جامعة الدول “السعودية” .. “العربية” سابقا!
محمد عصمت
ببصمات سعودية واضحة، جاء البيان الختامي للاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الأحد الماضي بالقاهرة، ليحاول تقديم خريطة سياسية جديدة للصراعات الكبرى في الشرق الأوسط، أصبحت من خلالها إيران العدو الرئيسي للدول العربية، وحزب الله لم يعد فقط طائفيا بل صار إرهابيا أيضا، في حين أصبحت إسرائيل صديقا محتملا، بل وحليفا مؤكدا يمكن أن يشارك في الحرب التي تريد المملكة أن تراها مشتعلة في المنطقة بين السنة والشيعة، في أقرب وقت ممكن!
عملية فك وتركيب الصراعات في المنطقة طبقا للتصورات السعودية، سبقتها اتصالات سرية لا أحد يعرف مداها وعمقها بين المملكة وإسرائيل، حيث كشف وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز بعض تفاصيلها المثيرة فى لقاء مع إذاعة جيش الاحتلال بعد اجتماع الوزراء العرب بيوم واحد، أكد فيه بوضوح تام أن بلاده أجرت محادثات سرية مع المملكة لبحث المخاوف المشتركة بشان إيران، في نفس الوقت الذي فجرت فيه صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية منذ عدة أيام مفاجأة مدوية بتأكيدها على أن حكومة نتنياهو رفضت طلبا سعوديا بضرب حزب الله مقابل مليارات الدولارات، وذلك عقب احتجاز الرياض لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لدفعه للاستقالة من منصبه، والتي ترافقت مع “حملة مشبوهة” شنها ولي العهد السعودي ضد ما أسماه “الفساد” في المملكة، والتي اعتقل بمقتضاها عددا من معارضيه من الأمراء وكبار رجال الأعمال النافذين!
الهوس السعودي بزعامة محور سني يواجه المحور الشيعي في المنطقة، تخطى حدود الدفاع عن نفوذ الوهابية وحماية انتشار أفكارها في الدول العربية، حيث يبدو أنه أصبح يرتبط بطموحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حكم المملكة، والذي حاول تأكيد زعامته أو فرض نفوذه على منافسيه على العرش من أبناء عمومته، فورط بلاده حينما كان وزيرا للدفاع في المستنقع اليمني في حرب عقيمة قدرت جهات غربية تكاليفها بأكثر من 1500 مليار دولار حتى الآن، تحملتها الخزينة السعودية على حساب انخفاض مستوى معيشة ملايين السعوديين، ثم يريد الآن ضرب حزب الله في لبنان عقابا لإيران على إطلاق الحوثيين صاروخا باتجاه مدينة الرياض، بعد أن فشل في هزيمتهم عسكريا باليمن!
محمد بن سلمان يدرك ولا شك أن تصعيده ضد إيران وحزب الله سيجد صدى طيبا لدى إدارة ترامب ولدى إسرائيل بالقطع، والذي يحاول كسب تأييدهما لتسهيل عملية وصوله لحكم السعودية خلفا لأبيه، إلا أن هذا التصعيد وما صاحبه من إجراءات يثير العديد من التساؤلات حول موقف الدول العربية التي وقع وزراء خارجيتها على بيان إدانة إيران وحزب الله، بخصوص حجم الدمار الذي سببته الحرب السعودية على اليمن، والذي لا يمكن مقارنته بأي شكل من الأشكال بصاروخ الحوثيين الذين أطلقوه باتجاه الرياض، وبخصوص موقف المملكة من الإرهاب رغم تمويلها كل المنظمات المتطرفة بالمال والسلاح في سوريا، ولا حول التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية بهذا السفور لدرجة إعلان استعدادها لتمويل هجوم إسرائيلي عليه بمليارات الدولارات، ولا بالدمار الذي سوف تخلفه هذه الحرب إذا نشبت على المنطقة، ولا بأهمية الحفاظ على حزب الله لردع أية مغامرات إسرائيلية في لبنان.
قد يكون الوزراء العرب الذين وقعوا على هذا البيان يراهنون على عدم قدرة السعودية على شن الحرب على حزب الله، كما شنتها على الحوثيين فى اليمن، وقد يكونوا مطمئنين إلى رفض إسرائيل شن الحرب بالوكالة عن السعودية في لبنان، ولكن مجرد توقيعهم على هذا البيان، بدون أية تحفظات على السياسات السعودية في المنطقة يشي بأن الجامعة العربية أصبحت أداة في أيدي المملكة، أو في أفضل الأحوال ذراع سياسية لها، رغم أن أي خطأ في حسابات هذا الطرف أو ذاك، قد يضع المنطقة كلها على برميل بارود يهدد بإشعال حربا ضارية، لن تنجو السعودية ذاتها من نيرانها المحرقة!
كاتب مصري