا الإسلام أولا بالاعتداء على من يسلم سيما إن كان ضعيفا ليس له حماية من قبيلته ولا من أسرته أو هو من أسرة ضعيفة لا تتمتع بمكانة اجتماعية تستطيع أن توفر له الحماية فتعرض الكثير من مَن أسلموا للاضطهاد والظلم الشديد جدا وكان أول من تعرض لهذا الاضطهاد أسرة من اليمن ياسر والد عمار بن ياسر وابنه عمار وكذلك أم عمار سمية، هذه الأسرة تعرضت للظلم والاضطهاد الشديد ووصلت حالة الاضطهاد إلى استشهاد والد عمار وأمه فكان والده وكانت أمه أول الشهداء في الإسلام نتيجة للتعذيب.
الحكاية طويلة جداً في التاريخ، الرسول صلوات الله عليه وعلى آله ابتعث كحل عاجل لهذه المشكلة بعضا من ضعفاء المسلمين إلى الحبشة في هجرة إلى هناك، كان ملك الحبشة رجلا متزنا وعادلا استقبلهم وآواهم بل وأكثر، وأرسل معهم جعفر ابن أبي طالب يكون أميرا لهم ومسئولا عنهم ومعتنيا بالحفاظ عليهم ورعايتهم، العهد المكي كذلك استمر فترة طويلة وصراعات كبيرة واجه فيها الرسول حملات دعائية كبيره جدا، باتهامات توجه له على أنه مجنون، وعلى أنه ساحر، وما معه من المعجزات، ومنها القرآن، بل هو أعظمها، إنما هو سحر يؤثر، إلى غير ذلك.
لم يكترث، كان قويا بقوة هذه الرسالة، رسالة قوية، مبادئها قوية، أخلاقها قوية، مضامينها قوية، وفعالة جدا في أثرها في الإنسان، وفي فاعليتها في الحياة، وفي أنها صلة مع الله سبحانه و تعالى، يحظى من تمسك بها بمدد من الله وعناية من الله ورعاية من الله سبحانه و تعالى.
العهد المكي استمر ثلاثة عشر عاما، في بعض الأخبار والسير، انتهى العهد المكي لاعتبارات متعددة، أولها: أن أهل مكة والوضع في قريش وصل إلى نهاية الطريق، من هو قابل للإيمان قد آمن، والبعض إما مستضعفون لم يجرؤا على إظهار إيمانهم، وإما قد حق القول على أكثرهم، كما ورد في القرآن، لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، ميؤوس من إيمانهم، خلاص، لم يحظوا بهذا الشرف وأن يكونوا هم حملة هذه الرسالة، ثانيا: توفي أبو طالب وتوفيت خديجة وأصبحت حياة الرسول بعد وفاة أبي طالب وبعد حنق قريش الكبير واشتداد الخصومة مع الرسول والإسلام أصبحت حياة الرسول مهددة بالخطر، (وَإِذْ يَمْكُرُبِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْيَقْتُلُوكَ أَوْيُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) مكروا به إما لأن يسجنوه وإما لأن يقتلوه وإما لأن يخرجوه، أيضا الدور الذي يراد من مكة في حال لم يقبل أهلها بالإسلام انتشار صدى الإسلام تحصل هذا، انتشار صدى الإسلام، أقيمت الحجة الكاملة على قريش، قال الله للرسول: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ، ما عليك لوم، أتممت عليهم الحجة، صبرت عليهم بما يكفي وهم الألداء الأشداء، المعاندون اللجوجون المخاصمون المجادلون، الذين لم يتركوا لأنفسهم الفرصة الكافية لأن حتى يتفهموا لهذه الدعوة، وكانوا يقولون: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَاتَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)، أتت مرحلة العهد المدني الذي هاجر فيه الرسول إلى المدينة، كان عرض منذ السنة العاشرة نفسه على القبائل، عليها الإسلام، وأن تحظى بشرف الإيواء والنصرة لهذا الدين، وأكثرها رفضت حتى قابل وفدا من يثرب، هذا الوفد أسلم وقبل وعاد، وفي المرة الثانية عادوا بعدد كبير، وكانت بيعة العقبة الأولى، ثم بيعة العقبة الثانية، وابتعث الرسول بعد بيعة العقبة الأولى مصعب بن عمير رضوان الله عليه إلى المدينة، نشط بشكل كبير في المدينة، أصبحت المدينة جاهزة لاستقبال الرسول والرسالة.
حظي أهل يثرب الأوس والخزرج، القبيلتان اليمانيتان بالشرف، أن يكونوا هم الذين استبدلهم الله، واختارهم لحمل هذه الرسالة بدلا من قريش ومكة التي عصت وأبت وتمردت، وترك رسول الله مكة برغم قداستها، وبرغم أهميتها، وبرغم وجود بيت الله الحرام فيها، وأصبح خادم الحرم الذي يتزعم الوضع في مكة ويزعم أنه الأولى بالله وببيته وبدينه وبكل شيء أصبح أبو جهل وأبو سفيان وأبو لهب، ومن معهم وغيرهم من المشركين، وترك الرسول مكة ببيتها الحرام وبكل ما فيها، وذهب إلى المدينة.
بنى في المدينة مسجدا، بيتا لله، تتحرك منه رسالة الإسلام، وقام بخطواته بعد أن وصل إلى المدينة، من بناء المسجد، ومن الإخاء بين المهاجرين والأنصار وبين المؤمنين كمؤمنين، الوثيقة التي نظم بها الوضع في تعايش سكان المدينة، وتعزيز الروابط بينهم، ليلتفوا حول الإسلام، والتعايش حول دولة الإسلام التي سوف يبنيها هناك، بدأت مرحلة جديدة بني فيها كيان الإسلام بشكل عظيم، وكانت مرحلة الهجرة هي مرحلة ميلاد الأمة، ولهذا اختيرت للهجرة.
بدأت مرحلة الجهاد، بدأت مرحلة الصراع المسلح مع قريش، الذين قاموا ودخلوا في مراحل جديدة، بدءا بسعيهم لحصار الرسول اقتصاديا، فواجه هذه الخطوة واستهدف قوافلهم، فعمدوا إلى حربه عسكريا فتصدى لهم، فكان رسول الله صلوات عليه وآله نبيا ورسولا عظيما، هو خاتم الأنبياء والرسل وسيدهم، واجتمع فيه كل ما لدى الرسل السابقين جميعا، حمل عن كل الرسل والأنبياء كل المواصفات العظيمة في عبوديته لله سبحانه و تعالى في كل جوانبها، الروحية والعملية والأخلاقية والسلوكية، والقتالية، كان الرجل العظيم والصابر والثابت والحليم، والذي يعفوا عند المقدرة، والصابر أمام الشدائد والمحن، والبطل والشجاع والعظيم، وكان أعظم قائد عسكري عرفه التاريخ.
البيئة العربية كانت بيئة شرسة جدا، بيئة محاربة، والعرب كانوا شرسين جدا في القتال، و”مشكليين من شق وطرف كلهم، عسرين جدا، مقاتلين وخصمين”، وأبسط الأشياء تسبب حرباً شرسة جدا فيما بينهم، والبطولة في القتال من أهم ما يتفاخرون به، ومتمرنين ومتمرسين على القتال ومعتادين عليه، وفي هذه البيئة التي خاصمته حاربته صارعته توجهت وتحركت ضده لم يكن ضعيفا أبدا، كان عظيما بعظمة هذا الإسلام الذي أتى به، بعظمة القرآن والهدى الذي أتي به، فكان هو أول المؤمنين به وأول المسلمين الذي جاء بالصدق وصدق به، وجسد تطبيق تلك التعليمات، وجسد تلك الأخلاق في واقعه والقيم العظيمة، أدار أكثر من ثمانين واقعة من الغزوات والسرايا في حروبه، مع كل تلك الفئات التي تكالبت عليه، وحاربت وعادت، وتحركت بعدائية شديدة ضده وضد الإسلام، وضد المسلمين في مراحلهم الأولى، أدارها بإدارة عسكرية لا نظير لها ولم يسبق لها مثيل، ولم يأت بعدها مثيل لها، وعظمة الإنجاز الذي تحقق للرسول صلوات الله عليه وعلى آله يفوق كل خيال، وينبهر منه كل متأمل في التاريخ، ولا يجد له حالة مشابهة فيما قبله ولا فيما بعده.
الرسول صلوات عليه وآله –ولا يسعنا الحديث، هذا عرض موجز جدا لم ندخل فيه إلى التفاصيل أصلا – الرسول صنع إنجازا عظيما ينبهر منه الإنسان، لقد تمكن من خلال ارتباطه بالله وحركته بتعليمات الله سبحانه وتعالى، من إحداث أكبر تغيير في بيئة معقدة وصعبة جدا، بيئة فوضوية، بيئة معاندة، بيئة شرسة، هذا الواقع العربي، وبيئة منفلتة، “ما عنده انضباط لا لشرع ولا لنظم ولا لشيء أبدا”، بيئة جاهلة يصعب تفهيمها، فتح الله به آذانا صما، وأبصرت به أعين –كذلك- عمي، وفتح الله به أفئدة غلفا، يعني الأمر صعب أن تفهم أولئك الناس، حقائق كثيرة جدا، أمة مليئة بالخرافات والأباطيل، والموروث الجاهلي الذي أصبح عقائد كبيرة، الأصنام عندهم مقدسة، الحديث عنها مباشرة يفتح مشكلة، يفتح مشكلة عندما تتحدث عن الأصنام هذه والآلهة، هذا يفتح مباشرة معهم مشكلة كبيرة، يعني واقع ساخن، وصعب، ومعقد، ويصعب تفهيمه بحقائق كثيرة جدا، الحقائق التي امتلأت بها آيات القرآن، عن الكون والحياة ومعرفة الله والمبدأ والمعاد، وو…، وصولا إلى تغيير العادات والتقاليد ونظام الحياة وفرض التزامات ونظم إسلامية، تضبط بها الحياة، لأمة فوضوية ليست متعودة على ذلك نهائيا، فتزاح من حياتها عقائد كانت مقدسة لديها وكانت راسخة، وعادات وتقاليد كانت معتادة وموروثة، ومتمسك بها جدا، والمساس بها يفتح حروب وصراعات ومشاكل وعداء شديد، وتواجه بها زعامات وتكتلات قبلية، وتواجه أيضا فيما وراءها كيانات دولية، فكان واقع كبير وعجيب.
صنع إنجازا كبيرا، تغير الواقع العربي خلال فترة عشرين عاما غير فيها واقع الجزيرة العربية، تلك العقائد انتهت، تبدلت بنور الإسلام، تلك العادات والتقاليد انتهت، المجتمع الذي كان مجتمعا فوضويا توحد تحت راية الإسلام، وأصبح منضبطا لتعاليم الله، وخاضعا للإسلام، ولحكم الإسلام، ولأمر الإسلام وأمر رسول الله صلوات عليه وآله، حسم الصراعات العسكرية بأكثر من ثمانين، ما بين سرية وغزوة، ومنها غزوات كبيرة، ومواقف كبيرة، بدؤها بدر وختامها حنين بالنسبة في الواقع العربي، مع اليهود كذلك مع بني النظير مع بني قينقاع، مع بني قريظة، مع خيبر، مع يهود فدك، يهود تيماء، مع يهود واد القرى، أيضا بدأت حالة الصراع مع الروم، مع النصارى، كانت واقعة مؤتة، ثم بعدها كانت غزوة تبوك، لا يسعنا الدخول في التفاصيل.
صارع كل القوى التي تكالبت واستنفرت كل إمكاناتها الإعلامية والعسكرية، وكل أنشطتها وقدراتها البشرية والمادية في مواجهة هذا الإسلام، لكن نجح رسول الله صلوات عليه وآله في مهمته الرسالية أعظم نجاح بأقل التكاليف، لاحظوا مثلا لو رسول الله صلوات عليه وآله عندما قال له جبريل مثلا: مهمتك عالمية، أنت رسول للعالمين، قدم هذا الدين إلى كل البشر، أوصل رسالة الله إلى العباد، أقم للإسلام كيانا، إلخ، يقول “بس هذا مشروع كبير ويحتاج ميزانية ضخمة، ويحتاج إمكانات هائلة، ويحتاج أعداد كبيرة من البشر! لا، لا عنده ولا شرط ولا قيد، بدأ وتحرك بمفرده”، ثم بالقلة القليلة من المؤمنين معه، ثم اتسعت هذه الدائرة شيئا فشيئا، بإمكانات بسيطة ومتواضعة، لم يحتج إلى دعم أجنبي من قوى ومكونات، ليست ضمن الكيان الإسلامي، أطراف أخرى غير مسلمة، مثلا يستمد من الفرس أو من الروم أو من بعض الوثنيين العرب، أو يستفيد من صراعات هنا أو هناك ليعتمد عليها وهي من خارج دائرة الإسلام، أبدا، اعتمد على التمويل الإسلامي، في من قد أسلم من إمكاناتهم المتواضعة جدا، بإمكانات متواضعة، لم يحتج إن يقول لله جل شأنه: “أنا أشتي منك خمسة جبال تحولها لي ذهب، تكون ميزانية لي، حتى أني أشتغل وأستطيع أعمل”، لا. تحرك بالمتاح بالممكن، وعلم المسلمين ورباهم على هذا الأساس، أن يتحركوا بأنفسهم وأموالهم وقدراتهم وطاقاتهم، وأن يثقوا بالله سبحانه وتعالى، أنه سيبارك فيهم، وفي قدراتهم وفي طاقتهم، وسينميهم وينمي ما معهم، ويزيدهم خيرا، ويبارك لهم، ويحثهم بالإعداد لما استطاعوا من قوة، ويعلمهم الحكمة ويزكيهم، ويطهر أخلاقهم، طهر الساحة العربية من تلك العقائد والخرافات، من أرجاس الجاهلية، “خلاص منعت الفواحش، خلاص ممنوع، عليها عقاب شرعي”، وكذلك طهرت الساحة العامة، ممنوع السرقة، وتحسن الوضع الاقتصادي للأمة، وانتشر نور الإسلام وعم الجزيرة العربية، لينشئ كيانا عظيما متميزا، وبأقل كلفة من الخسائر البشرية، هذا عجيب، هذا معجزة.
الرسول صلوات الله عليه وعلى آله مع تلك الحروب مع الصراع المرير والشديد جداً مع الذين حاربوه من العرب وحاربوه من اليهود وحاربوه من النصارى يُحصي ويحصر بعض المؤرخين أن عدد القتلى في مجموع كل تلك الحروب إلى حين انتهت إلى حين وفاة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله لم يكن – من أصحابه من المسلمين ومن أعداءه من الكافرين بكل فئاتهم – لم يكن بأكثر من ألف وأربعمائة قتيل، هذه قصة عجيبة جداً، تحديات كبيرة أعداء شرسين جداً وبأقل كُلفة من الخسائر البشرية وأقل كلفة من التضحيات والخسائر المادية وحقق انجازاً استثنائياً وصنع تغييراً جذرياً، الأشياء التي كانت عادات يعني ما كان أحد يتخيل يستطيع العربي يبّطل الخمر بطّلوه يشرب خمر يُجلد خلاص، وأشياء كثيرة تغيير جوهري وجذري كبير، وتوجيه نحو راية ونحو أهداف سامية ونحو مبادئ عظيمة مع أنه واجه صعوبات كبيرة حتى في الواقع الداخلي كحركة المنافقين حركة الذين في قلوبهم مرض ضِعاف الإيمان الذين كانوا يترددون الإساءات التي كان يعاني منها، قلة الأدب من كثير حتى من المسلمين في التعامل معه، لكنه كان أكبر من كل تلك العوائق والتحديات لأنه كبُر بهذا الدين الذي أتى به فكان أعظم منْ آمن به وجسده وتأثر به وتحرك به، على العموم لا يسع المقام للحديث وإلا نتمنى أن يسعنا المقام يبقى كثير من النقاط لن يسعنا الوقت للحديث عنها يمكن أن نشير إليها إن شاء الله في كلمة الغد ويمكن إن شاء الله في مواسم قادمة إذا أعطانا الله الفرصة وتهيأت لنا الظروف نتحدث أكثر وأكثر. في ختام هذه الكلمة أود أن أنبه على ثلاث أو أربع نقاط :
أولاً:
أدعو شعبنا العزيز إلى الحضور الحاشد والفاعل والكبير والعظيم والمميز يوم الغد إن شاء الله في الاحتفال المركزي بذكرى مولد الرسول صلوات الله عليه وعلى آله في صنعاء، كذلك الإخوة في الحديدة للاجتماع في مناسبتهم هناك إن شاء الله.
نأمل إن شاء الله أن يكون الحضور كما في كل عام حضوراً حاشداً ومميزاً وعظيماً، لنقول لكل المنافقين وعلى رأسهم النظام السعودي ولكل أعدائنا من الكافرين وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل أننا شعبٌ لو حاربته كل الدنيا ولو كان حجم التضحيات بالملايين من الشهداء لما تراجعنا قيد أنملة غلى الوراء في ولائنا لرسول الله في تمسكنا بهذا الإسلام في مبادئه وقيمه وأخلاقه في إصرارنا وتصميمنا وعزمنا على التحرر من كل سيطرة لكل طاغوتٍ في هذا العالم من الكافرين أو المنافقين، من كل المفسدين في الأرض، هذا إسلام لا إلة إلا الله محمد رسول الله، نبينا محمد هو قدوتنا الأول هو أسوتنا العظيم الذي نستلهم في ذكراه هذه، من عزمه من إيمانه من ثباته في مواجهة كل التحديات من يوم أن قال ( والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى أهلك دونه أو يظهره الله).
نحن على هذا المبدأ قدوتنا هو رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله والذي يوم قال الله له (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) فلم يدهن حتى وإن كانوا سيدهنون لأنه لا يتراجع عن مبادئه لأنها مبادئ إيمانية عظيمة مقدسة، حريتنا بالنسبة لنا مبدأ إيماني وليس فقط رأياً سياسياً، حريتنا مبدأ إيماني لو تنازلنا عنه خسرنا إيماننا وخسرنا إسلامنا، فنحن شعب الإيمان وأحفاد الأنصار وسنقول لكل العالم أننا سائرون على هذا المبدأ لا فكاك عنه ولا تراجع عنه، على الآخرين أن يراجعوا مواقفهم كل الذين يتوهمون أن بإمكانهم أن يستعبدوا شعبنا، ليعلموا أن أحلامهم خيال وأن وهمهم سراب، وأنهم لن يصلوا إلى نتيجةٍ أبداً.
نحن في هذه الذكرى سنستفيد المزيد من العزم والطاقة الإيمانية والثبات في تصدينا لهذا العدوان الظالم الغاشم وحضورنا سيعبّر عن هذا الإيمان وعن هذا الولاء وعن هذا التمسك، وأننا نسير كأنصار لله سبحانه و تعالى ولرسوله في كل عصرٍ وفي كل زمن، هذا اللواء إذا كان حمله الأجداد يوماً لن نتركه في هذا العصر بل سنبقى حاملين له ولن نسلّمه إلا للجيل الآتي من بعدنا، لواء النصرة للإسلام لواء النصرة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله، لواء الإسلام الحق الذي هو إسلام العزة وإيمان العزة وإيمان التوحيد لله سبحانه و تعالى والكفر بكل الطواغيت المستكبرة في هذا العالم.
ثانياً:
نجدد إدانتنا للنظام السعودي في إدخاله للصهاينة إلى مسجد رسول الله وتدنيسه لمقام رسول الله في الوقت الذي هو يُعيق أكثر المسلمين من بلدنا ومن غير بلدنا في الذهاب إلى المدينة والذهاب إلى مكة للحج ولزيارة الرسول، يمنع هذا عن المؤمنين ويدخل الصهاينة، في الوقت الذي يصدر فيه مفتوه حرمة قتال الإسرائيليين يصدرون الفتاوى بوجوب قتال المسلمين اليمنيين، فهم حرموا قتال الصهاينة وأجازوا العلاقة مع الصهاينة وأوجبوا حرب اليمني المسلم، هكذا الاتجاه المخالف والاتجاه القلب والخطأ والغلط.
ندعو شعبنا إلى العناية بالتكافل الاجتماعي في هذه المناسبة .
أدعو من جديد إلى الكف عن المناكفات الإعلامية في وضعنا الداخلي .. وبحرمة هذه المناسبة أقول لكل الإعلاميين ممن يحترم رسول الله ويحترم الإسلام، كفوا عن المناكفات الإعلامية السلبية التي تعزز الشحناء في الداخل ويستفيد منها ويبتهج المعتدي الظالم .. ومن المهم أن يكون التوجه ألى توجيه الروابط والتعاون في مواجهة هذا العدوان كواجبٍ عظيمٍ ومقدس.
نترك بقية الحديث ليوم الغد إن شاء الله ..
نسأل الله سبحانه و تعالى أن يوفقنا لما فيه مرضاته، وأن يجعلنا من أنصار رسوله وأنصار دينه ومن المتمسكين بهديه ونهجه، إنه سميع الدعاء،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ’’